عـــــــاجـــــل
السيد المدير العام للديوانة يتفقد سير عمل عدد من المصالح الديوانية بتونس مصالح الحرس الديواني تحجز خلال أسبوع كميات هامة من البضائع ومبالغ مالية مهربة بقيمة جملية بلغت 1.6 م... ورشة عمل لتفعيل الأنشطة المبرمجة في إطار شبكة الجيل الجديد للديوانة الأمين العام السابق للجامعة العربية نورالدين حشاد ابن الزعيم فرحات حشاد يتعرض الى وعكة صحية حادة تونس تحتضن الدورة السادسة للصالون الدولي للنسيج "INTERTEX TUNISIA" من 17-19 أكتوبر 2024 معهد تونس للترجمة ينظم ندوة دولية حول "الترجمة ومجتمع الغد" شراكة تونسيّة كنديّة:وفد من الكيبيك في تونس لتوظيف عشرات من مربّيات الطّفولة بعد تكوين خاصّ وزارة البيئة تنظم ورشة عمل وطنية في إطار مشروع "دعم العمل المبكر لتنفيذ الإطار العالمي للتنوع البيول... "منتصر العربي" أمين مال الهيئة الوطنية لعدول الاشهاد: هدفنا تطوير المهنة باعتبارها وسيلة من وسائل تط... إفتتاح معرض تونس الدولي للسياحة والعمرة في نسخته الثالثة دعيم التّعاون الثنائي في المجال الاجتماعي بين تونس وقطر محور لقاء وزير الشؤون الاجتماعية بسعادة سفير... المنظمة الوطنية لرواد الأعمال تقدم نتائج دراسة ميدانية حول واقع رقمنة الخدمات الإدارية
متفرقات

الحمّامات الشّعبية : موروث تاريخي واجتماعي وثقافي وروحاني

من التقاليد المتوارثة والمظاهر الاجتماعية الشائعة في البلاد التّونسيّة منذ قرون الذهاب إلى الحمّامات الشعبية العمومية قبل يوم من شهر رمضان أو قبيل الإفطار، حيث ما زالت عديد الأسر التونسيّة متمسّكة بهذه العادة رغم توفّر بيوت الاستحمام في المنازل.

وتعرف الحمّامات الشعبية أو “العَرْبي” مثلما يقال بلهجتنا العاميّة التونسيّة بتسكين حرف الراء، اكتظاظا في اليومين السابقين لشهر رمضان من قبل العديد من التونسيين من جلّ الفئات وذلك من أجل التطهّر والاغتسال الكامل قبل رمضان، هذا الشهر الذي تسود فيه الأجواء الروحانية والخشوع والعبادة ويعدّ فرصة التقرب من الله.

فـ” الحمّام” كان ولا يزال المكان المفضل لعديد الناس في المناسبات الدينية خاصة أواخر شهر شعبان وعشيّة كل شهر رمضان، والناس تقصده بغرض التطهّر وإزالة النجاسة والدنس”، ويعدّ من المعتقدات الضاربة في القدم والتي مازالت راسخة إلى حد اليوم، فالناس تريد أن تعيش هذه اللحظات تبرّكا بالشهر الفضيل واستعدادا له من الجانب البدني والروحي.

ومع دخول فصل الصيف سجلّ التوافد على الحمّامات بعض التراجع بفعل حرارة الطقس، إلا أنها سرعان ما استرجعت نشاطها قبل يومين من شهر رمضان، الفئة الأكثر التي لازالت تلتزم بهذه العادة وتواظب عليها هي فئة الكبار في السن الذي يحرص البعض منهم على اصطحاب أبنائه. 

موروث ثقافي واجتماعي

في تونس تعتبر الحمّامات الشعبية جزء من الحياة الاجتماعية ومن الموروث الثقافي حتى أنه لا تخلو أي مدينة أو حي سكني من حمّام توجه خدماته إلى النساء والرجال، فالذهاب إليه يعد من الممارسات اليومية لعديد التونسيين خاصة في فصل الشتاء، وذلك رغما عن تطور أسلوب المعيشة وانتشار بيوت الاستحمام المنزلية المدعومة بآلات التسخين.

