- سيد نفسه من لا سيد له
- نحن أحرار بمقدار ما يكون غيرنا أحرارا
- ليس من المنطق أن تتباهى بالحرية و أنت مكبل بقيود المنطق
- حيث تكون الحرية يكون الوطن
- ليس من المنطق أن تتباهى بالحرية و أنت مكبل بقيود المنطق
- إذا تكلمت بالكلمة ملكتك وإذا لم تتكلم بها ملكتها
إذا ما اشتدت وطأة الحياة وتأزمت الكلمة وعجز العقل عن التمييز بين الواقع والخيال، أو بين الشيء ونقيضه، عندئذ نلجأ للحكمة التي هي خلاصة تجارب الناس لمئات السنين.
والحكمة لا تأتي إلا من تجربة، والتجربة لا تأتي إلا بالعمل، وقيل قديما: «اسأل مجرب ولا تسأل طبيب».
فما أحوجنا اليوم لمثل تلك التجارب. نتزود بها حكمة وعبرة، بما يعزز لغتنا وقيمنا، ويتصدى لما يعتريهما من تشويه أو تقصير. وفي هذه الصفحة سأتناول مختلف المواضيع وأبحث عن التجارب وأقف معكم على صفات وأخلاقيات البشر وحالاتهم.. بين الترح والفرح، كل ذلك في وجبات يومية استخلصتها من التراث العربي الأصيل لأقدمها في هذه المساحة زاداً رمضانياً ننهل منه جميعنا.
حديثنا اليوم عن الصمت وحفظ اللسان، وقد قيل في تفضيل الصمت على الكلام الكثير، ووصف بمعادن نفيسة مفضلة وما إلى هنالك. وفي ذلك قال الامام الشافعي: إذا أراد أحدكم الكلام فعليه أن يفكر في كلامه، فإن ظهرت المصلحة تكلم، وإن شك لم يتكلم حتى تظهر.
عيوب ابن آدم
قال قس بن ساعدة وهو أحد حكماء العرب ومن كبار خطباء الجاهلية وكان أسقف نجران: سُئل أحدهم كم وجدت في ابن آدم من العيوب؟ فقال: هي أكثر من أن تحصر. وقد وجدت خصلة إن استعملها الإنسان سترت العيوب كلها. قال: وما هي؟: قال: حفظ اللسان.
وقال أحد الائمة: لا تتكلم يا فلان فيما لا يعنيك فإنك إذا تكلمت بالكلمة ملكتك ولم تملكها. وقال بعضهم: (اللسان مثل الأسد إن لم توثقه عدا عليك ولحقك شره).
عبارات وأبيات
قال الشاعر: احفظ لسانك أيها الإنسان/ لا يلدغنك إنه ثعبان/ كم في المقابر من قتيل لسانه/ كانت تهاب لقاءه الشجعان.
وقالت الحكماء: من نطق في غير خير فقد لغا، ومن نظر في غير اعتبار فقد سها، ومن سكت في غير فكر فقد لها.
وقيل: لو قرأت صحيفتك لأغمدت صفيحتك، ولو رأيت ما في ميزانك لختمت على لسانك. وقال حكيم: إذا أعجبك الكلام فاصمت، وإذا اعجبك الصمت فتكلم. ويقال أيضا: من السكوت ما هو أبلغ من الكلام، لأن السفيه إذا سُكت عنه كان في اغتنام. وقيل: الكلمة أسيرة في وثاق الرجل، فإذا تكلم بها صار في وثاقها.
حِكَم الملوك الأربعة
جاء في كتاب المستطرف: اجتمع أربعة ملوك فتكلموا، فقال ملك الفرس: ما ندمت على ما لم أقل مرة، وندمت على ما قلت مرارا. وقال قيصر: أنا على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت. وقال ملك الصين: ما لم أتكلم بكلمة ملكتها، فإذا تكلمت بها ملكتني. وقال ملك الهند: العجب ممن يتكلم بكلمة إن رفعت ضرت وإن لم ترفع لم تنفع.
