حروب استعماريّة بالوكالة: سلاح الفتنة السنيّة الشيعيّة بعد الدّعششة والعثمنة
استنزف أحفاد المستعمرين القدامى لبلداننا بعد إذلالهم أجدادنا وقمعهم وقتلهم واستباحة حرماتهم بحشودهم العسكريّة ومعمّريهم المستبدّين وبمعاونة “الصبايحيّة” و”المحرّكين” القوّادين من جماعة “جورج واشنطن” ومن أبناء “العكري” وقراصنة “ملكة البحار” الإنجليز، استنزفوا ثروات أقطارنا العربيّة والإسلاميّة لعقود بل لقرون، فعلوا ما فعلوا بشعوبنا ونكّلوا بالمناضلين الوطنيين الأحرار وقتلوا من قتلوا وسجنوا من سجنوا ونفوا من نفوا، أحفادهم اليوم اعترفوا هم أنفسهم بما حصل من مظالم وما اقترف من مجازر وجرائم في حقّ الإنسانيّة خاصّة في تونس والجزائر وسوريا ومصر والسّودان وفيتنام والسينغال.
الغرب والأمريكان فعلوا ما فعلوا ببلداننا وبأجدادنا طيلة قرون خلت، لكن في نهاية المطاف، خرجت جيوشهم مأزومة مهزومة من دولنا بعد طردهم، شرّ طردة، من قبل مجاهدين ومناضلين غيورين لا يخافون في حبّ الوطن وعشقه لا رصاص ولا مجنزرات ولا قنابل ولا مفرقعات ولا أزيز طائرات، يرتعب أولئك المستعمرون بذكر التّونسي “مصباح الجربوع”، أو الجزائري “المختار بوعريريج” أو اللّيبي “عمر المختار” أو المغربي “علاّل الفارسي” أو المصري “سعد زغلول” أو الفيتنامي “هوشي منه” أو الإندونيسي “تورونجويو” وغيرهم نماذج وأمثلة من الزعماء الملهمين في نكران الذات والفداء في سبيل الوطن، طينة من البشر الواحد منهم كالكسر الأصمّ لا يقبل القسمة إلا على نفسه.
أذيال الخيبة جرّتها جيوش الاستعمار البغيض وهم يودّعون أراضينا وفي أنفسهم حرقة على كنوزنا وثرواتنا متحسرين على انقطاع حبل نهبها، خرجوا صاغرين وفي قلوبهم نقمة على كل رجل أو امرأة لها ذرّة حبّ لبلادها، يعلم القاصي والدّاني أنّهم يكرهون منّا من يتمسّك بهويته ويمقتون كلّ من له همّة عالية وضمير شريف وكلّ من يغير على أهله ويدافع عن أرضه، خرجوا خاسئين والفرائص ترتعد والأسنان تصطكّ، كيف لا والملاحم الشعبيّة أدخلت في قلوبهم الرعب، يتذكّرون جيّدا ولن تمحى من أذهانهم ملاحم “الجلاء في بنزرت” و”ثورة العشرين بالعراق” و”ديان بيان فو” في فيتنام.
لم يعجب المستعمرين أن يتركوا مستعمراتهم القديمة بشعوبها تعيش عيشة هنيئة مريئة مستقلّة، هم دائما يرونها ضعيفة متخلّفة ويريدون أن تكون شعوبها خانعة خاضعة تساق كقطيع الأغنام، لذلك سخّروا كلّ الإمكانيّات الماديّة واللوجستيّة والبشريّة في الدّاخل والخارج لإخضاع بلداننا لمشيئتهم ووضع اقتصادنا وقوت شعوبنا تحت رحمتهم، وعمدوا عبر متطوعين وعملاء في الداخل والخارج إلى إعلان حرب شعواء على كلّ ما هو “هويّة” و”أصل” و”فصل” وحتّى اللّغة الوطنيّة المحليّة حاربوها في الإدارة والتجارة والعمارة ووضعوا في محلّها لغة المستعمر واستعملوها واستماتوا في الدفاع ضمانا لوجودها وتأبيدها، لمصلحة من؟؟ هل ذلك لمصلحة الوطن؟ قطعا لا.
بعد الهيمنة الاقتصادية والثقافيّة والفنيّة وفي كلّ مناحي الحياة لم يرق للمستعمرين أن تهنأ الشعوب العربيّة الضعيفة وتحيا في أمن ودعة وسلام، وبقدرة قادر ظهر الإٍرهاب المسلّح والجماعات المتطرّفة وانتشرت “داعش” و”فاحش” وألوان شتّى ممن لم ينزل بهم اللّه سلطانا، انتشرت ملل ونحل لم نسمع بها حتّى في الأساطير الإغريقيّة، انتشرت انتشار النّار في الهشيم، جماعات تقتل وتذبح ومسلّحة بأعتى أنواع الأسلحة وأكثرها تطوّرا عبر العالم، بين عشيّة وضحاها صنعت “جماعات” تغلب جيوشا بأسرها؟
ويظهر أن “الدعششة” لم تكن وحدها كافية فبثّوا مسلسلات “العثمنة” وضخّموا التعاظم التّركي، وجعلوا من تركيا “فزّاعة” للأصوليين وحتّى للمنفتحين، جعلوا من سلطان الزّمان، العثماني “سليمان” وحريم قصره “لهّاية” لكبار العرب والمسلمين وشبابهم وصغارهم، وروّجوا لعودة المجد العثماني وكأنّ السلطنة قاب قوسين أو أدنى من التشكّل، ولكن يظهر أيضا أن “العثمنة” لم تكن ناجعة ولم تكن قاصمة لظهور العرب والمسلمين بالقدر اللاّزم لذلك أشعلوا فتيل الفتنة الطائفيّة مجدّدا مستأنسين بما حبكوه سابقا من مؤامرات “سايكسبيكويّة” بين نظام صدام حسين في العراق وبين “شاهاوات” إيران، وعرفوا أنّه سلاح اتسم بالفتك وسارع بالعراق إلى الحطام والدمار، وعجّل بأخذ صدّام إلى مقصلة الإعدام والقبر.
ما يحصل في بلادنا العربيّة وأقطارنا الإسلاميّة اليوم من تأجيج لنار الصراع الطّائفي في محوره “السّني – الشيعي” من خلال مزيد بثّ الفتنة بين الجانبين من قبل الدّوائر الاستعمارية القديمة والصهاينة، هو السلاح التقليدي القديم المتجدّد الذي استخدمه “المستعمرون” في القرون الخالية ضدّ العرب والمسلمين، ربمّا بدأ الأمر من زمن “سقيفة بني ساعدة”، سلاح اسمه “الفتنة السنيّة الشيعيّة”.