 ويرى روّاد “الحمّامات الشعبيّة”، أنّ الاستحمام في الحمّام الشعبي لا يضاهيه حمّام البيت لأن خدماته جيدة ولا يمكن أن تتوفر في أي مكان آخر، فهو، بالنسبة إليهم، مكان بالنسبة لها للاسترخاء والنظافة وفرصة لتغيير الجوّ بالنسبة للنساء، وللفتيات والالتقاء بالصديقات وبالتالي الخروج من رتابة الحياة. 

 ويذكر أن عديد المدن التونسية والمعالم الأثرية اقترنت تسميتها بكلمة ” الحمّام ” وهو ما يعطي دلالة على أهميته في الذاكرة والموروث الشعبي، نذكر من بينها مدينة “حمّام بورقيبة” بولاية بنزرت ومدينة “حمّام الجديدي” بولاية نابل إضافة إلى مدينة “حمّام الزريبة” بولاية زغوان و”حمام الأنف” بتونس العاصمة إلى جانب مدينة الحمّامات السياحية، ناهيك عن عشرات المناطق الأخرى تتوزّع على مختلف أنحاء الجمهوريّة فيها تسمية “حمّام”.

الحمّام في التاريخ التونسي

قبل أن تنتشر أحواض الاستحمام في كثير من البيوت الخاصة، كان كل حي صغير في تونس فيه حمام للعموم على الأقل، إذ لعب الحمام في الحضارة العربية الإسلامية أدواراً عدة على المستويين الاجتماعي والديني، وقد مثل الجامع والسوق إلى جانب الحمّام مراكز أساسية لبلورة التوجهات والقيم الاجتماعية.

والمتأمل في خريطة المدينة العتيقة في تونس العاصمة سيلاحظ أن أغلب حمّامات المدينة العتيقة يجاورها مسجد، وهي تعكس جزءا مهما من موروثها الثقافي، من أبرزها “حمام الذهب” و”حمام صاحب الطابع” و”حمام الصّيودة” و “حمام سيدي محرز” والقائمة طويلة.

ولقد تغيرت على مر الأزمان العقلية الشعبية في تعامل النساء مع الحمام، الذي اعتبر فضاء للعبور من الدنس إلى الطهارة، إذ اتسمت فترة بدايات الحضارة الإسلامية بالتشديد خاصة على النساء ونهيهن عن زيارة الحمام خشية الوقوع في المحرم، حتى ذهب بعض الفقهاء إلى تحريمه واعتبار الاغتسال فيه من الكبائر، نظراً لما يرتبط به من “كشف العورات”، لكن رغم ذلك “التحريم”، فإنّ هذه الحمّامات كانت عنصرًا هامًا في العمارة الإسلامية، الأمر الذي أكسبها رمزية كبيرة ووهبها دورا دينيا يجنب الوقوع في الذنب وارتكاب المعاصي.

وتحرص النسوة في تونس حتى اليوم، خاصة من الفئات المتوسطة والفقيرة، على زيارة الحمّامات الشعبية بانتظام، بوصفها إحدى العادات المتوارثة منذ أجيال، والتي لم تندثر في عصر العولمة رغم انتشار أحواض الغسل داخل البيوت، إلى جانب انتشار الجاكوزي والساونا، ويرجع هذا إلى الثمن الزهيد لهذه الحمّامات، كما تلعب الحمّامات دورا اجتماعيا هاما كفضاء يساعد على نسج العلاقات بين الأشخاص ويوفر المجال لتجمع النسوة الراغبات في تجاذب الأحاديث ومعرفة تفاصيل ما يجد خلال الأسبوع من أحداث ووقائع.

زيارة الحمام فرصة للترويح عن النفس وتغيير إيقاع الحياة السريعة خاصة بالنسبة للفقيرات أو ذوات الدخل المحدود والمتوسط، وقد أصبح التردد عليه بالنسبة للبعض بمثابة جرعة المخدر التي ليس بالإمكان الاستغناء عنها، فهو بمثابة العالم المنفصل عن المحيط الخارجي الذي تجد فيه المرأة حريتها وتمارس فيه كامل أشكال التعبير عن الذات بحرية من خلال تعرية الجسد والصراخ وتنسم أخبار الآخرين. فالحمام فضاء يعج بالمشاهد الفرجوية والغريبة. لا تزال بعض النسوة يعتقدن بأن عالم الحمامات محكوم بأبعاد أسطورية، غارق في موج من الأبخرة والضباب الكثيف.

