الحبيب الصّيد: نظامُنا السّياسي هجينٌ ويَحتاجُ الى مُراجعاتٍ حقيقيّة ٍ
في حوار حصريّ لـ “للصحافة اليوم” ولجريدة «لابراس“
تعيش تونس اليوم على وَقْعِ أزمة سياسية غير مسبوقة ابتدأت بإطلاق رئيس الجمهورية الباجي قايد السّبسي لمبادرة سياسيّة الشّكل غامضة الخلفيّة عَدَا ما رَشَحَ من تفسيرات وتبريرات للمبادرة لا علاقة لها أصلا بالسّياسة، وغير مضمونة الأهداف وتقديراتنا هي أنّها قفزة الى المجهول!
أزمة سياسية زادت الأوضاع سوءًا وفاقمت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بالتّوازي مع وَضْعٍ أمنيّ ما يزال هشّا، أزمة سياسية شلّت أو تكاد العمل الحكومي ودفعت به في قَلْبِ النّزاعات والتجاذبات الحزبية وكذلك في قَلْبِ نزاعات مِنْ «زِنٍس» آخر.
وهذه الأزمة السّياسيّة هي مِنْ جِنْس مُبْتَدَعٍ وغير مسبوق في تونس وفي دُوَلٍ تُشْبِهُنَا أو تتشَبَّهُ بنا ، تونس التي اختارت بفِعْلِ مرض التّوافق المغشوش وتحت تأثير حركة «النهضة» التّي قد يكون أوكِلَ لها دور تأسيسيّ في إرساء لَبِنَةٍ «الخلافة» في بلادنا، اختارت تركيز نظام سياسيّ يكون مثالًا يُحتذى لباقي الأمصار المكوّنة لدولة الخلافة المنشودة، نظام سياسيّ أتى لذلك هجينا أُخِذَ فيه مِنْ كُلّ شيء بطَرَفٍ فتحوّل الى حالة صداميّة في تجربة «الترويكا» وكاد يؤول بالبلاد الى كارثة لولا وجود برلمان خارطته الحزبية متماسكة ومستقرّة الى حدّ كبير ولولا القوّة الكامنة في المجتمع المدني التونسي التّي عوّضت حينها الى حدّ كبير الانخرام في المشهدين الحزبي والسياسي ، وهو الآن يقودنا الى أزمة ثانية هي أشدُّ من الاولى بحُكْمِ تشتّت المشهدين الحزبي والبرلماني وانصراف مُكوّنات المجتمع المدني الى مآرب أخرى.
أزمة طرفها الأوّل رئيس الجمهورية الباجي قايد السّبسي الَّذِي مَهْمَا ذَكَرَ مِنْ تبريرات فإنّ الإجماع في الطبقة السّياسيّة كما في المجتمع هو أنّ الدّافع الى «المبادرة» يستهدف شخص رئيس الحكومة الحبيب الصّيد الطّرف الثّاني في هذه الأزمة.
بين شخصيّة اكتملت تجربتها رغم المطبّات التي اعترضت سبيلها ونجحت في اقتناص فُرْصَةٍ للالتحاق بخانة الزّعماء إنْ هي أكملت رسالتها على أحسن وجه وصورة وهي شخصية الرّئيس التّي تختزل في تقديرنا دَاءَ ودَوًاءَ الماضي وشخصيّة رئيس الحكومة الحبيب الصّيد التّي هي نِتَاجٌ صِرْفٌ لدولة الاستقلال ولَمْ تتلوّث بأدران السّياسة وبقيت مُحافظة على الحدّ الأقصى من أخلاقيات ونُبْلِ التٌعامل.
بين شخصيّة ارتمت في قَاعِ السّياسة وشَرِبتْ مِنْ كأسها حتّى الغيبوبة وشخصية احتمت على مدى تاريخها بالسّياسة وهي الآن تُطلُّ على هذه السّياسة بأخلاق الفرسان والنّبلاء وهي لا تدري أو رُبّما هي تدري أنّها مُقْدِمَةٌ على عَالَمٍ مِنَ الأفاعي السّياسيّة ومن الانتهازيين ومن الذين استوت لديهم الفضيلة والرّذيلة.
