نماذج دولية ناجحة: “رواندا.. من الإبادة الجماعية إلى الريادة الاقتصادية”
اقترن اسم رواندا لعقود بـ”الإبادة الجماعية” التي شهدتها خلال تسعينات القرن الماضي، وتحديدا سنة 1994، في أعقاب أحداث دامية وضعت في المواجهة عرقيتي “التوتسي” و”الهوتو”، لكن، وبعد أكثر من 20 عاما، تحوّل الاسم نفسه إلى قبلة للأعمال في منطقة شرق إفريقيا وذلك في ظلّ التطوّر الذي يشهده اقتصادها، وتنامي قدرتها على المنافسة.
استنتاجات خلص إليها أحدث التّقارير السنوية لممارسة الأعمال، والذي تتصدّر من خلاله رواندا المرتبة الثالثة ضمن 3 أفضل وجهات استثمارية في كامل أرجاء القارة الإفريقية، تسبقها “جنوب أفريقيا” و”موريشيوس” (جزر الموريس)، حيث تصنّف الأولى في منطقة شرق إفريقيا.
رواندا، هذا البلد “الصغير جدّا” من حيث الرقعة الجغرافيّة و”الضئيل جدّا” من حيث الحجم السّكاني تمكّن من التعافي سريعا من مخلّفات سنوات الإبادة، وهو اليوم يسجّل، بشكل منتظم ودوري، نسبة نموّ تناهز حدود 7 بالمائة، وذلك بالخصوص اعتمادا على القيمة المضافة التي تحقّقها قطاعات الزراعة والخدمات والسياحة التي توفّر، وبحسب بيانات رسميّة، زهاء 70 بالمائة من مواطن الشّغل في رواندا، وهذه النسبة تؤشّر على إنتعاشة الاقتصاد في هذا البلد، وهو “ما لم يكن أبدا ثمرة الصدفة”.
وجدير بالذّكر أنّ “الوكالة الرواندية للتنمية” تحتلّ صدارة الإصلاحات التي خاضتها رواندا لتحسين مناخ الأعمال، وهذه الإصلاحات شرعت فيها خلال السنوات الأخيرة، وقد تمكنت من تجسيدها لأنّ هذا البلد مقتنع تماما بضرورة تحسين الظروف للحصول على أعمال مزدهرة فيه”.
إصلاحات كانت حقيقة بمثابة “العصا السحرية” التي قادت المؤشرات الاقتصادية نحو الارتفاع في استجابة بدت بديهية لجملة التدابير والإجراءات التي تم إقرارها في هذا الصدد، حيث ألغيت جميع التعقيدات المتعلّقة ببعث الشركات، وأضحى بالإمكان فعل ذلك في غضون 6 ساعات فقط بالاعتماد على نظام رقمي متطوّر، إلى جانب تخفيض معدّل الضّريبة على دخل الشركات الناشطة في البلاد إلى حدود 30بالمائة، بالتوازي مع عروض توصف بالمغرية بالنّسبة للمستثمرين.
النّاتج المحلّي الإجمالي لرواندا قدّر بـ 7 بالمائة في 2014، وهي نسبة تعكس نموا مطّردا واستقرارا في هذا المؤشّر سنة 2015، كما رفعت وكالة التصنيف “ستاندرد اند بورز” العام المنقضي التصنيف السيادي لرواندا إلى (ب+).
وللإشارة، قامت “فيتش رايتينغ” بنفس الخطوة، حيث فسّر الخبراء الوضعيّة الاقتصادية العامّة الإيجابيّة والمريحة لرواندا بـعوامل عديدة مساعدة، من أبرزها “تعبئة التّمويل الخارجي”، و”وجود أدفاق مالية مستقرة من مختلف الجهات المانحة”، إضافة إلى “قدرة الحكومة على الوصول إلى أسواق المال”، فضلا عن توفّر مناخ مشجّع على الأعمال بفضل الاستقرار السياسي الذي تعرفه البلاد خاصة في العشريّة الأخيرة.
ووفقا لتحاليل الخبراء فإنّ تعهّد الرئيس “بول كاغامي” في ديسمبر 2015 بعدم الترشّح لانتخابات 2017 سيمكّن حتما من تجنيب البلاد من الانزلاق إلى متاهات الاحتجاجات والانقسامات، في سيناريوهات شبيهة بتلك التي تعيش على وقعها دول الجوار مثل بورندي والكونغو الديمقراطية.