وكان بهرام جالساً ذات ليلة تحت شجرة فسمع منها صوت طائر، فقال: ما أحسن حفظ اللسان بالطائر، والإنسان لو حفظ لسانه ما هلك.
هيبة الصمت
قال علي بن ابي طالب كرم الله وجهه: بكثرة الصمت تكون الهيبة، وقال عمرو بن العاص: الكلام كالدواء إن أقللت منه نفع، وإن أكثرت منه قتل.
وقال لقمان لولده: يا بني إذا افتخر الناس بحسن كلامهم، فافتخر أنت بحسن صمتك.
قال الشاعر: احفظ لسانك لا تقول فتبتلي/ إن البلاء موكل بالمنطق.
(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا او ليصمت). حديث شريف.
قال ابو الفتح البستي: تكلم وسود ما استطعت فإنما/ كلامك حي والسكوت جمادُ/ فإن لم تجد قولاً سديداً تقوله/ فصمتك من غير السدادِ سدادُ.
أمثال
يقال: صمت دهراً ونطق كفراً.
قال الشاعر: فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله/ ولو سكتوا أثنت عليك الحقائبُ.
وقيل: عليك من أمرك ما تستطيع/ وما ليس يغنيك عنه فذر/ وللصمت أجمل في حينه/ من القول في خطلٍ أو هذر.
ويقال: الصمت يكسب أهله المحبة، وقيل: وقد أفلح الساكت الصموت، وكم شاهد لك لا ينطق، ومن سكت سلم، وكثرة الصياح علامة الفشل.
أقوال مأثورة
ذم اعرابي رجلاً فقال: هو سكِّيت في بطش عفريت.
إن في السكوت ما هو أبلغ من الكلام.
ويقال.. أسمعُ فأعلم وأسكتُ فأسلم.
يقول الشاعر: الصمت زين والسكوت سلامة/ فإذا نطقت فلا تكن مهذارا/ فلئن ندمت على سكوتك مرة/ فلتندمن على الكلام مرارا.
وقال آخر: الزم الصمت إن أردت نجاة/ ليس ضحضاح منطق مثل غمرِ
(الضحضاح: القليل ويقال قليل من الماء، والغمر هو الكثير).
وقار
قال زياد الغزاري وهو من شعراء الجاهلية: وأسكت حتى يحسبَ الناس أنني/ أخاف على شيءٍ لدي خطيرِ.
قال الشاعر: صبورٌ على الأزمِ الذي العز خلفه/ ولو أمطرتهُ بالحريقِ سحابُ/ جزوعٌ من الراحاتِ إن نتجت له/ خمولاً وفي بعض النعيمِ عذابُ. (الازم: بمعنى: الضيق).
وصف الصمت
يقال: (صمت حصاة بدم).
قال الاصمعي: اصله أن يكثر القتل وسفك الدماء حتى إذا وقعت حصاة من يد راميها لم يسمع لها صوت كما حصل في بعض بلدان (الربيع العربي)، لأنها لا تقع إلا في دم، فهي صماء ولا تقع على الأرض فتصوت وهكذا العرب تقول: (صمت حصاة بدم).
وتقول العرب أيضا: أصاخ إصاخة المندهِ للناشد (الاصاخة بمعنى السكوت والناشد الذي ينشد الشيء، والناده بمعنى الزاجر والمنده أي كثير الزجر للإبل).
ويقال: الصمتُ حكمٌ وقليلٌ فاعله.
الحكم من الحكمة ومنه قوله تعالى: (وآتينه الحكم صبياً) سورة مريم آية 12. والمعنى هو استعمال الصمت حكمة، ولكن قلَّ من يستعملها وبالأخص أغلب أهل هذا الزمان.
