قطاع الصّيدلة والدواء في تونس : قيمة المعاملات بـ 1 مليار دينار سنويّا، توضيح حول مسائل التهريب والفساد، وتطلعات أهل المهنة
“قطاع الصيدلة” يعدّ من القطاعات الحيوية ومكوّن أساسيّ صلب المنظومة الصحية وذلك لأهمية الدواء والحرص على توفيره للمريض في أحسن الظروف ووفق معايير الجودة العالية، والصّيدلي هو المسؤول عن الدواء بداية من تصنيعه وصولا إلى تصريفه ويشتغل الصيادلة في جميع القطاعات (القطاع الدوائي الكيميائي والبيولوجي المخبري وفي جميع مراحل التّصنيع …).
وتضبط عمليّة فتح الصيدليات في القطاع الخاص للعاملين بالنهار والليل استنادا إلى الأمر عدد 1206 لسنة 1992 الذي تقع مراجعته وتنقيحه دوريا، والذي تمّت مراجعته خلال السنوات 1993/2004/2007 مما مكّن من فتح ما يقارب عن 800 صيدلية جديدة، وذلك بالاعتماد على رقم معاملات الصّيدليات الموجودة وعدد سكان كل معتمدية وعمادة.
وتختلف المقاييس المعتمدة عالميا لفتح الصيدليات في القطاع الخاص من بلد إلى آخر ولكن تظلّ الغاية واحدة، وهي توفير الدواء للمريض في كل وقت وفي كل مكان والمحافظة على التوازنات المادية للمؤسسة الصيدلانية.
ويتجاوز رقم معاملات القطاع بالنسبة الأدوية سنويّا “1 مليار دينار سنويّا”، وتحتكر الصيدليّة المركزيّة صلاحيّة الإشراف عليه وذلك من حيث الطّلب والتزويد والتّرخيص بالإنتاج والتسويق.
معايير الجودة “تحت الرّقابة”
تستورد تونس كميات هامّة من الدواء من بلدان أوروبية عديدة، حيث يخضع جميع المصدرين نحو السوق التونسية إلى زيارات ميدانية قصد تفقد المصانع المنتجة لعدد من الأدوية المستوردة للتأكد من مدى تطبيق قواعد الصنع المحكم حيث يقع تقييم جلّ الملفات قبل منح رخص التوريد.
ويقوم المخبر الوطني لمراقبة الأدوية بالتأكّد من تركيبة كل دواء يروّج في السّوق التونسية بعد تشخيصه وتحليله من قبل لجنة مختصة انطلاقا من العائدات العلاجية التي يرتكز عملها أساسا على نجاعة الدّواء والعوارض، وذلك بهدف للنّهوض بالخدمات الطبية والنجاعة الاقتصادية مقارنة بالأدوية المروّجة بالأسواق التونسية.
ومن بين المشاريع والخطط التي تسهر وحدة الصّيدلة والدواء على تطبيقها تطوير النظام التحفيزي في هذا القطاع ودفع الشراكة وتبادل الخبرات بين المخابر التونسية والمخابر الاجنبية، بما من شأنه تحفيز المصنّعين التونسيين على انتاج الأدوية التي تستوردها بلادنا.
الصيدليّة المركزيّة
ما انفكّت بعض وسائل الإعلام التّونسي تتحدّث طيلة الفترة الأخيرة لا سيما خلال الثلاثيّة الأولى من السنة الجارية (2016) عن حصول تجاوزات وأعمال فساد طالت أنشطة مؤسسة “الصيدليّة المركزيّة”، حيث كشفت إحدى الجرائد الإلكترونيّة المشهورة في تونس حصولها على وثائق وإثباتات تتعلّق بما قالت إنّه “معاملات مشبوهة بين الصيدلية المركزية وبعض شركات الأدوية التي تمّ تمكينها من امتيازات غير قانونية أحيانا ومخلّة بشروط الشفافية والمنافسة الشريفة”، وجاء في التحقيق المنشور بتاريخ 16 مارس 2016 إنّ الصّحيفة تضع ما لديها من “وثائق” و”إثباتات «على ذمّة الجهات المعنية للتحرّي بشأنها، كما أنها تمكّنت من الحصول على شهادات عدد من العاملين في الصيدلية المركزية ومن أصحاب الشركات المتضرّرة، ونشرت بعضها صلب التحقيق الصحفي المذكور.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ هناك أطراف متورّطة من الصيدليّة المركزيّة في حادثة اختفاء مادّة الكيتامين Ketamine، والتي تعدّ من أشدّ المواد المخدّرة خطورة باعتبار استخدامها في التأثير على الإٍرهابيين وذلك بمنحهم خيالات وشجاعة ووحشيّة لدى ارتكابهم لجرائمهم، حيث ذكرت الصحيفة أنّ تقارير دوليّة حديثة أثبتت استعمال الإرهابيين في دولة مالي لهذه المادّة.
