جهات يقتلها العطش: مسؤوليّة من؟
ننطلق من حيث آخر مستجدّ تم تسجيله ليلة السّبت الأحد 23 – 24 جويلية 2016، حيث قام مواطنون من منطقة “العرايديّة” من معتمديّة سيدي بوعلي بإغلاق الطريق الرئيسية سوسة – تونس على مستوى مدخل مدينة سيدي بوعلي بمفترق معمل حليب تونس، من وذلك على خلفية اغلاق الماء الصّالح للشراب على امتداد أكثر من 4 أيام.
جهات وعائلات بلا ماء
زهاء 180 عائلة بمنطقة “كرشاو” من معتمدية “الصّمار” من ولاية تعاني تطاوين من انقطاع الماء الصالح للشراب، وتوجد قرابة 370 عائلة بغار الدماء التابعة لولاية جندوبة تعاني هي الأخرى من انقطاع الماء الصالح للشراب، وفي جبناية من ولاية صفاقس خرج مؤخرا عدد من الأهالي في وقفات احتجاجية منددة بالانقطاع المتواصل للماء الصالح للشراب.
كما شهد شهر جويلية 2016 أيضا انقطاع للماء بكل من “دقّة” و”برج ابراهيم” و”تبرسق المدينة” و”فدّان السوق” و”المنشية” وغيرها من المناطق المرتفعة بمعتمدية “تبرسق” من ولاية باجة، وذلك بسبب ضعف منسوب المياه بتبرسق وخاصّة بمرتفعاتها نظرا لانخفاض مستوى المائدة المائيّة بمحور تبرسق وسليانة التي تتزوّد منها الجهة وسببه نقص الأمطار الذي يشهده الموسم الحالي.
اضطرابات وانقطاعات متواصلة في توزيع الماء الصالح للشراب تشهدها جلّ الولايات الداخلية، فمؤخرا تم تسجيل انقطاع في توزيع الماء الصالح للشراب بمختلف معتمديات ولاية الكاف على غرار “الجريصة” التي تشهد يوميا انقطاع للماء ولساعات طويلة، وبجندوبة أيضا حيث تعيش “مدينة ملولة” من معتمدية طبرقة عدة اضطرابات في توزيع الماء الصالح للشراب.
وقد شهدت مدينة “دوز” من ولاية قبلي بدورها اضطرابات في التزوّد بالماء الصالح للشرب، وعرفت منطقة “كسرى” من سليانة مؤخرا حالة احتقان تم خلالها غلق الطريق الرابطة بين المدينة والقيروان وذلك على خلفية الإنقطاع المتكرر للماء الصالح للشراب منذ شهر رمضان، حيث سجّل في القيروان تظاهر أهالي منطقة “أولاد حميد” من “عمادة سرديانة” التابعة لمعتمدية السبيخة على خلفية انقطاع الماء الصالح للشراب، نفس الأمر بالنسبة لـ”نصر الله” حيث ندّد أهالي هذه المنطقة بالانقطاع المتكرّر للماء الصالح للشراب.
هذه الولايات وغيرها تعيش حالة مأساوية نتيجة الانقطاع المتواصل للماء الصالح للشراب في درجة حرارة فاقت الـ 45.
المدير المركزي للاستغلال في “الصوناد”: هذه هي الأسباب الحقيقية وراء اضطرابات التوزيع
في تصريح صحفي خصّ به إحدى الجرائد التّونسيّة، ذكر المدير المركزي للاستغلال بالشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه (الصوناد) “عبد السلام السعيدي” أن ” 5 مناطق داخلية تتمثّل في كلّ من ولايات “جندوبة” و”الكاف” و”سليانة” و”قفصة” و”القصرين” هي أكثر المناطق التي تشهد اضطرابات في توزيع المياه، وذلك لأنها تعتمد على الآبار العميقة والتي تتأثر بطريقة مباشرة بنزول الامطار، حيث تدخل في خانة الموائد المائية المتجددة”.
وأفاد عبد السلام السعيدي أن “تونس تعيش منذ قرابة 10 سنوات مرحلة جفاف، تفاقمت في السنوات الأخيرة ووصلت حدّ الخطر، حيث تسبب الأمر في انخفاض منسوب مياه الآبار العميقة وتأثرت الموائد المائية بالإضافة الى ارتفاع الاستهلاك في فترة الذروة وهو ما جعل هذه الولايات تتأثر وتسجل انقطاعات طبيعية في توزيع الماء الصالح للشراب”، مؤكدا أن “الاشكال هو طبيعي بحت ولا دخل للشركة فيه، رغم التدخلات التي تقوم بها وانفاقها لمصاريف مضاعفة من أجل ضخ مياه الآبار”.
وقال المدير المركزي للاستغلال بـ “الصوناد” أن الدولة بصدد انجاز بعض المشاريع المتأخرة والتي ستساهم في تجاوز اشكاليات الآبار العميقة ومن أهم هذه المشاريع تحويل المياه من السدود باتجاه هذه المناطق، كما أوضح أن منطقة “كسرى” من ولاية سليانة، والتي شهدت مؤخرا احتجاجات بسبب انقطاع الماء الصالح للشراب كان من المفروض أن تتجاوز هذا الاشكال حيث أنفقت الدولة قرابة المليار في حفر بئر عميقة وانجاز محطة ضخ، لكن هذا المشروع تعطل نتيجة الاحتجاجات.