الصمت يكسب أهله المحبة
تقول العرب: صاحب سر فطنته في غربة. أي أنه لا يدري كيف يدبره ويحفظه حتى يضيفه يعني السر. ويقال: صه صاقع (أي اسكت وصقع إذا كذب).
قال ابن الاعرابي: الصاقع الذي يصقع في كل النواحي، أي اسكت فقد ضللت عن الحق.
تجميل خالد
قال الإمام علي الرضا المتوفى سنة 77هـ: فالصمت زين ووقار وقد/ يؤتى على الانسان من لفظتِه/ من لزم الصمت نجا سالماً/ لا يندم المرء على سكتتِه.
أما كعب بن زهير فقال: فاخشَ سكوتي إذ أنا منصتٌ/ فيك لمسموع خَنَا القائلِ/ فالسامع الذم شريك له/ ومطعم المأكول كالآكلِ/ مقالة السوء إلى أهلها/ أسرع من منحدر السائلِ/ ومن دعا الناس إلى ذمهِ/ ذموهُ بالحقِّ وبالباطلِ.
وقيل: الصمت أفضل من النميمة، وحسبك بالنمام خسة ورذيلة، والهماز المغتاب الذي يأكل لحوم الناس، الطاعن فيها، وقال الحسن البصري: هو الذي يغمز بأخيه في المجلس، وهو الهمزة اللمزة (أي العياب) وهو العتل الفاحش السيء الخلق.
إجازة
قال الامام حامد الغزالي: النميمة إنما تطلق في الغالب على من ينم قول الغير إلى المقول فيه، كقوله: فلان يقول فيك كذا، فينبغي للإنسان أن يسكت عن كل ما رآه من أحوال الناس إلا ما في مصلحة لإنسان أو لدفع معصية. وينبغي لمن حملت إليه النميمة ألا يصدق من نم إليه، لأن النمام فاسق وهو مردود الخبر.
حديث شريف
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: شراركم المشاؤون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة الباغون العيوب.
خصال مهلكة
وجاء في كتاب المستطرف: وأما السعاية إلى كل ذي منصب وإلى كل ذي قدرة، فهي المهلكة والحالقة، لأنها تجمع الخصال الذميمة من الغيبة وشؤم النميمة والتعزير (الخداع) بالنفوس والأموال في النوازل (المصائب) والأحوال. وتسلب العزيز وتحط المكين (صاحب المكانة العالية) عن مكانته، والسيد عن مرتبته، فكم دم أراقه سعي ساع، وكم حريم استبيح بنميمة نمام، وكم من الصفوف تباعدت، وكم من متواصلين تقاطعا، وكم من محبين افترقا، وكم من إلفين (صديق) تهاجرا، وكم من زوجين تطالقا. فليتق الله ربه عز وجل.. رجل ساعدته الأيام وتراخت عنه الأقدار أن يصغي لساع أو يستمع لنمام.
قال الشاعر صالح بن عبد القدوس:
وقال نصار بن سيَّار: وإن النار بالزندينِ تورى/ وإن الفعل يقدمه الكلام.
وقال آخر: الدهر ينقص تارة ويطول/ والمرء يصمت مرةً ويقولُ/ والقول مختلفٌ إذا حصلته/ بعضٌ يُرد وبعضه مقبولُ.
يقال: رُبَّ كلمة سلبت نعمة.
وإني لأترك جُلَّ الكلامِ/ لئلا أُجاب بما أكرهُ/ إذا ما اجتررت سفاهِ السفيهِ/ عليَّ فإني أنا الأسفة.
أدب
يقال: تعلَّم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الكلام، ومن حسن الاستماع إمهال المتكلم حتى ينهي حديثه.
تقول العرب: يضع الهناء مواضع النقب (الجرب) أي لا يتكلم إلا فيما يجب فيه الكلام.
وجاء على ذلك: أرى أُناساً ومحصولي على غنمِ/ وذكرَ جودٍ ومحصولي على الكلمِ.
