لأنّه لا يصل مستحقّيه: هل نحتاج صندوقا ثان لدعم “صندوق الدّعم”؟؟
كشفت معطيات تمّ تداولها مؤخّرا أنّ قيمة الدعم المرصودة لسنة 2015 وبنفس المستوى خلال عام 2016 ما يتخطّى 5 آلاف مليار من الملّيمات مقابل 1.5 ألف مليار فقط سنة 2010 أي بنسبة تضاعفت أكثر من 3 مرّات، وهو أمر كارثي بالنظر إلى المديونيّة المتفاقمة التي تكابد الدولة انعكاساتها الكارثية على الوضع العام والاقتصادي بالدرجة الأولى، والتي تكشف المعطيات الرقميّة المسجّلة في الآونة الأخيرة أنّها تخطّت حاجز الـ 50 بالمائة لتضاهي نسبة 53 بالمائة بما يضع ترقيمنا “السّيادي” واستقلاليّة قراراتنا على المحكّ.
ولا شكّ أنّ المؤشرات المسجلة والمعطيات المرصودة تكشف جميعها سوء التصرّف الكبير في مقدّراتنا الوطنيّة خلال كامل الظرفيّة الزمنية التي أعقبت الثورة، حيث يشدّد الخبراء والمختصّون أنّ ما طرأ من أحداث شملت الإضرابات والاحتجاجات وتوقيف العمل والزيادات في الأجور لا يمكن أن يبلغ بنا ما بلغناه من نفقات مهولة خصّصت للدعم الموجّه للمواد الأساسيّة والمحروقات مفسّرين هذه الوضعيّة على أنّها نتاج سوء التصرّف في أموال المجموعة الوطنيّة التي يعتبرون أنّها صرفت في غير محلّها على اعتبار أنّ أموال الدعم ما زالت تذهب لغير مستحقّيها.
والواقع يصدح بحقيقة واضحة، وضوح الشمس، مفادها أنّ الطبقات الضعيفة والفقيرة والفئات المتوسّطة لا تحظى بما رصد لها من دعم بقدر ما يتمتّع به رؤوس الأموال وأصحاب الشركات والمؤسّسات الذين يعدّون الأكثر استفادة من “صندوق الدّعم” الذي يستنزف ما يضاهي “سدس” ميزانيّة الشعب التونسي الذي لحقه الضرر من أجل هذا الاختلال في الاستفادة من هذا الدّعم الذي ما زال يؤدّي مهمّة عكسيّة فيزيد في تفقير الفقراء وفي إثراء الأغنياء ويذهب بالطبقة الوسطى، شيئا فشيئا، إلى الاضمحلال والاندثار لتكون بذلك الهوّة سحيقة بين الفئات الاجتماعية في البلاد، هذا الشّرخ الذي لا يمكن أن يخدم بالمرّة مرحلة البناء والانتقال الاقتصادي والاجتماعي المنشودين ولا يمكن أيفضي إلى الحفاظ على مكتسبات الانتقال الديمقراطي باعتبارها ستكون هشّة.
لذلك ضروري الشروع سريعا في إنجاز الإصلاحات الجبائيّة المعلن عنها والتي ستكون سبيل الخلاص وطوق النجاة من استفحال المديونيّة التونسيّة وعجز موازنتنا الماليّة إن طبّقت هذه الإصلاحات بالعدل والمساواة بين جميع المواطنين والفاعلين الاقتصاديين، فحريّ اليوم التصدّي للمارقين عن القانون من المتهرّبين عن دفع الواجب الضريبي ومعاملة المصالح الماليّة والجبائيّة للجميع على قدم المساواة وتجنّب أيّة ممارسات من شأنها أن تعود بنا إلى المربّع الأوّل السّابق حيث المحاباة والمداراة، ولعلّ الإستراتيجيّة التي تعتمدها الدولة مع الموظفين في دفع الضرائب هو الطّريقة النّاجعة لتكريس الإصلاحات الجبائيّة المنتظرة كأفضل ما يكون على بقيّة الأطراف والجهات المعنيّة.
وللعلم فإنّ مئات إن لم نقل الآلاف من الشركات لم تدفع لسنوات خاصّة بعد الثورة الأداءات المتخلّدة بذمتها زيادة على مؤسّسات غير مسجّلة أصلا في “السجّل” التجاري” والتي زالت تنشط وتجني الأرباح الطّائلة لكنّها إلى اليوم تعمل في الـ ” Noir” ولا من رقيب ولا من حسيب، هذا فضلا عن الشركات الجديدة الناشطة في الأعمال والاتصالات والتجارة و”البزنس” بأنواعه والشركات العقاريّة ومؤسّسات التّشغيل والتّموين ومراكز النداء ومؤسسات أخرى كبرى وصغرى ومتوسّطة تنشط في كافة مجالات التصدير والتوريد والتي لا تدفع ، إن كانت تدفع أصلا، من فرض الجباية سوى النزر القليل الذي يمكن أنّ يدفع موظّف واحد في السنة الواحدة، الأمر الذي يكشف الخلل الحاصل في ماليّتنا العموميّة والذي يبرهن على نقص مواردنا وعجزنا عن تغطية النقص في الميزانيّة العامّة، لذلك فالأجدى إرساء “العدالة الجبائيّة” التي من الضروري أن لا تبقى حبرا على ورق وخطابات وكلام تذروه الرّياح.
حاليّا الماليّة العموميّة في حالة عجز واختلال، هذه الوضعيّة المتردّية التي أمسى معها “صندوق الدّعم” يحتاج بدوره إلى دعم.