وتقول الأخبار الواردة في أكثر من وسيلة إعلاميّة إنّ “كميّة من هذا المخدّر الخطير اختفت من مخازن الصيدليّة المركزية في فترة ما بعد الثورة، وذلك استنادا إلى مراسلة من فرقة مكافحة المخدّرات مؤرخة بتاريخ 5 مارس 2013، وقد بيّن النظام المعلوماتي للصيدلية المركزية نقص بكرتونتين (192علبة) “كيتامين” سجّل اختفاؤها خلال سنة 2013 إضافة إلى 81 علبة حقن (كل علبة فيها 25 حقنة) “كيتامين” لا يعلم أحد أين ذهبت، وقد فتح تحقيق في المسألة لم يؤدّ إلى نتائج إلى اليوم.
نفي التّهم
من جهته، أكّد رئيس مدير عام الصيدليّة المركزيّة التونسيّة “الأمين مولاهي” في تصريح أدلى به يوم الثلاثاء 15 مارس 2016 أنّ غياب بعض أصناف الأدوية من الصيدليّة المركزيّة يعود لاضطراب في التّصنيع مشيرا إلى أنّ مادّة “الكيتامين” أصبحت تحت أنظار السلط الأمنية منذ النصف الثاني من سنة ،2015 وأنّ الصيدليّة المركزيّة لم تواجه، خلافا لما يتمّ ترويجه، أيّ إشكال في خلاص مع المزودين منذ جانفي 2012 وذكر “مولاهي” أنّه “تمّ إنقاذ هذه الصيدليّة المركزيّة” من الإفلاس منذ ما يقارب 5 سنوات بالنّظر أنّها كانت تشهد عجزا وضررا ماليا كبيرا جدّا مقدرا بـ82 مليون دينار ليتمّ إعادة تمويل مخزونها من الدّواء بما قيمته 410 مليون دينار”، معتبرا أنّ “الحملة التي يشنّها البعض حول وجود فساد في الصيدلية المركزية مرتبطة بنفس الحملة التّي سلطت على وزارة الصحة”، مستنكرا عدم الحديث وكشف من يقف وراء فساد الصيدلية المركزية منذ 2007 وقبل أن يتمّ إنقاذها من عجزها المالي منذ 5 سنوات تقريبا.
تفاقم تهريب الأدوية إلى ليبيا
لعلّ أبرز عملية أمنية نفّذت في الفترة الأخيرة، هي تلك التي كشف خلالها تورّط صاحب صيدليتين في منطقة بن قردان في عمليات تهريب لكميات كبيرة من الأدوية إلى ليبيا، لتُغلَق الصيدليتان ويُسجَن صاحبهما، كما تمكنت الوحدات الأمنية في مستهلّ 2016 من إحباط عملية تهريب لأطنان من الأدوية نحو ليبيا، خصوصا الأدوية المدعمة كالمسكنات وحبوب منع الحمل والأنسولين وأدوية الأعصاب ممّا أثار مخاوف كبيرة جرّاء المخاطر المحدقة بسبب استنزاف المخزون التّونسي وفقدان بعضها من أسواق تونس، لا سيما أدوية الأمراض المزمنة.
وفي تصريح له، نشر يوم 3 مارس 2016، ذكر رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة “عبد الله جلال” أنّ “عمليات تهريب الأدوية لا سيما المدعمة منها، كلّفت الدولة التونسية مبالغ مالية كبيرة قدّرت قيمتها بـ 400 ألف دينار تونسي في سنة 2015 فقط، لافتا إلى أنّ “تطور نسق تهريب الأدوية ارتبط بشكل كبير بتوافد أعداد كبيرة من الليبيين لتلقي العلاج في تونس”، والذين قال إنّ عددهم في حدود الـ 600 ألف يستهلكون أكثر من 20 ألف علبة دواء في السّنة الواحدة”، الأمر الذي أدّى إلى اختلال في معدّل الاستهلاك من شهر إلى آخر، وتسبّب في اضطراب العرض في أنواع عديدة من الأدوية.
