تشغيل القاصرات في المنازل : هل تونس مازالت سوقا للرّقيق
بالصّوت والصّورة تعرض الفضائيّات التونسيّة بين وقت وآخر ظواهر صارت تنخر تونس تعلّقت هذه المرّة بعمليّات السّمسرة في فتيات ما زلن في مرحلة الطفولة تتأرجح أعمارهنّ بين 10 إلى 15 سنة وما بينهما يقع بيعهنّ ببخس الأثمان إلى الميسورين لتشغيلهنّ في منازلهم إلى أجل غير مسمّى، هي فضيحة أخرى ونكسة ونكبة ما بعدها نكبة لبلادنا التي يدّعي كلّ من يعتلي كرسي الحكم فيها أنّ تونس في عهده صارت مدينة افلاطونيّة أكثر مثاليّة من فترة الحكم التي سبقتها، ولكن لا شيء غير الواقع المزرى والمتشرذم، والفقير أصبح أكثر فقرا والعكس صحيح، وتوسّعت الهوّة أكثر بين الطبقات الاجتماعية ولم تعد المنظومة التضامنيّة تجدي نفعا على اعتبار أنّها أثبتت فشلها الذريع لأنّ من كان يمسك بزمام السلطة كان يستخدمها لغايات دعائيّة ليس إلاّ.
السّمسرة والبيع والشراء في الفتيات الصّغيرات ونقلهنّ عن طريق شبكات المتاجرين بالبشر للعمل لدى بعض الفئات الشعبيّة الأخرى هو جريمة نكراء مثلها مثل جرائم التطرّف والإٍرهاب ورفع السّلاح في وجه الوطن والشعب، فما يحصل في حقّ الطفولة التونسية من امتهان واستغلال واعتداءات نفسية وجنسيّة أمر خطير ونزيف لا يمكن تركه يتواصل لأنّه سيؤدّي بأجيال كاملة ستكون مجتمع الغد إلى التهلكة، عمليّات البيع والشراء في الفتيات الصّغيرات أصبحت تتمّ على الملأ وتقع في العلن بالنّظر إلى أنّ بلادنا صارت مرتعا لجحافل المجرمين والمارقين عن القانون والذين بلغت جرأتهم على الدولة وعلى الناس، إلى حدّ الوقاحة، مستغلّين ضعف السلطات وتذبذب رقابة المجتمع المدني.
سماسرة “الخادمات” الصّغيرات يستغلّون الخصاصة والعوز وقلّة ذات اليد للعائلات والأسر التي تدفعها الحاجة لتسليم فلذات أكبادهنّ إلى ذئاب آدميّة لا تراعي إلاّ ولا ذمّة ولا تخاف الله، عاد سوق البشر أو “سوق الرقيق” كما كان ينعت قديما، عاد مزدهرا في تونس الجمهوريّة الثانيّة التي أنجزت ثورة ودستورا مدنيّا لدولة ديمقراطيّة متقدّمة ومتحضّرة، حقّقنا كلّ إنجاز المجتمع العصري و”الحافظ للحقوق والحريّات” لكن ما زلنا نعيش في مجتمع يباع فيه الأطفال ويغتصبون ويقتلون بدماء باردة، مجتمع يتاجر فيه بالنّساء والفتيات والكهول ويستغلّون أبشع استغلال في شبكات المخدّرات والدعارة وفي الإرهاب، يحدث ذلك ولا يجد “سياسيّو” البلد و”سياسوّيه” غير السفسطة الكلاميّة الفارغة والتحليلات الواهية والوعود الخاوية ولم يجدوا إلى اليوم حلولا مجدية وناجعة تقي المجتمع شرور المجرمين وتمكّن من ردع المعتدين المواصلين في غيّهم والمستمرّين في انتهاكاتهم وتجاوزاتهم.
إلى حدّ اليوم نسمع وعودا وتعهّدات والتزامات والحال هو ذاته ولا شيء في الأفق، خطابات سياسيّة ولكن لا نتائج بل خواء وسنوات تمرّ مرّ السحاب، سنوات عجاف وطفولة مضطهدة منتهكة وممتهمنة.