الشباب التونسي.. بارقة أمل
يبدو أن قدر الشباب التّونسي كان طيلة عقود حطب المحارق السياسيّة وعلكة الخطابات الحزبيّة والإيديولوجيّة، بل كان في قلب رحى كلّ المزاعم السياسيّة بأنّ هذا الشّباب هو الحلّ، ولقد سبق النظام الآفل بقيادة المخلوع بن علي إلى استبيان هذه الحقيقة، والتي أقرّها طوعا وكرها في شعار برّاق مفاده “الشباب هو الحلّ”، ويبدو أنّ المخلوع لم يخطأ لا سيما وأنّ هذا الشباب كان هو القدّاحة وأعواد الثّقاب التي أشعلت نيران الثّورة.
بعد ذلك ظلّت الحكومات المتعاقبة تجترّ السياسات القديمة ذاتها، ووضع الشباب على طوال المشهد ولم يكن من حظّه أن يشارك بفعاليّة خاصّة في ما يتعلّق بإدارة الشّأن العام في تونس طيلة الأعوام الستّة الأخيرة، فقط بعض الوعود التي بقيت تتكرّر وتتناسل دون أن توافق أو تتطابق مضامين الخطابات المحرّرة على الأوراق ما يجري على أرض الواقع من أفعال وأعمال، الشباب كان خارج المعادلة، بل في التسلّل.
الشباب التّونسي من حاملي الشهائد العليا وغيرهم، أمسوا اليوم أرقام تعدّ بمئات الآلاف مركونون في غياهب البطالة، مرميّون كيف ما اتفق في الشّوارع والمقاهي وفي كلّ زقاق ومنعرج، لا شيء في الأفق غير التيه والضياع، مواطنون شباب بلا مرسى ودون وجهة ينتظرون المجهول في ظلّ انحسار عروض الشغل وعدم قدرة الدولة على مزيد تحمّل أعباء التشغيل، كيف لا وشريحة الموظفين العموميين تخطّت حاجز الـ 800 ألف موظّف موزعون بيم مصالح الوظيفة العموميّة والهياكل والمؤسسات الرسميّة للدّولة.
التّشغيل في القطاع الخاصّ هو اليوم في معمعة التجاذبات بين الأعراف النقابيين، هؤلاء من أجل مصالحهم وأعمالهم، وأولئك من أجل الدفاع عن حقوقهم المهنيّة والاجتماعية، الأمر الذي شحن الأجواء لتزيد احتقانا على احتقانها ممّا سمّم الأجواء وخنق المناخات، بما نتج عنه إيصاد الأبواب عن طالبي الشغل الجدد.
ويبدو أنّ رئيس الحكومة يوسف الشّاهد كونه من شريحة الشباب جذبه مغناطيس هذه الفئة العمريّة في فورتها ومشاغلها وتطلعاتها، بشكل ظهر بالخصوص من خلال اختيار فريقه الوزاري ليشمل لاحقا كنه السياسة التي يرى ويشخص تنفيذها للعيان، وهو ما يعتبر مستجدّا من المستجدات المفقودة خلال الخماسية الأخيرة، بل قل السداسيّة ونحن نتجه بسرعة إلى إحياء الذكرى السادسة لثورة “17 ديسمبر 2010- 14 جانفي 2011″، ثورة الشباب دون تردّد.
ويمكن أن نبني على فكرة اهتمام “الشاهد” بموضوع الشباب التعجيل بفتح فرص العمل أمام هذه الشريحة لا سيما من خلال إفراد نسبة منهم، وإن كانت ضئيلة، حجمها في حدود 25 ألف للتمتّع بما اصطلح عليه بـ “عقد الكرامة” حيث سيتقاضى الشّاب 600 دينار بعنوان “راتب شهري” لفترة تمتدّ على سنتين، وذلك بالنسبة للعام 2017، ثمّ ستنتفع دفعة أخرى من الشباب تعادل أيضا 25 ألف سيتم تمتيعها بالمنافع نفسها خلال الفترة ذاتها المقترحة.
ما سبق، هو ما أعلنه “يوسف الشاهد” خلال اللقاء التلفزي الذي أجراه مع كلّ من التلفزة الوطنيّة وإذاعة “موزاييك” مؤخّرا، ولم يمض عن ذلك سوى عشرات السّاعات ليتحوّل إلى “دار الشباب بخزندار”، منطقة باردو، ليعطي إشارة انطلاق المنابر الحواريّة الخاصة بالحوار المجتمعي حول شؤون الشّباب وقضاياه.
تبرز المؤشّرات، ولو ظاهريّا، أنّ الحكومة الشّابة تمضي قدما في بناء علاقة جديدة مع شباب البلاد قوامها الثقة ومنح الفرص الواقعيّة، وخاصةّ منح الوقت للشباب للتلاقي معه والإنصات إلى مشاغله، وخاصة معايشة المشاكل التي يجابهها بسبب عوامل عديدة في مقدّمتها الركون إلى طابور البطالة.
عديد المتابعين للمشهد العامّ في تونس يعتبر أنّ الخطوات الحكوميّة بالنسبة لملفّ الشباب وخاصّة تشغيلهم، تعدّ “بارقة أمل” لشباب تونسي أضحى يترقّب قشّة يتعلّق بها في بحر الأمواج المتلاطمة من التهميش والتغييب والاستبعاد أيضا، “بارقة أمل” لشباب يترقّب في العتمة بصيص نور للخروج من نفق صار مظلما كليل الدجى.
“بارقة أمل”، كلّ الأمل أن لا تكون سرابا، سننتظر إنّا معكم منتظرون.