أملاك الأجانب في تونس
بالعودة إلى آخر المعطيات فإنّ آخر الأرقام الرسميّة المعلنة تشير إلى أنّ العقارات على ملك أجانب من جنسيّات مختلفة تعدّ بالآلاف منها 12305 عقار تتمركز ببنزرت فقط، حيث أفاد “فخر الدّين الأندلسي” رئيس مصلحة بالإدارة العامّة لأملاك الأجانب بوزارة أملاك الدولة والشؤون العقاريّة أنّ “الدّولة اقتنت إلى حدود موفّى 2015 ما يعادل 7645 عقار مقاما على 1951 رسما عقاريّا، وقد تمّ التّفويت في 3 آلاف عقار منذ عام 1984 وإلى اليوم حيث لا يزال 4645 عقار على ملك الأجانب ملفاتها في طور البتّ فيها من طرف “السّنيت التي ستحيلها في ما بعد على أنظار الوزارة ثمّ عرضها على اللّجنة الوطنيّة للتفويت”.
وللإشارة فإنّ الدولة وفّرت اعتمادات بقيمة 2 مليارين من الملّيمات لاسترجاع العقارات المتواجدة بولاية بنزرت فيما كان نصيب بقيّة ولايات الجمهوريّة من مجموع العقارات المسترجعة في 10 مليارات من الملّيمات.
وبخصوص اللّجنة الوطنيّة للتفويت فقد أنشأت بمقتضى الأمر عدد 1522 لسنة 1992 المؤرّخ في 15 أوت من السنة نفسها، عهدت رئاستها إلى وزير أملاك الدولة والشؤون العقاريّة فيما تتكوّن تركيبتها من ممثلين عن الشركة العقاريّة الوطنيّة للبلاد التّونسيّة، وزارتي الماليّة والدّاخليّة، بنك الإسكان، وإدارة الملكيّة العقاريّة.
رفض التفريط في الملكيّة
بصرف النّظر على الأجانب الذين توصّلوا إلى اتفاقيّات مع الدولة التّونسيّة لبيع ممتلكاتهم فإنّ البعض الآخر رفض هذه الخطوة ليظلّ ما يضاهي 4645 عقارا على ملكهم، وبالنّظر إلى غياب جلّهم وعدم تصرّفهم المباشر للعقارات المذكورة فإنّ القانون عدد 61 لسنة 1983 والمؤرّخ في 27 جوان من العام نفسه المتعلّق بالعقارات التي هي على ملك أجانب، والمبنيّة أو المكتسبة قبل سنة 1956، يمنح الحقّ لوزير أملاك الدولة والشؤون العقاريّة في الإذن لهيكل عمومي للتصرّف في هذه العقارات.
ووفق هذا القانون فإنّه يحقّ لـشركة “السّنيت” التصرّف في حوالي 2810 وحدة عقاريّة من مجموع 4645 بمقتضى بمقتضى مقرّر من الوزير المعنيّ، ويتمثّل دور الشّركة في استخلاص معاليم الكراء والقيام بإصلاح وترميم العقارات عند الاقتضاء، إلى جانب “حقّ التقاضي” ضدّ المتسوغين في حال ما يصطلح عليه بـ “عدم الصّفة” أو عدم دفع معاليم الأكرية في آجالها.
التوزّع الجغرافي حسب الجنسيات
تكشف المؤشرات الإحصائيّة المسجّلة حديثا أنّ العقارات الراجعة إلى ملك الأجانب والمشيّدة أو المملوكة قبل عام 1956، مصنّفة حسب النسب كما يلي:
– 67.3 بالمائة من العقارات موزعة بين ولايات “اقليم تونس الكبرى”، “نابل” و”زغوان”.
– 10.5 موجودة ببنزرت.
– 3 بالمائة بالشمال الغربي.
– 5.8 بالمائة بالوسط.
– 13.4 بالمائة بالجنوب.
أمّا فيما يخصّ النسب موزعة حسب الجنسيّان فإنّ 56 بالمائة من العقارات راجعة بالتملّك لفرنسيين و17 بالمائة للإيطاليين وفي حين تتوزّع نسبة 27 بالمائة المتبقيّة على جنسيّات أجنبيّة مختلفة أبرزها أوروبيّة وروسيّة.
