من قاع الخابية في “الخطوط التونسية”
بعد إدراك السلط المعنيّة، وإن متأخّرا نوعا ما، لسوء التصرّف في هذه الشركة الوطنيّة “العموميّة” العاجزة والمديونة بالمليارات لعديد الأطراف، وبعد إقالة المسؤولة الأولى فيها وإعطاء تعليمات بفتح تحقيق، فالواجب على المسؤول المزمع تعيينه أن يركز جهده على تطوير خدمات الشركة من ناحية رفاهية الحرفاء وجودة الأكلة والانضباط في مواعيد الرحلات وصيانة الناقلات وتعهد مستلزمات السفر، نجاح الشركة في تحقيق ذلك وليس في التعويل على نهود المضيفات، مع كلّ الاحترام لجميع مضيفاتنا اللاّتي يتمّ استغلالهنّ والتدخل في شؤونهنّ وفي قناعاتهنّ، وربّما استبعاد “المضيفة المحجّبة” من أبرز المؤشّرات الدّالة على هكذا سياسة جوفاء أدخلت الشركة في دوّامة الفشل ومتاهات العجز حتّى اقتربت في وقت ما من الإفلاس الكلّي.
وهناك معلومات على غاية من الأهميّة نقلتها مصادر صحفية تونسيّة يشهد لها بالحرفية والمصداقية تكشف أنّ من هم في موقع المسؤولية في شركة “الخطوط التونسية” لم يتوانوا عن الإذن بصرف أموال طائلة بلغت 300 ألف دينار في الرّحلة الأولى لطائرة “البوينغ” الجديدة التي عزّزت أسطول النّاقل الجوّي التّونسي مؤخّرا.
ويقول المصدر الصحفي المذكور إنّه وفي “سابقة لم تشهدها الخطوط التونسية سابقا، شهدت الرحلة الافتتاحية للناقل الوطني نحو مونتريال الكندية، تنقل وفد تونسي ضخم (قرابة الـ 110 أشخاص) أغلب أفراده لا علاقة لهم بالخطوط الجوية التونسية، مضيفا “جرى العرف في افتتاح الخطوط الجديدة، أن يتنقلّ وفد من الخطوط التونسية، لا يتجاوز عدد أفراده عادة الستة أشخاص، مع استضافة ضيوف لا يتجاوز عددهم العشرة، ويبدو أنّ الرحلة الكندية كانت مناسبة لكسر هذا العرف”.
وبحسب نفس المصدر فإنّ الرئيسة المديرة العامة المقالة للشركة قامت بدعوة عدد من الشخصيات السياسية والنقابية وحتى الفنية لتدشين خط تونس- مونتريال، وإذا كانت رحلة افتتاح الخطوط الجديدة تتم عادة في يومها ذهابا وإيابا، فإن المشاركين في الرحلة الكندية تمتّعوا بإقامة ترفيهية لمدة ثلاثة أيام، على حساب دافعي الضرائب”.
والجدير بالذّكر أنّ شركة الخطوط التونسية تعاني من عجز مالي يفوق المليار دينار وهي على حافّة الإفلاس خصوصا وأنّ حجم ديونها المتراكمة لدى ديوان الطيران المدني والمطارات تجاوز 500 مليون دينار بما جعل هذا الأخير يعيش على وقع تداعيات الدين غير المسدّد ويدخل مرحلة من العجز عن القيام بمشاريع استراتيجية على مستوى البنية التحتية.
“الترافيك” في شركة “تونس الجويّة” ليس غريبا ويمكن معرفة المفسدين بتطبيق قانون “الإثراء غير المشروع”، المعروف بـ “من أين لك هذا” على كلّ المسؤولين المشتبه بهم؟؟؟ الشركة الوطنيّة العموميّة التي من المفترض أن تكون فوائضها بالمليارات هي اليوم مديونة بمئات المليارات رغم دعم الدولة الذي تضخّه للشركة من الجباية المقتطعة من دماء الشعب الكريم ليتنعّم بها انتهازيون ومستكرشون لا يهمّهم لا وطن ولا علم ولا شعب..
كلّ الأمل أن ينال هؤلاء الذين خانوا المؤتمن العقاب الذي يستحقّون، والأمل أكبر في مصادرة الأموال المنهوبة من بقيّة الشركات الوطنيّة ذات الصبغة العموميّة الأخرى سواء في مجال النقل بأنواعه (البحري والبري، الوطني والحضري والجهوي).
لذلك حريّ بالدولة أن تعجّل بمراجعة سياساتها بالنسبة لإدارة هذه المنشأة العموميّة وكذلك الأمر فيما يتعلّق بجميع المنشآت ذات الصبغة العموميّة النّاشطة في شتّى المجالات، والعمل على ضبط حدود الاستقلالية والصلاحيات التي منحتها الدولة لهذه المؤسسات العموميّة، لا سيما من ناحية تعيين مسؤولين من المستويات الرفيعة وذوي ثقافة واطلاع ودراية، وليس أولئك الذين لا يقدرون على حلّ مشاكلهم الشخصيّة والعائليّة لأنّهم بالكاشف يتركون وراءهم الكوارث، وخاصّة “كاسة فارغة” إلاّ من دعاء خلق الله عليهم بالويل والثبور.