هذه الأزمة السياسية بين رأسي السلطة التنفيذية و العلاقة بين رئاسة الحكومة والبرلمان والتناغم أو غيابه صُلْبَ هذه الحكومة ذاتها وعلاقة هذه الاخيرة مع ائتلاف الأحزاب الحاكمة والأحزاب من خارج دائرة الحُكْمِ والمستقبل السّياسي لرئيس الحكومة الحالي ، كُلّها مواضيع أثّثت حوار «الصحافة اليوم» والصحيفة الأمّ «لابراس» مع الحبيب الصّيد الَّذِي فتح قلبه لقرّائنا الكرام وبَاحَ بما استطاع البوْحَ به وهو صاحب الطّبع الكتوم الَّذِي يستنكف من ذكر الأسماء ومن تسمية الأشياء بأسمائها في غير المكان الذي لا يجب أن تُحْجَبَ عنه ايّ حقيقة مهما بدت جارحة ومؤلمة ، رئيس الحكومة الحبيب الصّيد تحدّث إلينا بقلب مفتوح ولكنّه مُطالَبٌ بكشف كلّ الحقيقة وبكلّ ملابساتها السّبت المقبل أمام مجلس نواب الشّعب، وفيما يلي النص الكامل لهذا الحوار الشّامل :
س 1 : حدد مجلس نواب الشعب يوم السبت 30 جويلية موعدا لجلسة التصويت على الثقة، كيف تقدّرون هذه الممارسة التي تُعتبر استثنائية في تاريخ تونس ؟!
ج : بالطبع هذه تجربة استثنائية تعيشها تونس وهي درْسٌ في الديمقراطية وقد كنت حريصا على ان أخوضها احتراما للمسار الدستوري والمواطن التونسي ولم أشأْ أن أنحرف بهذا المسار في أول امتحان تمرّ به ديمقراطيتنا النّاشئة في تونس، وبرغم الضغوطات من كلّ جانب تمسّكت بهذا الخيار، وقرّرت أنّ الخروج من رئاسة الحكومة يجب أن يكون في تطابق مع مقتضيات الدّستور أي من ذات الباب الذي دخلت منه سواء أكان هذا الباب صغيرا أم كبيرا، الكُلّ يعلم أنّي لم أسْعَ الى هذا الموقع وأنّي غير متشبّث بالسّلطة عموما وأنّي قبلت بهذه المُهمّة الشّاقة خدمة لتونس أوّلا وأخيرا، لقد عملت لسنوات طوال صلب الدولة التونسية وفي مواقع مختلفة وعندي إحساس عميق بالانتماء اليها وأنا بتصرّفي هذا أعبّر عن تمسّكي بتصوّرٍ مُعيّنٍ للدولة التونسية فأنا أؤمن بعلويّة القانون كما أنّني غير قابل للابتزاز أو راضخ للتهديدات مهما كان مصدرها ونوعها ، وعموما فالسّياسة فيها الرّبح وفيها الخسارة وأنا قابل بقواعد اللّعبة لذلك تقدّمت بطلبي هذا وعرضت نفسي وحكومتي على امتحان منح الثّقة ونظرا لكوني على وعي تامّ بأن هشاشة الوضع الأمني والاقتصادي والسياسي في تونس لا يسمح بتطويل الإجراءات أكثر وبالنّظر الى تعقّد السيناريوهات الأخرى ارتأيت اختصار الأمر وتسهيله على الجميع وتقدّمت أنا للبرلمان لأنّني المسؤول الأوّل عن عملي وعمل الحكومة .
س 2 : كيف كانت علاقتكم بهذا البرلمان عموما؟!
ج : عموما كانت العلاقة جيّدة وهذا أوّل مجلس لنوّاب الشعب منتخب بعد المجلس التأسيسي وهذه الحكومة جاءت إثر انتخابات تشريعية لا لُبْسَ فيها وانطلاقا من الواقع السّياسي الذي أفرزته الصناديق. وقد وقع بعض الارتباك في التّعاطي مع مشاريع القوانين التي تقدّمت بها الحكومة الى المجلس في البداية تلافيناه باللقاءات والتنسيق بين رئاسة الحكومة ورئاسة المجلس حدّدنا فيها أجندتنا وأكّدنا فيها على أولوياتنا، وقد وقع تمرير عديد القوانين. ولكن هذا لا يمنع من أن أسوأ ذكرياتي في هذا الباب طيلة السنة والنصف كانت تمرير قانون البنك المركزي الذي كاد أن يسقط رغم أنّه يعدّ من مشاريع الاصلاح الكبرى وكانت صعوبة تمريره بمثابة الإشارة الحمراء لوجود خلل في الحزام السّياسي للحكومة وكاد القانون يسقط لهذا السّبب.
