الإرهاب الماكر في “جبل سمّامة”: الحلول الأمنيّة وحدها لا تكفي؟؟؟
الإرهاب الأعمى بعنهجيّة مرتكبيه يزهق مزيدا من الأرواح، وبطبيعة الحال جنودنا البواسل في المقدّمة، دون سابق انذار ضرب الإرهاب الغادر بعض حماة الدّيار من أفراد الجيش الوطني في “جبل سمامة” بالقصرين، مزيد من أرواح الشهداء تذهب هدرا ومجّانا واستهتارا وعبثا بكلّ القيم الإنسانيّة السّامية التي حفظها الخالق تعالى لعباده وفرضها وحثّ على صونها في كتابه العزيز “القرآن الكريم”، وأجراها كذلك على لسان نبيّه محمّد (صلّى اللّه عليه وسلّم) في كلّ أحاديث السنّة التي قالت جميعها بأنّ “الدين هو معاملة النّاس بالتي هي أحسن والتخلّق بالخلق المستقيم وتحريم اعتداء المسلم على أخيه المسلم وحتّى الذي لا يدين بدين الإسلام سواء في نفسه أو عرضه أو ماله”.
الإرهاب لا دين ولا جنسيّة ولا مستقرّ له هذا أمر متفق عليه ولكن ما يثير الاستغراب أنّ جماعته يرتكبون الشناعات باسم ديننا الحنيف الذي كرّم الذات البشريّة وجعلها في مرتبة عليائيّة توافق القضاء الإلاهي باستخلاف الإنسان على أرضه وتمييزه عن بقيّة المخلوقات بعقلته ودرايته وحسن معاملاته مع بني جلدته وكذلك مع بقيّة خلق الله من دواب ونبات وحتّى الجماد الأمر، لقد أمر المسلم بالتصرّف فيما استخلف فيه بانتهاج العدل والاعتدال مع تجنب الإسراف ونبذ التبذير.
هذا الإرهاب الذي لا يمسك نفسه طويلا حتّى يكشّر عن أنيابه ويطلّ بين مناسبة وأخرى برأسه الشيطاني القبيح، هذا الإرهاب لم يعد غريبا حدوثه بالنظر إلى انتشاره في بيئة أمست خاصّة بعد الثورة مؤهّلة لتكاثر خلاياه وتناسلها في كلّ أرجاء البلد وفي كثير من بقاع العالم دون استثناء، هذا الإٍرهاب غير المبرّر لا من الناحية الدينيّة ولا من المنظور الأخلاقي والذي لا يقبله عقل ولا يقرّه منطق صارت تفسّر تفاقمه مؤشّرات مجتمعيّة ترى بالعين المجرّدة وتلمس عن قرب في بلادنا.
نظرة عن قرب يقوم بها الواحد منّا إلى بعض الأحياء أو المناطق تكشف للرّائي والمتابع الدوافع الحقيقيّة لانتشار كلّ أنواع الآفات الاجتماعية وكل الجرائم والظّواهر غير المقبولة، فجولة بعدد الدقائق في شوارع وأزقّة ومنعطفات هذه الجهات تصوّر أمامك مشهدا مزريا من الفقر والعطالة والبنايات الآيلة للسقوط والحفر في الشوارع ممّا يدفع المشاهد إلى استعارة ذاك التوصيف المصري المعروف بتسمية “سكّان العشوائيّات”، تلك المساكن التي توحي لساكنيها بالموت فتجلهم يساوونه بالحياة بل ربّما يخيّرونه عليها، فتصبح عقولهم موجّهة مشوّشة نحو خيارين فإمّا انتحار وإمّا معانقة الموت عبر الارتماء في أحضان الإرهاب.
إلى جانب تدهور البنية التحتيّة وقلّة ذات اليد لفئة واسعة من السكّان تطرح بطالة الشباب المعضلة الشائكة بالنسبة إلى جميع أبناء المنطقة سواء امتلكوا شهائد جامعيّة أو حملوا ديبلومات في اختصاصات تكوينيّة أو لم يحتكموا على أيّة شهادة، وحالة هؤلاء الشباب العاطلين عن العمل تزداد تعقيدا يوما بعد في وقت لم يتلقّوا فيه غير الوعود والتعهّدات والتطمينات بإيجاد مواطن شغل من قبل الجهات الرسميّة ولكن كما يقال “طول الخيط يضيّع الإبرة”.
حريّ اليوم بالسلطات المعنيّة أن تعثر، إلى جانب التعامل الأمني، لاجتثاث آفة الإرهاب وقطع دابره، على السبل النّاجعة والواقعيّة الكفيلة بتنقية المناخات وتوفير المستلزمات التي تمنع الشباب من الانزلاق في براثن الإرهاب وتجنّب وقوعهم في أتون التطرّف لا سيما عبر بتوخّي منظومة مجتمعيّة وتوعويّة إعلاميّة تشارك فيها كلّ الأطراف المهنيّة من حكومة وأمنيين وممثلين عن المنظمات الوطنيّة الكبرى ومكونات المجتمع المدني مع ضرورة تشريك الشّباب في كلّ كبيرة وصغيرة تخصّ هذا الملف الشّائك والحسّاس.
علينا جميعا أن نتأكّد، جازمين، بأنّ التونسي المسلم الحقّ لا يقبل أيّ اعتداء على الانسان الآخر مسلما كان أو غير ذلك، ولا كل مسّ قد يلحقه في كرامته المادية او المعنوية ويعتبر ذلك جريمة لا تغتفر. فالإرهاب الذي يمقته التونسيّون، هو كما يقول عنه كمال الدين الاصفهاني «مثله عريق قديم، لم يزدهر في ظلّه الثقيل، خير عميم، حتى الغصن الاخضر اذ يذبل، من أثر الرعب، لا ينبت اولادا كالفضّة تزهر في القلب”.