من ناحيته، يؤكد الكاتب العام لنقابة أعوان الصيدليات في تونس “هشام بوغانمي” أنّ “دخول عدد كبير من الليبيين للعلاج بعد الحرب في ليبيا، فاقم تسريب الأدوية بما يحمله الليبيون معهم من كميات كبيرة من الأدوية عند مغادرتهم”، مضيفا: “على الرغم من حمل الليبيين الأدوية يتم في غالب الأحوال بطريقة قانونية إذ يحملونها استنادا إلى وصفات طبية، إلا أن تلك العمليات ساهمت بشكل كبير في نقص المخزون الوطني للأدوية”.
ويؤكّد «هشام بوغانمي” أنّ “عديد أطباء في تونس يعمدون إلى تحرير وصفات طبية تتجاوز الكمية القانونية للأدوية، خاصّة منها المدعومة التي تباع بأقل من سعر التكلفة ويمكن تمريرها بطريقة قانونية إلى ليبيا، لاسيما في ظلّ إقبال اللّيبيين على الدواء التونسي منذ 5 سنوات، حيث انجرّ عن ذلك خسائر مالية كبرى قدّرت بالمليارات، لافتا إلى ارتفاع ظاهرة التهريب عبر شبكات كبيرة تنشط منذ سنوات، من بينها أهل اختصاص في تونس”.
واعتبر “بوغانمي” أن “غياب الأدلة المادية هي عائق أمام النّقابة ووزارة الصحة وكل الأطراف المتدخلة، لإدانة هؤلاء المهربين، وعلى الرغم من إغلاق أكثر من 5 صيدليات ونحو 3 نقاط توزيع بالجملة، إلا أنّ التهريب نحو ليبيا مازال مستمرا”.
وجدير بالذكر أنّه من أجل تفادي أي اختلال في السوق ونقص في الأدوية، أنشأت “الصيدلية المركزية” إنشاء خلية تراقب المخزون من الدواء والكميات المتوفرة في الصيدليات بصفة يوميّة ويشكل دوري ومستمرّ، حيث تؤمّن “الصيدلية المركزية” في الأيام العادية مخزوناً لـ3 أشهر اعتمادا على معدّل الاستهلاك الشهري للتونسيين لكن توافد آلاف الليبيين للعلاج في تونس صعّب عملية توقع معدل الاستهلاك الشهري لبعض الأدوية، خصوصاً وأنّ ليبيين كثيرين يعودون للعلاج أكثر من مرة.
هل صارت المهنة حكرا على “البارونات”؟؟؟
“باكالوريا مع 6 سنوات من التعليم العالي” للحصول على “شهادة صيدلي”، فهي تضاهي بذلك “شهادة الطب” و”شهادة المحاماة” لكن أصحاب هذه المهنة يواجهون عدة مشاكل منها الاحتكار من قبل “الصيادلة القدامى” الذين يقول عنهم “الصيادلة الجدد” أنّهم “صاروا أكثر دهاء و مكرا بعد الثورة فمنهم من استغل الثورة ليثرى و ذلك عن طريق بيعه لصيدليته وترسيم اسمه مجددا في قائمة الانتظار، فهو أمر ممكن باعتبار أن كل صيدلي يمكنه بعث وحده صيدلية طالما أن عمره لم يتجاوز 60 سنة ضافة إلى كون تقدمه في السن يمكّنه من احتلال المراتب الأولى في قائمة الانتظار”.
ويؤكّد عديد الصيادلة الشبّان أنّ “بعض الصيدليات تقدر قيمتها بملايين الدنانير، وأن هناك من قام خلال الفترة الأخيرة ببيع صيدليته بالمليارات والمتمركزة بإحدى مناطق ولاية صفاقس، في حين باع أحدهم صيدليته الواقعة بجهة الحمّامات بمليار ثمّ عادوا للمزاحمة في قوائم الانتظار خلافا لمن تأصّل وانغمس في العمل بالقطاع العام حتّى إذا اقترب التقاعد وجدته على رأس القائمة”.
ويضيف الصيادلة المتخرجون حديثا أنّ “الشابّ الصيدلي الحالم المجمّد في قعر قائمة الانتظار مازال يحلم بمستقبل واعد في ظّل قوائم أخرى مجمّدة بالقوانين البائسة، منها وجوب بعث صيدلية ليلية واحدة لكل 60 ألف ساكن، ويجب ألا تقل المسافة الفاصلة بين صيدليتين نهاريتين 200 متر كحدّ أدنى”، حيث اعتبر هؤلاء الصيادلة الشبّان أنّ “القوانين في هذا المجال جُعلت أساسا لمساندة جماعة بعينها من الذين صاروا” بارونات” وسماسرة في القطاع”.