وعموما يجب أن نتوقّف عن التّفكير بأنّ مجلس نوّاب الشعب هو مجموعة كُتل حزبية فالمجلس كمؤسّسة باقٍ والنواب يتغيّرون والمشهد السياسيّ يتحوّل ويتبدّل، المهمّ، لقد تقدّمت بعرض منح ثقة باسم هذه الحكومة يوم الاربعاء الماضي ومع ذلك فقد صادق نوّاب الشعب على العديد من مشاريع القوانين الجديدة يوم الخميس وهذا هو المعنى الحقيقي لتصوّري لمفهوم المؤسسة والدولة ولدور نوّاب الشعب.
س 3 : صعوبات التّعاطي لم تكن مع البرلمان إذن وانّما مع الأطراف الحزبية والسياسية سواء أكان من التحالف الحاكم أم من خارجه ؟
ج : من حيث المبدأ ليس لي ايّ مشاكل مع ايّ طرف سياسي أو حزبي سواء أكان من داخل الائتلاف الحاكم ام من خارجه وبالطبع انا اقود حكومة ائتلاف حزبي متكون من أربعة أحزاب و من الواضح أنّ توحيد الرّؤى بين أربعة أحزاب ليست لها نفس الخلفية الفكرية والايديولوجية وتختلف حتى في التصوّر الاقتصادي والمجتمعي وليس لها أيضاً نفس الحضور في الشّارع ليس بالأمر السّهل والهيّن ،ولكني حاولت قدر المستطاع أن أتعامل معها بنفس المسافة وفتحت مكتبي للأحزاب من خارج التحالف ولم أرفض طلبا لمقابلة وصلني من ايّ حزب. والمعلوم أيضاً أن تنسيقية الأحزاب الحاكمة والتي يُفترض ان تكون سندا لعمل حكومتي لديها أيضاً مشاكلها الداخلية ولم تكن العلاقات داخلها دوما على أحسن ما يُرام وقد حاولنا قدر المستطاع تقريب وجهات النّظر وخصوصا في مناقشة الوثيقة التّوجيهية والمخطّط.
المشهد السّياسي والحزبي في العموم شهد طفرة أحزاب غير مسبوقة جاءت بعد الثورة وأنا أتصوّر انّها ستتناقص مع الوقت ولكن هذه الظاهرة المستجدّة يجب التعاطي معها بالحكمة السياسية اللازمة، وأرى أيضاً أنه من الضروري أن يعلم الرأي العام الوطني أنّ بعض الأحزاب كانت معظم تدخّلاتها حول التّعيينات وهو منطق رفضته وأرفضه وقد يكون تسبّب في بعض التصدّع في علاقتي بهذه الأطراف. أيضاً هناك عامل آخر يجب أخذه بعين الاعتبار وهو أنّ هناك من الأحزاب ما يقوم على أجنحة أو حول قيادات مختلفة وهو ما صعّب علينا التّعامل معها باعتبار غياب محاور وحيد، وعموما سعيت الى التعاطي بأكبر قدر من الحيادية مع كلّ الأطراف وبما يضمن مصلحة تونس العليا.
س 4 : نحن نفهم صعوبة التعامل مع مشهد حزبي وسياسي متشعّب ومتناقض أحيانا ولكن ماذا عن التّناغم صلب الفريق الحكومي ذاته خصوصا في ضوء ما فُهِم أنّه تمرّد على سلطة الرئيس ؟!
ج : لا أبدا ليس هناك حالة تمرّد كما يتردّد ويشاع فالكُلّ منضبط ولكن هذه الحكومة متكونة أيضاً من سياسيين وحزبيين وطبيعيّ أن تتبنّى هذه الأطراف مواقف أحزابها وليس لي أن ألومها على ذلك شريطة أن لا يؤثّر ذلك على أدائهم الحكومي وليس لي أن اتدخّل في المواقف السّياسيّة لأعضاء الحكومة الذين من بينهم قيادات عليا في أحزابهم .