أصنافها
تقسم وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية أملاك الأجانب إلى قسمين، قسم أول يضم العقارات المبنية أو المكتسبة قبل سنة 1956 وهي تمثل النصيب الأكبر من تلك العقارات وقد اشترتها الدولة التونسية من مالكيها الفرنسيين وبذلك انتقلت ملكيتها إلى الدولة، وقسم ثان يشمل العقارات التي ما تزال على ذمة الأجانب من مختلف الجنسيات وهي مرسمة بأسمائهم في دفاتر الملكية العقارية وغالبا ما يكون هؤلاء قد فوضوا أمرها إلى محامين تونسيين يتصرفون فيها في انتظار تسوية وضعياتها العقارية.
اتفاقيّات مع فرنسا وإيطاليا
جنسيّات عديدة يرجع إليها امتلاك عقارات في بلادنا، لكن ورغم أهميّة هذه العقارات وقيمتها الماليّة وأحيانا التراثيّة فإنّ المعطيات تؤكّد أنّ الدولة التّونسيّة أبرمت فقط اتفاقيّات الأولى مع فرنسا وذلك بتاريخ 23 فيفري 1984 وتهمّ العقارات الموجودة في بنزرت ثمّ أبرمت اتفاقيّة ثانية بيم الطرفين تخصّ بقيّة العقارات التي تعود ملكيتها لفرنسيين ببقيّة جهات الجمهوريّة، كما أبرمت للغرض اتفاقيّة مع الجانب الإيطالي حيث تمكّن جملة هذه الاتفاقيات التّونسي من شراء العقار الرّاجع لمالك دون أيّة اجراءات خصوصيّة على عكس الجنسيّات الأخرى حيث يستوجب الأمر من الرّاغب في اقتناء العقار الحصول بصفة مسبقة على رخصة من الولاية مرجع النّظر ومن وزارة أملاك الدّولة والشؤون العقاريّة.
حاتم العشي: “مافيات تسيطر على أملاك الأجانب”
في ندوة صحفية بالقصبة، انتظمت يوم الجمعة 12 فيفري 2016، قال وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية حاتم العشي إنه “سيتم التدقيق والرقابة في أملاك الأجانب لأن هناك مافيات تسيطر على هاته الأملاك في تونس، كما سيعرض للغرض مشروع قانون المصادرة المدنية على مجلس وزاري والمصادقة عليه، ومن ثمّة تمريره إلى مجلس النواب”، مبينا أن “هذا المشروع هو آلية دائمة لمكافحة الفساد ومطابق للمعايير الدولية في المصادرة وتطبيق الاتفاقية الدولية التي صادقت عليها تونس على خلفية شبهة الفساد”.
كما شدّد الوزير على أن “قانون المصادرة دائم ويقوم بتتبع المال الفاسد الذي سيقع مصادرته عن طريق القضاء وتجميده من قبل هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد التي سيتم تكوينها قريبا”، مؤكّدا بخصوص الأراضي الاشتراكية أنه “سيتم في القريب العاجل تنقيح قانون 64 المتعلق بالأراضي الاشتراكية وتحويلها إلى أراضي خاصة في ولاية القصرين”.
قلق لدى سكّان العاصمة
أثارت تصريحات بثّتها إذاعة تونسيّة خاصّة في شهر فيفري 2016 لوزير أملاك الدولة والشؤون العقاريّة حاتم العشّي بشأن قرب إخلاء مبان راجعة لأملاك الأجانب بغاية تجديدها مخاوف العديد من سكّان هذه المباني التي تحتل قلب العاصمة، حيث يبدي سكّان هذه المباني الذين يدفعون معاليم إيجار زهيدة أو يشغلون المباني بالحوز مخاوفهم من أن يقع إخراجهم من مساكنهم والتفويت فيها فيما بعد لا سيما وأن أغلبهم لا يملكون أيّة سندات قانونية تثبت التحوّز بأي شكل من الأشكال.
واعتبر العديد من شاغلي هذه المساكن أن وعود وزير أملاك الدولة حاتم العشي بأن يقع التفويت في هذه العقارات لهم بعد إعادة بنائها غير جدّية ناهيك أنّ الوضعية العقارية المعقدة لجل هذه العقارات قد تجعل عملية “السمسرة” فيها سهلة وفق ما أكده سكّان البنايات القديمة .
وقد أكّد “حاتم العشي” في تصريحه إذاعي أنّ الوزارة فتحت ملف أملاك الأجانب الذي اعتبره ملفا قديما جديدا وقدمته لرئاسة الحكومة وأنه يتضمّن العقارات القابلة للسقوط والتي انتهى عمرها الافتراضي والتي باتت في حاجة لإعادة البناء، مشيرا إلى صعوبة عدم قبول المواطنين ترك منازلهم خلال فترة ترميمها رغم التزام أن الوزارة بإسكانهم في عمارات أخرى بصفة مؤقّتة.
