العدالة الجبائيّة والإجتماعيّة: الكيل بمكيالين
“الحال في البلاد حال الله”، وضعيّة تعايشها الشريحة الواسعة من التّونسيين المكتوين بنيران “الغلاء” و”تراكم الدّيون” والطّامة الكبرى تمثّلها مصيبة الضّرائب ذات العناوين الفسيفسائيّة المتناسلة التي لا ضير في إنزالها على رأس التّونسي الممجوج، مصائب “الإتاوات” كما سمّاها بعض حكّام تونس في وقت ما لا تزال تستهدف، وبشهادة كافة مسؤولي الحكومات المتواترة بعد الثّورة، فئة التونسيين البسطاء والمنحدرين من الطبقات المتوسّطة ودونها، في حين يتنصّل أصحاب الأموال الطّائلة في الدّاخل والخارج عن دفعها والالتزام بما ضبط من مقاديرها، وكذلك يفعل أرباب الشركات والمؤسسات والضيعات، هؤلاء الذين لم تتوّصل الدولة، بشهادة مسؤوليها على إقناعهم بواجب الأداء، وفي كثير من الأحيان مازالت “أملاكهم” بعيدة عن أعين الدولة من ناحية التثبّت في قانونيّتها وكلّ ما يتعلّق بحيازتها، ومسألة تسجيلها في “دفتر خانة”، بما يتطلّبه ذلك من تدقيق في “الحجج التوابيّة” والأمثلة الهندسيّة المتضمّنة لمساحاتها وقيمتها.
تردّد الجهات الرسميّة أنّها تستعدّ في إلى إنجاز مخطط تنموي يكشف مظاهر الفساد ويرفع اللبس عن الممتلكات الخاصّة المشبوهة ويجلي الغموض الذي يكتنف ملف “الأراضي الاشتراكية”، فالدولة اعترفت أنّ “العدالة الاجتماعية” مفقودة وأنّ الأمر يقتضي توخّي مبدأ “التمييز الإيجابي” الذي يشمل الجهات التي صنّفها نظام المخلوع بـ”المناطق ذات الأولويّة” يشهد أولي الأمر وأصحاب الشأن أنّ “العدل الاجتماعي” مفقود ويتطلّب العمل الكثير والجادّ لإرسائه، وما الاحتجاجات والاحتقان الشعبي وحالة الجهات إلاّ دليل واضح لا يستدعي الكلام الكثير.
ما سبق توصيفه أصبح أمرا معروفا لدى عامّة التّونسيين وخواصّهم، وأضحى مكشوفا في الحواضر والأرياف دون اختلاف، لكن الأدهى والأمرّ أنّ المواطن المفقّر المعدم والفئة المتوسّطة كلّ يوم إلى اندحار لا سيما في ظلّ استمرار توخّي السياسة نفسها خاصّة في ما يتعلّق بمسألة “الدّعم” سواء الموجّه لـ “المواد الأساسيّة الغذائية والاستهلاكية” أو إلى “المحروقات”، هذا الدّعم الذي لا يذهب إلى مستحقيه وإنّما تستفيد منه الفئة التي يتجاوز مداخيل الفرد فيها سنويّا ما يناهز ميزانيّة الدّولة التّونسيّة التي تربو على (30 ألف مليار من المليمّات)، ومنها أصحاب البنوك الخاصّة أو “الفاعلون” و”المساهمون الماليّون” فيها.
و على ضفّة “الإعلام” و”السياسة” فلغط وجعجعة في كلّ المنابر سواء من السياسيين على اختلاف ألوانهم وانتماءاتهم، مهاترات وترهات يسميها “إعلاميّو الغلبة” الذين لا ينتمون لقطاع الصحافة ولا يملكون شهائد في الاختصاص، ودخلوا مجال “الصحافة السياسيّة، بالمعارف وعبر “ربّي يخليلنا القوادة والتلحيس وأشياء أخرى” من قبيل “خلّي أخلاقك سياحيّة”، وجيء بهم من برامج “فهلوة” لتنشيط برامج سياسية توجه الرأي بل تقود الرأي العامّ إضافة إلى “زرقنة” الاستطلاعات التي يتساءل التونسيّون هل أوتي بنتائجها من كوكب المرّيخ ، فهي لا تعكس شيئا من ناس ومن واقع هذا البلد، فهي دائما وأبدا من قبيل “ميحي مع الأرياح”.