التونسي ورمضان وعطلة الصيف : معاناة كبيرة
شهر رمضان على الأبواب والعجز في القدرة الشرائيّة ما ينفكّ يتفاقم، والرّواتب، في القطاعين العمومي والخاصّ، رغم ما أضيف إليها من “زيادات رمزيّة” هي دون المستوى المأمول والمواطن من الحالات الضعيفة والمتواضعة يتخبّط غارقا في شربة ماء، بل هو اليوم بين مطرقة أوضاع اجتماعيّة وماديّة عاصفة ومزرية وبين التزامات أسريّة ومجتمعيّة و”مواطنيّة” إجباريّة لا يمكن إغفالها حتّى لا يكون المصير ما لا يحمد عقباه.
التونسي يتخبّط بين الضرائب ودفوعات الجباية على نفسه وصحّته وأبنائه وعلى بيته وسيّارته حتّى لكأنّ الأنفاس التي يتنفّسها وجب عليه أن يدفع من أجل استمرارها وإلا” فلا شهيق ولا زفير “وإلاّ” فالويل والثبور والعقاب وما أدراك ما العقاب “هادم اللّذات ومفرّق الجماعات” ولا من نصير ولا من معين، التّونسي غرق إلى أذنيه في الديون والاقتراض من البنوك ومن الصناديق الاجتماعية وأقبل على “السلفات” و”الكمبيالات” حتّى أصبح وجهه كظيم يتخفّى ويتهرّب من دائنيه مثله مثل مرتكب الذنب والجرم العظيم.
يستيقظ هذا التونسي المسكين على أخبار ليست كالأخبار فهو يستقبل كلّ يوم أمرا جديدا يزيد في أمراضه النفسيّة وما تخلّفه من علل وأسقام بدنيّة ولنا في النسب الغريبة العجيبة التي تنشرها الدراسات والمجلاّت المهتمّة بشؤون الصحّة حول الأعداد المهولة لمرضى “ضغط الدّم” و”السّكري” في تونس الدليل القاطع الذي لا يقبل الدّحض على أنّ التونسي يعيش ليس في مستنقع أو في بئر عميقة حجريّة أو وسط الشّوك وإنّما هو يتلظّى في فوهة بركان لا تهدأ حممه عن الفوران والسيلان.
كلّ شيء صادم، فواتير الكهرباء والماء و”الزّبلة والخرّوبة” وخلاص “الكنام” وأداءات ما أنزل بها من سلطان على سيّارته “تأمين وتشخيص وفينيات”.. خطايا المرور والمحاكم وخطايا التأخير و..و..و..و..و مصاريف لا يجد المواطن بدّا سوى أن يدفعها كارها ومقهورا وفي آجال قصيرة غير منطقيّة وليست معقولة خاصّة بالنظر إلى مداخيل هذا التونسي صاحب الدخل المحدود أو القريب من المتوسّط والذي ليس له إلاّ راتبه فـ”لا ورثة ولا حرثة” و “لا تجارة ولا عمارة”. أمر مفتوح دوما على المجهول وأمره مفوّض إلى الله فلا تسهيلات ولا تذليلات، لا شيء غير “هات هات” و”توّة توّة” وهو عكس ما يلقاه من تلك الخدمات المترهّلة البالية التي تسدى له والتي ما زالت تسير وفق سيرورة “أرجع غدوة”.
يحدث ما يحدث للتونسي وهو وحده الذي يكابد مرارة الظروف وصعوبات المعيشة وهو الذي يتجرّع علقم الأوضاع التي ما زالت تراوح مكانها، فما ينتظره ويتطلّع إليه من منافع ما زالت قاطرتها لم تتحرّك قيد أنملة من مربضها الأوّل فالمشاكل والمعضلات على حالها الأوّل وفي الأفق لا شيء غير التعهدات والوعود وإجراءات وقرارات على الورق تنتظر نقلها إلى الواقع وتحقيقها في حياة النّاس حتّى يلمسوها وتعود عليهم بالمنفعة.
التّونسي في حالة احتضار مادّي واجتماعي ينتظر من سلطات بلاده العون والصّون والأخذ باليد والمداراة، ينتظر منها الشفقة والرّحمة والالتفات إلى حالته وإنقاذه من براثن النّوازل التي لم تنفكّ تنزل به حتّى أثملته دون سكرة، التونسي يترقّب حلولا مجدية وأداء أسرع وتنفيذا لما اتخذ لفائدته من قرارات وإجراءات لعلّها تعيد للمناخ المحتقن الذي يحيا فيه نسائم نظيفة تعيد إلى رئتيه هواء الحياة وحتّى يبتسم للعيش في وطنه.