وأوضح “العشي” أن الوزارة قامت بمعاينة كلّ الشقق بالتعاون مع الشركة الوطنية العقارية للبلاد التونسية، وأنّه ستُخصص هيئة رقابة عامة لأملاك الدولة ستقوم بعملية مراقبة معمقة وتتبع المخالفين والمديونين للدولة، لافتا إلى أن عمارتي “الكوليزي” و”الناسيونال” تحت تصرف الخواص، وأن شققا شاغرة وأخرى بيعت بطريقة غير قانونية وأنّ الشركة الوطنية العقارية التونسية “السنيت” لم تحرك ساكنا، وأضاف الوزير أنه قانونيا لا يتم كراء عمارتي “الكوليزي” و”الناسيونال” إلا بالمزاد العلني، متسائلا :هل أن الدولة تحصل على أجر الكراء من هذه الأملاك أم يوجد ناس مخفيين وراء “السنيت”؟؟.
5 آلاف عقار متروكة دون تسوية
من جهتها قالت مصادر مطلعة من الشركة الوطنية العقارية التونسية، إن “أكثر من 5 آلاف عقار على الأقل من أملاك الأجانب لم تجد طريقها بعد للتسوية النهائية بعد أن ظلت لسنوات متروكة جانبا دون حل”، وأنّ أن ملف أملاك الأجانب يشكو من تعدد المتدخلين خاصة منهم الخواص حيث يتدخل في هذا الباعثون العقاريون، والمحامون، والدولة.
ورغم أن المسح شمل الكثير من أملاك الأجانب، فإن الغالبية العظمى، لم يشملها المسح وهي موزعة بين عدد من الولايات التونسية من تونس العاصمة، إلى نابل وجندوبة والقيروان وقابس وصفاقس والكاف، فأينما حل المعمرون، يمكن الحديث عن أملاك الأجانب. وترجع ملكية العقارات إلى جنسيات مختلفة من فرنسيين وإيطاليين وبلجيكيين ومالطيين وغيرهم.
وتعتبر الوفيات في أوساط المالكين الأصليين الأجانب للعقارات، من أبرز الصعوبات التي تحول دون تسوية وضعية أملاك الأجانب لغياب المخاطب القانوني ومالك العقار وحتى في صورة وجود مالكين للعقار المراد تسوية ملفه، فإن تعدد الورثة وعدم القدرة على الوصول إلى عناوينهم في الخارج، يثبت الصعوبات الموجودة في فض مثل هذا الملف الشائك.
“بزنس” الاستيلاء على أملاك الأجانب
اتهم نائب رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الشاغلين لأملاك الأجانب “أحمد بالسويد” الشركة العقارية للبلاد التونسية بـ”التفويت في 2552 عقارا من جملة 7645 عقارا لغير شاغليها بالمحاباة وعلى أساس المحسوبية”.
وفي تصريح له قال “بالسويد” إن “45 بالمائة مما تبقى من العقارات متداعية للسقوط”، كما أكد “تورط مجمع الشركات العقارية البلجيكية والتونسية إلى جانب الوكالة العقارية المتصرفة في أملاك الأجانب في ملفات فساد مالي واعتماد أساليب وطرق ممنهجة لإيصال العقارات الى حالة التداعي للسقوط لإخراج شاغليها بأيسر السبل”.
واعتبر رئيس الجمعية أن “هذه الشركات تتعمد إهمال العقارات التي بحوزتها رغم حصولها شهريا على معاليم الصيانة من المتسوغين في حين أن وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية تقر بأنها خصصت 86 مليارا من ميزانية الدولة لتغطية نفقات الصيانة والترميم، ويتساءل رئيس الجمعية: “أين صرفت معاليم الصيانة إذا كان 1700 عقار موضوع للهدم الفوري لأنه متداع للسقوط مائة بالمائة”.
وأعلن “بالسويد” أن الجمعية قد تقدمت بمقترح مشروع قانون لتأمين جميع العقارات ذات الصبغة السكنية والتجارية وباقي الأراضي الفلاحية المكتسبة التي لا تزال على ملك الأجانب منذ الاستقلال، والمطالبة بضرورة تكوين لجنة من وزارة املاك الدولة ووزارة الفلاحة تكون جمعية الدفاع عن شاغلي أملاك الأجانب طرفا فعالا فيها قصد متابعة عمليات التفويت في هذه العقارات إلى شاغليها.