س 5 : ولكن هل هذا التّسامح يذهب الى حدّ التّشكيك أصلا في عمل حكومة ينتمي اليها، المسألة يطرحها الشّارع السّياسي والرأي العام عموما من زاوية أخلاقية بحتة ؟!
ج : ماذا كان المطلوب منّي؟! هل كان المطلوب أن أُقيل كلّ وزير لا تتناغم مواقفه السّياسيّة معي أو مع الحكومة، لقد قيل لي لِمَ لا تقوم بإقالة هؤلاء الوزراء؟! ولكن من وجهة نظري ما دام شرطا الانضباط وتناغم العمل الحكوميين متوفّرين لا أرى مانعا من ترسيخ العمل الديمقراطي واحترام الرأي والرأي المخالف ولا خوف من وجود مثل هذه التّباينات شريطة عدم الإضرار بتماسك العمل الحكومي وبمصلحة تونس.
س 6 : سيّدي رئيس الحكومة ، تغاضيتم على المسألة الأخلاقية ، لو كنتم مكان أيّ وزير من هؤلاء الوزراء وقيّمتم أن الحكومة التّي تنتمون إليها هي حكومة فاشلة وصرّحتم بذلك للرّأي العام، ماذا كان سيكون موقفكم ؟
ج : كنت سأستقيلُ فورا لأنّ أخلاقياتي لا تسمح لي بالاستمرار في فريق حكومي لا أؤمن بجدوى عمله وأقررت بفشله أمام الملإ.
. س 7 : وهل سيؤثّر على أدائكم في جلسة 30 جويلية القادم غياب محتمل لبعض أعضاء الحكومة ؟!
ج : لن يكون لذلك أيّ تأثير ولا أهميّة.
س 8 : هذا عن وجود التّناغم صلب الحكومة، ماذا عن العلاقة مع مؤسّسة رئاسة الجمهورية؟!
ج : عملت مع رئيس الجمهورية وزيرا حين كان رئيس حكومة ورئيس حكومة حين أصبح رئيساً للجمهورية وليس بيننا غير التّقدير والاحترام المتبادل ولكنّ هذا لا ينفي وجود اختلافات في بعض المسائل وهذا طبيعيّ لكن كنّا عموما نحلّها بالنّقاش والحوار وطبيعيّ أن تحدث بعض التّباينات والاختلافات فنظامنا السّياسي لمْ يترسّخ بعْدُ كقناعة وكسلوك وهذا أيضاً منطقي خصوصا بعد عقود من النظام الرّئاسوي، وهذا أمر واقع في أذهان قطاعات واسعة من الشّعب التونسي ومن الطبقة السّياسيّة أيضاً .
س 9 : ولكنّكم سيّدي رئيس الحكومة ساهمتم من موقعكم في تكريس هذا الالتباس بتعاطيكم مع رئيس جمهورية يرى صلاحياته الدّستورية أقلّ بكثير ممّا «يجب أن تكون» ، تعاطيتم معه وكأنكم وزيرا أوّل وليس رئيس حكومة بصلاحيات دستورية واسعة هي في الأصل وأساسا مفوّضة لكم من برلمان الشّعب؟
ج : هذا مخالف تماماً للحقيقة ، انا تصرّفت دوما بمقتضى صلاحياتي الدستورية كاملة وهو في اعتقادي تصرّف وفق صلاحياته الدستورية وليس لي من منطلقٍ مبدئي يحترم مقتضيات الدستور ومن منطلق المحافظة على التناغم الضروري بين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية ايّ مانع في تدعيم هذه العلاقة والتعامل مع رئيس الجمهورية على هذه الأسس، ليس لي عُقدةٌ في هذا المجال ومن واجبي ان أعلمه بصورة دورية ومنتظمة بكُلّ المسائل التي هي من مشمولاته أو تلك التي لها علاقة بالأمن الداخلي والخارجي لتونس بل أكثر من ذلك كنت أتشاور معه في كلّ المسائل الأخرى وفي كلّ صغيرة وكبيرة وخصوصا في القرارات الكبرى التي تهمّ البلاد وهذا في تقديري طبيعيّ وعاديّ ما دام لا يمسّ قوانين ودستور البلاد .