يقال: لا سيرك سير ولا هرجك هرج، يضرب للذي يكثر في الكلام. و.. قد يبلغ الكلام حيث تقصر عنه السهام.
قال الشاعر: وحدثتني يا سعد فزدتني/ غراماً فزدني من حديثك يا سعدُ. وقال آخر: إذا نصبوا للقول قالوا فأحسنوا/ ولكن حُسن القول خالفه الفعلُ.
قال أبو تمام: وأقل الأشياء محصول نفعٍ/ صحة القولِ والفعالُ مريضُ.
قال الشاعر: وأراك تفعل ما تقول وبعضهم/ مذق اللسان يقول ما لا يفعلُ.
وقال آخر: ما أصعب الفعل لمن رامه/ وأسهلَ القول على من أرادَ.
وقال آخر: ما كل قولٍ بمعروفٍ لكم فخذوا/ ما تعرفون وما لم تعرفوا فدعوا.
أصل المثل
تقول العرب: أساء سمعاً فأساء جَابةً.
والمعنى: يضرب هذا المثل للرجل الذي يخطئ السمع فيسيء الإجابة، والجابة اسم مثل الطاعة والطاقة. والجابة بمعنى الإجابة.
قالوا: المثل لسهيل بن عمرو وكان له ابن ليس بذكي فرآه شخص فسأله: أين أَمُّك؟ أي قصدك. فظن أنه يسأله عن أمه.. والدته، فقال: ذهبت تطحن، فقال سهيل: أساء سمعاً فأساء جابة. فذهبت مثلا. فلما صار إلى زوجته أخبرها بما قال ابنها، فقالت إنك تبغضه فقال (أشبه إمرئ بعض بزه) فأرسلها مثلا.
قال الشاعر: وكم من عائب قولاً صحيحاً/ وآفته من الفهم السقيم.
ويقول عنترة بن شداد: وصاحب ناديته فغمغما/ يريد لبيك وما تكلما/ قد صار من خوف الكلام أعجما.
تقول الاعراب: سكت الفاً ونطق خَلْفاً. يضرب هذا المثل للرجل الذي يطيل الصمت ثم يتكلم بالخطأ، والخلف بمعنى الرديء من القول. وكان للأحنف بن قيس جليس طويل الصمت، فاستنطقه يوما، فرد عليه قائلاً: يا أبا بحر اتقدر أن تمشي على شُرَف المسجد. فقال الأحنف سكت الفاً ونطق خَلْفاً.
مؤاخاة
تقول العرب: السكوت أخو الرضا.
ويقال إن هذا المثل لحسان بن ثابت حين قُتل عثمان، قال لبعضهم: تزعم أنك ما قتلته؟ نعم ما قتلته. ولكنك خذلته، والخاذل أخو القاتل، والسكوت أخو الرضا.
قال الشاعر: بني تميم ألا فانهوا سفيهكم/ إنَّ السفيه إذا لم يُنه مأمورُ.
ويقال: لا تهرف بما لا تعرف، والمثل يضرب في الرجل الذي يكثر من القول في وصفه للشيء، والهرف بمعنى الإطناب.
قال الشاعر: والصمت أجمل بالفتى/ من منطقٍ في غير حينه/ وعلى الفتى لطباعهِ/ سمةٌ تلوحُ على جبينه.
وقيل أيضا: اصمت فإنَّ كلام المرء يهلكه/ وإن نطقت فإفصاح وإيجازُ/ وإن عجزت عن الخيرات تفعلها/ فلا يكن دون ترك الشر إعجازُ.
لو حفظ الإنسان لسانه ما هَلَك
قل للذي لست أدري من تكونِه/ أناصح أم على غش يناجيني/ إني لأكثر مما سمتني عجباً/ يد تشج وأخرى تأسوني/ تغتابني عند أقوام وتمدحني/ في آخرين وكل عنك يأتيني. (سمتني أي أوليتني وتستخدم في الشر، وتأسوني بمعنى تعزيني)