قانون تملّك الأجانب والتعديلات
عقدت الحكومة بتاريخ 02 ماي 2014 اجتماعا وزاريا تقرّر على إثره تقليص الآجال للحصول على “رخصة الوالي” من 3 سنوات إلى 3 أشهر بالنّسبة للأجانب الرّاغبين في ملكية العقارات الخاصة بالسّكن بالأراضي التونسية، وهو ما أثار الكثير من الجدل حول توقيت هذه الخطوة ودوافعها وارتداداتها على المستوى الاقتصاديّ.
ويجدر بالتّذكير أنّه منذ الاستقلال، وعند صياغة دستور1959، سعت السلطة آنذاك إلى حماية الممتلكات وفرض قيود حمائية على تملّك الأجانب في تونس، حيث جاء القانون الصادر في 12 ماي 1964 ليحجر على الأجانب اكتساب الأراضي الفلاحية بتونس.
ثمّ نصّ القانون الصادر في 22 سبتمبر 1969 على أنه يمكن وبصفة استثنائية للأشخاص الطبيعيين الأجانب اقتناء قطعة أرض كمقر لهم وذلك بمقتضى ترخيص صادر من رئيس الجمهورية، واقتضى القانون الصادر في 28 فيفري 1959 أن اكتساب دولة أجنبية لعقار بتونس يخضع للترخيص المسبق لكاتب الدولة للرئاسة أي الوزير الأول.
ولعلّ من أهمّ الرخص الإدارية التي يمكن التعرض إليها في موضوع تملّك الأجانب في تونس هي “رخصة الوالي” رغم أنّ جهات إداريّة أخرى تتدخل في مراقبة التصرف في الملكية، تعدّ هذه الرّخصة التيّ تمّ تعديل مدّتها في 2014 من أهمّ الشكليات الإدارية المفروضة على العمليات الناقلة للملكية العقارية باعتبار أنها تمثل أداة لإجراء رقابة عامة على مثل هذه التصرفات، ويحدّد المرسوم عدد 4 المؤرخ في 21 سبتمبر 1977 مجال تدخل رخصة الوالي ويجعلها مقتصرة على التصرفات التي تتم بين الأجانب بهدف منع الأجانب من التملك بالأراضي التونسية، كما نصّ قانون 27 جوان 1983 المتعلق بأملاك الأجانب المبنية أو المكتسبة قبل غرة جانفي 1956 على أن التصرفات الناقلة للملكية العقارية تخضع للترخيص المسبق لوزير الإسكان، لتصبح في ما بعد من اختصاص وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية بمقتضى القانون عدد 50 لسنة 1992 المؤرخ في 3 فيفري 1992.
غير أنّه مع مرور السنين، وسعيا إلى جلب الاستثمار الأجنبي ودفع التنمية بالبلاد، صدر منشور عن الوزارة الأولى عدد 40 عام 2005 ونصّ خاصة على حذف الترخيص المسبق للوالي بالنسبة لاقتناء أو تسوغ الأجانب للأراضي والمحلات المبنية بالمناطق الصناعية أو الأراضي السياحية، وهو ما يعني أن الإعفاء من رخصة الوالي لا يهم إلا العمليات العقارية التي تكون الغاية منها إنجاز مشاريع اقتصادية.
وتبعا لما تقدّم فإنّ التعديل الذي قرّره الاجتماع الوزاريّ في 2014 فيما يتعلّق بمدّة “رخصة الوالي” يشمل فقط آجال منح الرخصة من 3 سنوات إلى 3 أشهر دون أن يمسّ هذا التّعديل بجوهر القانون أو مختلف الإجراءات المتعلّقة به.
وتظلّ مسألة “تملّك الأجانب” في تونس قضيّة حسّاسة لدى العديد من الأطراف السياسيّة وموضوعا تتعامل معه السلطات بحذر سواء قبل أو بعد ثورة “17 ديسمبر 2010 – 14 جانفي 2011” نظرا لارتباطها بعديد المفاهيم والمسارات المتعلّقة أساسا بالسيادة الوطنيّة والإرث التاريخيّ الاستعماريّ الذي عانت منه البلاد طيلة 75 سنة، وإلى جانب التعقيدات السياسيّة، فإنّ القضيّة تأخذ أبعادا اقتصاديّة واجتماعيّة نظرا لوضعيّة البلاد الاقتصاديّة المتأزّمة وتضارب الآراء والخيارات حول الخطوات الممكنة لتشجيع الاستثمارات الأجنبيّة كحلّ لهذه الوضعيّة الصّعبة.