الموقف النّقابي “مستقبل المهنة غامض”
حذّرت النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة في منتصف شهر جانفي 2016 من خطورة غياب رؤية مستقبلية واضحة بالنسبة للصّيادلة بصفة عامة سواء العاملين منهم في القطاع العمومي أو الخاص أو ممثلي المخابر أو الذين يعملون في صناعة الأدوية مشيرة الى أن “القطاع حاليّا يعيش أتعس مراحله على مستويات عديدة”.
وأكد كاتب عام النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصّة “رشاد قار علي” أنّ “غموض مستقبل الصيدلة في تونس جعل الصيادلة الشبان يعيشون مشاكل كبيرة بسبب غياب ممثلين عنهم وأخصائيين للصيادلة صلب الوزارة”، معتبرا أنّ “المسؤولين عن اتخاذ القرارات المتعلقة بالشأن الصيدلي داخل الوزارة لا علاقة لهم بالعمل الصيدلي وخصوصيته الأمر الذي زرع الخوف في نفوس أبناء السلك وخاصة منهم الصيادلة الشّبان الذين يعيشون أزمة حقيقية، وقد عرضنا تفاصيلها على الوزراء المتعاقبين دون أن يحركوا ساكنا”.
كما انتقد “رشاد قار علي” إصرار الصيادلة الشبان على فتح صيدليات خاصة مؤكدا أن “تونس لا تحتمل فتح صيدلية لكل واحد من هؤلاء الصيادلة الذين بإمكانهم العمل في القطاع العمومي أو الخاص بأجور محترمة وقع ضبطها من قبل وزارة الصحة تقدر بـ 800 دينار شهريا في انتظار ايجاد حلول جذرية ونهائية لهذا الاشكال خاصة أن النقابة اقترحت على سلطة الاشراف جملة من الحلول وهي حاليّا قيد الدرس”.
500 موطن شغل شاغر
الكاتب العام للنقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة، شدّد على أنّه “لا وجود لأزمة عمل في قطاع الصيدلة بل أن الأمر يتعلق برفض الصيادلة الشبان العمل كأجراء داخل الصيدليات وإصرارهم على فتح صيدليات خاصة، والدليل على ذلك أنّ 500 موطن شغل حاليا شاغر في عديد الصيدليات الموزعة على كامل تراب الجمهورية ورفض هؤلاء العمل بها لتواجدها في المناطق الداخلية”.
وأفاد الكاتب العام أن المفاوضات جارية مع وزارة الصحة لفتح المزيد من الصيدليات وفق شروط ومقاييس مضبوطة شرط ألاّ تضر بأصحابها أولا وبالصيدليات القديمة ثانيا، داعيا “الصيادلة الشبان” إلى سدّ الشغور الحاصل في بعض الصيدليات في انتظار فتح صيدليات خاصة لمن أمكن له ذلك، قائلا: “تمكين جميع الصيادلة من فتح صيدليات خاصة غير منطقي والصيدلي مثل الطبيب اذ لا يمكن لجميع الاطباء فتح مصحات خاصة”.
وكانت “النقابة” قد هددت في مناسبات عديدة بالتّصعيد والدخول في سلسلة من التحركات الاحتجاجية في صورة مواصلة تجاهل وزارة الصحة لمشاكل القطاع وعدم إسراعها في ايجاد الحلول الملائمة لمختلف هذه الاشكاليات العالقة وتشريك الهيكل النقابي في كل القرارات المتعلقة بالمهنة مطالبة بضرورة تنظيم القطاع ومراجعة القوانين التي تحكمها ورخص الانتصاب وهوامش الربح لمختلف أنواع الأدوية.
الأداء على القيمة المضافة
في تصريح لإذاعة تونسيّة خاصّة، بثّته يوم 27 أكتوبر 2015، دعا الكاتب العام للنقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة رشاد قار علي” إلى تحوير الإجراء الوارد بمشروع قانون المالية لسنة 2016 والمتعلق بالزيادة في الأداء على القيمة المضافة فيما يخص توزيع الأدوية بالجملة والتفصيل وإلى تعويضه بحلول أخرى.