س 10 : هذا من جانبكم ولكن العكس هل كان صحيحا وعلى سبيل المثال ، هل تشاور معكم قبل إطلاق مبادرته بتشكيل حكومة وحدة وطنية ؟
ج : كان يوجد دوما بيننا تشاور في أغلب القضايا ولكن مع الأسف جاءت هذه القضية الهامّة والتّي لها علاقة مباشرة بي ولم يقع اطلاعي على الأمر وعلمت بذلك بمصادري الخاصّة وهذا ما أعيبه على رئيس الجمهورية الذي يعلم تماماً أني غير راغب في الاستمرار الى نهاية المدّة النيابية وأنّ نهاية السّنة وفي أقصى التقديرات مع الانتخابات البلدية ستأتي بمشهد سياسيّ جديد على مستوى الخارطة الحزبية والسياسية وتستوجب احداث التّغييرات الضرورية على الحكومة ، والطريقة التي أعلن بها رئيس الجمهورية عن المبادرة كسرت التناغم الذي كان موجودا بيننا حتّى تلك اللحظة وهو أمر رفضته وأعلمت الرئيس بذلك، الشيء الثاني الذي لم أقبله هو توقيت الإعلان عن هذه المبادرة فهي جاءت في توقيت حسّاس من الناحية الأمنية والاجتماعية و في ظروف بدأت فيها بعض مؤشّرات إحراز تقدٌم في تجاوز الأزمة الاقتصادية والتقدّم في بعض المشاريع الكبرى ، كلّ هذا جعل من توقيت الاعلان عنها غير مناسب بالمرّة وهذا لم أتقبله أيضاً وأعلمت رئيس الجمهورية بذلك.
وبالطّبْعِ أحسّ ببعض المرارة جرّاء هذا الذي جرى لأني واتعاظا بالتّاريخ القريب واحتراما للمواطن التونسي كنت ارى أن التناغم بين رأسي السّلطةً التنفيذية ضروري وشرط أساسيّ لخدمة تونس والمواطن التونسي حتّى نتجنّب سيناريوهات تعطّلت فيها لغة الحوار بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، وأكثر من هذا رئيس الجمهورية يعلم أيضاً أنّي كنت مستعدّا أن اتحمّل عنه تبعات بعض المواقف والسّياسات، وبقَدْرِ التزامي هذا مع رئيس الجمهورية كانت خيبة أملي كبيرة في الطريقة التي أعلن بها عن المبادرة وعن توقيت إعلانها.
وفي علاقة بطبيعة النظام السّياسي، سأجيبك بكلّ بساطة انطلاقا من مثل شعبيّ تونسيّ صميم «الأمّ شلبة والبو قاروص»، والمقصود أنّ نظامنا السياسيّ هجين ويحتاج إلى مراجعات حقيقيّة، لكن في المقابل مادام دستورنا الذي خطّه نوّاب الشعب كذلك يجب أن نطبّقه بحذافيره فقناعاتنا الشخصيّة شيء والدّستور والقوانين شيء آخر.
ويصبح السّؤال الحقيقي، هل كان من الأولى في مثل هذه الأوضاع تعزيز الحكومة الحالية أم تغييرها بهذا الشّكل وفي هذا التّوقيت.
س 11 : من الانتقادات سيدي رئيس الحكومة حضوركم السياسي الضعيف والاكتفاء بالملفّات الاقتصادية ؟!
ج : كلامي في هذا الخصوص لا ينبغي أن يؤخذ بسطحية فحين أقول أنّني رجل غير معنيّ بالسّياسة فالمقصود هو السّياسة السّياسوية والنّزاعات الحزبية والحسابات الضيّقة والمزايدات ولكن لا يُمْكِنُ أن أكون وزيرا للدٌاخلية او رئيساً للحكومة بهذه الصّلاحيات الواسعة دون أن اكون سياسيّا ومهتمّا بالشّأن السّياسي وصاحب مواقف سياسية وفي نفس الوقت انا أفهم السّياسة بوصفها إدارة للشّأن العام وقيادة البلاد الى برّ الأمان واوّلا وأخيرا السّياسة بالنّسبة لي نُبْلٌ وأخلاقٌ أو لا تكون ، وأعتقد أنّها كذلك لدى قطاعات كبرى من التّونسيين.