وبالنسبة لمنظومة المياه الخاصة بكلّ من “الوطن القبلي” و”الساحل” و”صفاقس” وما تشهده من اضطرابات في توزيع المياه، فتكشف المعطيات المرصودة أن هذه المناطق تتزود بالمياه من “سدّ نبهانة” بالقيروان وسدّ سيدي سالم، كما تؤكّد أن الدولة قامت بإيقاف سدّ نبهانة منذ شهر ماي الفارط نتيجة نضوب المياه فيه بعد انحباس الأمطار في السنوات الاخيرة، وذكر أن هذه الولايات تعاني من عجز مائي قدر بـ 15 بالمائة.
وتفيد المؤشّرات المسجّلة أنّ “ولايات تونس الكبرى” وبنزرت لا تعاني من اضطرابات مؤثّرة باستثناء بعض الانقطاعات المتعلقة بالأعطاب التقنية، كما أنّ ولايات الجنوب كذلك لا تعاني من انقطاع للماء الصالح للشراب باستثناء “جزيرة جربة” التي تسجل خلال فصل الصيف اضطرابات بسبب ارتفاع نسبة استهلاك الماء، حيث ينتظر أن يتمّ استكمال مشروع محطة تحلية مياه البحر خلال سنة 2017، هذا المشروع الذي ستستفيد منه الى جانب جربة علاوة على ولايتي قابس وصفاقس.
المدير العام للهندسة الريفية: “المواطن يتحمل المسؤولية”
من ناحيته، أرجع المدير العام للهندسة الريفية “‘رضا قبّوج” أسباب انقطاع المياه في المناطق الداخلية للبلاد إلى مشاكل فنية تفوق امكانات إدارة المجامع المائية، لافتا إلى أنّ المواطن صار يمتنع عن سداد فاتورة الماء، وهو ما يحد من امكانات المجامع المطالبة بتوفير موارد مالية من أجل خلاص اليد العاملة ومصاريف الضخّ وصيانة المنظومة المائية اضافة الى فاتورة الكهرباء، مضيفا أن أغلبية المجامع باتت عاجزة عن سداد هذه المعاليم والقيام بأشغال الاستغلال والصيانة، رغم أن الدولة تمول هذه المجامع بما قيمته 2 مليون دينار ونصف سنويا.
وذكر “رضا قبوج” أن سعر المتر المكعّب يتراوح بين 200 مليم ودينار واحد، ورغم ذلك يرفض المواطن سداد معلوم فاتورة الماء. من جهة أخرى أفاد محدثنا أن المواطن بإمكانه التشكّي للجهات المسؤولة إن هو تأكد من وجود تقصير من قبل المجامع، رغم أن الأمر غير وارد على حدّ تعبيره.
وزير الفلاحة: التّونسي تحت خط الفقر المائي
أكد وزير الفلاحة والموارد المائيّة والصيد البحري سعد الصديق في تصريحات اعلامية أنه سيتم تخصيص اعتمادات بقيمة 2400 مليون دينار لإنجاز جملة من المشاريع المائية الكبرى في تونس بداية من العام الحالي والى غاية سنة 2020، واضاف خلال المؤتمر الثاني حول “المياه والنمو والاستقرار” أن الجهود متواصلة في تونس لمواجهة التحديات المستقبلية المتعلقة بتوفير المياه والتي ستكون “أصعب في بلادنا” خاصة بسبب محدودية الموارد المائية اذ لا يتجاوز معدل الفرد الواحد سنويا 460 مترا مكعبا، أي أن التونسي هو تحت خط الفقر المائي”.
وأكد “الصديق” ضرورة التوجه نحو المياه غير التقليدية أي المياه المالحة وتحلية ومياه البحر لضمان الحد الأدنى من الامن المائي والعمل على حسن التصرف في الموارد المتاحة خاصة وأن نسبة التحكم في المياه الجوفية والسطحية تعد نسبة متقدمة جدا في تونس اذ هي تصل الى 91 بالمائة، وأشار الوزير الى أنّه سيتم خلال هذه السنة اطلاق دراسة للمياه في أفق 2050 بهدف استشراف كل السيناريوهات الممكنة، وأعلن أن الفترة القريبة القادمة ستشهد استكمال انجاز جملة من المنشآت من بينها سد الحركة وسد الكبير بقفصة في شهر نوفمبر القادم .
ولفت “الصديق” إلى أنه تم في الإطار نفسه وضع برنامج كبير لتحويل المياه من الشمال الى الوسط والمناطق الداخلية بالإضافة الى برنامج لتحلية مياه البحر وخاصة من جنوب صفاقس الى الحدود التونسية بتمويل عمومي وهو ما يؤكد الحاجة الى ايلاء موضوع التصرف في المياه الأهمية التي يستحقها، واكد ضرورة عقلنة الاستغلال وحسن التصرف في الموارد خاصة وأن سعر المتر المكعب من مياه البحر المحلاة يصل الى 2 دينارين اثنين بينما لا تتجاوز تسعيرته الحالية 700 مليم.
الرئيس المدير العام لشركة الصّوناد: الموارد المائية تأثرت بالجفاف
قال الرئيس المدير العام للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه “محمد الداهش” أن “البلاد تمر بصائفة جافة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب بالنظر الى أن الموارد المائية الجوفية وخاصة بشمال شرق البلاد تأثرت بالجفاف لذلك تسعى الشركة الى توزيع النقص بين كل الجهات حتى لا تبقى منطقة دون ماء في انتظار إنجاز المشاريع القادمة التي ستخفف من حدة النقص”.
وينتظر أن تكون هذه السنة آخر سنة في العجز المائي بحسب قوله مع دخول بداية من سنة 2017 حتى سنة 2030 مشاريع استراتيجية هامة حيز الاستغلال ستمكن من تحقيق موازنة مائية إيجابية وخاصة منها مشاريع تعزيز الموارد المائية وشبكات الجلب والتوزيع والمقدرة تكاليفها 418 مليون دينار