الحمّام والأسطورة

ارتباط الحمام بالأسطورة عريق جدا قدم ارتباط الذاكرة الشعبية بمضامين ذهنية غير عقلانية، فبالرغم من التطور العلمي والتكنولوجي وسط حضارة عقلانية، بقي الإنسان أسيرا للأسطورة التي تمثل جزءا أساسيا من الهوية الثقافية يتجاوز مدى تأثيرها وقدسيتها حد المعتقد. ورد في الأسطورة الشعبية عن “حمام الذهب” أنه “بلاع الصبايا” بمعنى مبتلع أو ملتهم الصبايا، وهو يعتبر من أعرق الحمامات ويقع في ضاحية باب سويقة الشعبية قرب جامع الولي الصالح سيدي محرز بن خلف.

ولقد قيل بأنه كان مسرحا لاختفاء صبية جميلة ذات شعر طويل أسود فاتن في ظروف غامضة ومريبة. وقد تواترت عدة روايات داخل الأسطورة عن سبب ذلك الاختفاء أكثرها إثارة أن أما حمقاء أنزلت ابنتها داخل فتحة أرضية في قاع حمام لتبحث لها عن كنز.

وكانت الصبيّة كلما مدت أمها بسبائك الذهب تطلب منها هذه الأخيرة المزيد رغم إخبارها إياها بأنّ الحمّام سيطبق عليها وأنّ الجان الأحمر سيخطفها ويبقيها عنده تحت الأرض، واستمر ذلك إلى أن أطبق الحمّام على جسد الصبيّة ولم يترك منها سوى شعرها الذي ينبت كل يوم في الأسبوع الذي يصادف يوم ابتلاعها.

أما الرواية الثانية فهي القائلة بأن شابا ثريا أغرم بابنة عم له فائقة الجمال وخطبها من أهلها وقرر الزواج بها، وفي يوم العرس طلب منها التنكر في حلة صبيانية في طريق ذهابها إلى الحمام لشدة جمالها وحتى لا يتعرض لها أي كان من الرجال في الطريق، واستجابت لطلبه ثم توجهت إلى الحمام واختلت بنفسها داخل المطهرة وأخذت تسرح شعرها الساحر، وحين قدمت بقية الفتيات إليها لم يجدنها وكأنها تبخرت، وتصور الجميع أن جنيا أحمر أعجب بها فابتلعها أو أنه ربما غضب منها لأنها كانت ترتدي زيا رجاليا، ومهما كان فحواها فقد حرّمت الأسطورة على النساء ارتياد الحمام.

“حمّام العروس”

يبقى “حمام العروس” من أجمل التقاليد التي تتمسك بها معظم العائلات، حيث تذهب العروسة في أول أيام أسبوع الاحتفال بالعرس إلى الحمام مع رفيقاتها وأقاربها، فيقع كراء فضاء الحمام واحتكاره بالكامل من قبلهن، وتتم خلال ذلك الوقت ممارسة طقوس خاصة من بينها إشعال الشموع وطلاء الحيطان بالحناء ورسم الحرفين الأولين من اسمي العريس والعروس داخل إطار في شكل قلب على حائط “المقصورة” للذكرى، حتى وإن حصل وزارته نفس العروس وهي نفساء، في إطار ما يسمى “بحمام النفيسة” الذي يقع في غضون حوالي شهر من الولادة، تقوم بإضافة الحرف الأول من اسم مولودها الجديد مع تاريخ ميلاده.

تصفية الحسابات

يمثل الحمام كذلك فضاء لتصفية الحسابات، من ذلك الشجار التاريخي المأثور والشهير الذي حصل بين ابنة صاحب مقهى بالحلفاوين، وهو أشهر حي شعبي بتونس العاصمة، وواحدة من بين الراقصات المنتميات إلى فريق مطرب شعبي مشهور مكتبه ليس ببعيد عن الحمام، إذ قصدت الراقصة كسر شوكة ابنة صاحب المقهى المتسلطة في الحي، وهي فتاة وحيدة وأخت لخمسة أولاد ذكور، استفزتها بتعاملها المتعالي على الكل داخل الحمام، فإذا بالراقصة تعنفها أمام الجميع وتسحبها قصدا عارية إلى خارج الحمام الذي صادف أن كان مقابلا لمقهى والدها عملا بالمثل الشعبي القائل “ما يطيّح الرطل كان الكيلو”. 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com
error: هذا المحتوى غير قابل للنسخ أو الطباعة.

يمكنكم أيضا متابعتنا على صفحتنا على الفيس بوك