وبالرّجوع الى الجزء الثاني من السّؤال فإنّ المسألة الاقتصادية أولوية لكنّها ليست الوحيدة وقد أشرفت بنفسي على كلّ الملفّات خصوصا وانّي جئت الى الحكومة وكلّ الجبهات مفتوحة أمنيّا وتنمويّا واجتماعيّا وبيئيّا وإداريّا… هل يمكن مثلا أن نطوّر أداء اقتصادنا ونحن مستهدفون بالإرهاب؟ هل يمكن أن نحلّ مسائل التنمية بلا سلم اجتماعيّة؟ …
المسائل مترابطة والجبهات كانت مفتوحة على كلّ الواجهات وأعتقد أنّني نجحت مع كامل الفريق الحكوميّ في تذليل عديد الصعوبات ودفعت نحو تنفيذ ما كان عالقا من المشاريع وبدأت مع الحكومة في انجاز مشاريع جديدة بدأت تظهر للعيان، لذلك أتصوّر أنّ وضعنا الحاليّ الدّقيق لا يحتمل هذه الهزّات المفاجئة والحكومات ـ في مثل أوضاعنا ـ تحتاج إلى بعض الاستقرار وإلى الوقت وخصوصا إلى الإسناد السياسيّ من الأحزاب الحاكمة والتفهّم من الأحزاب المعارضة والمنظّمات الوطنيّة الكبرى من خلال النقد البنّاء.
س 12 : هل هي نهاية الطريق في عالم السّياسة بالنّسبة للحبيب الصّيد ؟!
ج : نحن في نهاية مرحلة تتطلّب تقييما جدّيا وبعد ذلك لكُلّ حادث حديث
س 13 : وماذا عن حضوركم الخافت في السّياسة الخارجية ؟! كأنّكم تركتم الأمر لرئاسة الجمهورية؟!
ج : هذا غير صحيح ، لقد أعدنا الرّوح لعديد اللجان المشتركة العليا في العلاقات الثّنائية مع عديد الدول الشّقيقة والصّديقة وفعّلنا اتفاقيات كانت مجمّدة منذ سنين وفتحنا قنوات دبلوماسية اكثر من هامّة مع عديد الدّول الأوروبية بعضها أتى أكله في شكل هبات ومساعدات وتعاون وقروض أيضاً، من جهة أخرى بدأنا بالانفتاح على إفريقيا ولدينا تصوّر كاملٌ في هذا الباب وأتمنّى أن يواصله من سيأتي بعدي ويضيف عليه وعموما كان عملنا مع رئاسة الجمهورية متكاملا إذْ حدث أن مهّدت زيارات رئيس الجمهورية الى بعض الدول لتوقيع عديد الاتًّفاقيات والعكس صحيح أيضاً.
س 14 : سؤال آخر سيدي رئيس الحكومة .. لماذا تأخّر الاصلاح الهيكلي لرئاسة الحكومة؟!
ج : هذا أيضاً غير صحيح وغير دقيق، عملية الإصلاح الهيكلي انطلقت وقطعنا فيها أشواطا كبيرة رغم المقاومة التّي تُبديها الإدارة ذاتها التٌي ماتزال تُصرّ على احتكار الصّلاحيات، فمن الناحية الهيكلية فصلنا قضايا الأحزاب والحوكمة والفساد عن رئاسة الحكومة وافردناها بهياكل مستقلة ووقّعنا 29 امر إحالة صلاحيات الى الوزارات وفي كل الحالات نحن قطعنا اشواطا هامّة على طريق الاصلاح وتنتظرنا محطّات أخرى على درب هذا الاصلاح المهمّ.
س 15 : سؤال أخير سيدي رئيس الحكومة ، كيف تعيشون هذه اللحظة الفارقة في حياتكم السياسية وفي تاريخ تونس؟!
ج : انا مقتنع تمام الاقتناع بعملي وبالتمشّي الذي انتهجته سواء أكان ذلك في إدارتي للعمل الحكومي او في المواقف التي أخذتها بمناسبة هذه الأزمة ، ضميري مرتاح وانا سلكت الطريق الذي يدعٌم المسار الديمقراطي في البلاد وفي كل الأحوال انا متمسك ومقتنع بأن الطريق الوحيد لإخراج الحكومة هو الطريق الدّستوري والباب الوحيد للخروج هو باب البرلمان .