وأضاف “رشاد قار علي” أن هذا الإجراء سيؤدي، إذا وقع اعتماده، إلى التخفيض في هامش الربح بالنسبة للصيادلة، وأنّ هذا الهامش قد تم التقليص فيه مرة أولى سنة 1996 وأن التخفيض فيه للمرة الثانية سيؤثر بالخصوص على الصيدليات ذات أرقام المعاملات الضعيفة، منتهيا إلى التأكيد أنّ “قطاع الصيدلة في تونس يقدم خدمات كبيرة للمواطن وهو من القطاعات الوحيدة التي بقيت تعمل بصمت منذ سنة 2011”.
مطالب ملحّة لتعديل القانون
نظمت “الجمعية التونسية للصّيادلة الأحرار” يوم الخميس 4 فيفري 2016 وقفة احتجاجية، نفذها عدد من المتخرجين اختصاص “صيدلة”، أمام مجلس نواب الشعب، حيث تمّت المطالبة بإلغاء الفصول التي اعتبروها “ظالمة وغير عادلة” من القانون عدد 55 لسنة 1973 المنظم لقطاع الصيدلة خاصة “الفصل “29 الذي اعتبروا أنّ “تسبب في تجميد 2200 شخص وحرمانهم من حقهم في بعث صيدليات خاصة”، وقد دعا المحتجّون رئيسي الحكومة ومجلس نواب الشعب إلى “تحرير القطاع وتغيير القانون بما يتماشى مع الحفاظ على كرامتهم”.
وكشف رئيس جمعية الصيادلة الأحرار “رمزي بوعون” في تصريح لإذاعة خاصّة على هامش الوقفة الاحتجاجية أن “القانون المنظم للقطاع يجبر المتخرج على الانتظار 175 عاما ليفتح صيدلية خاصة وفقا للقانون الحالي والشروط المعمول بها”، مضيفا بالقول: “حسابيا كل من يتخرج من الصيدلة اليوم يجب أن ينتظر 175 سنة حتى يتمكن من فتح صيدلية خاصة حسب الشروط الحالية التي تعتمد النمو السكاني، وبمقتضى هذا القانون صارت الصيدليات تباع وتشترى بالمليارات وحرم خريجي اختصاص الصيدلة من حقهم الطبيعي في بعث صيدليات خاصة”.
جمعيات الشّبان تتذمر
ممثّلو جمعيّات الشبّان الناشطة في قطاع الصيدلة، أبرزوا في أكثر من مناسبة أنّ مهنتهم مهمّشة ولا تحظى بالاهتمام من قبل المسؤولين المباشرين، مؤكّدين أنّ “الناشطين في مهنة الصّيدلة، وخاصة الصّيادلة الشّبان يعانون من تهميش وظروف معيشية صعبة رغم ما يزخر به القطاع من مردودية عالية ومن فرص تشغيل”.
ويعتبر جلّ الصيادلة الشبّان أن “القطاع الصيدلي على أهميته و ارتباطه المباشر بصحة المواطن لا يحظى بالاهتمام الذي يستحقه بالرغم من تردي الأوضاع و تفاقم المشاكل لا سيما وأنّ القوانين التي تنظمه تعود إلى العهد البورقيبي و بالتحديد إلى سنة 1973 و حتى التنقيحات التي شملته اقتصرت على بعض الإجراءات الوقتية دون المساس بجوهر الموضوع مما زاد الوضع تعقيدا”، وبحسب تصريحات لبعض الصيادلة الشبان فإنّه “بالنظر إلى عدد الصيادلة المسجلين على قائمات الانتظار من المستحيل على الشبان منهم المتخرجين حديثا التفكير في امكانية الانتصاب للحساب الخاص و لو بعد سنوات من التسجيل في هذه القائمات والأمرّ من ذلك غياب الشفافية و التعتيم على المعطيات الصحيحة التي تمكن الصيدلي من الاختيار الصائب.
وقد سجلت تحركات لفئة من الصيادلة الشبان هدفها دفع وزارة الإشراف والمصالح المعنية في اتجاه التفكير الجدي لإعادة هيكلة القطاع بما يراعي ارتفاع مستوى المعيشة والتغطية الصحية، علاوة على التطور الكبير الذي شهده قطاع الدواء على المستوى الوطني والعالمي مما يعطي للصيدلي مكانة هامة في ضمان الجودة وترشيد ونصح المواطن.
النّقص في صيدليات الليل
ظاهرة النقص الذي تعانيه أغلب الأحياء الشعبيّة وحتّى الراقية بإقليم ولايات تونس الكبرى الأربع، خاصّة بالجهات الداخليّة للبلاد فيما ينعدم وجودها في المناطق الريفيّة والحدوديّة، الأمر الذي دفع عديد المنظمات والجمعيّات وشريحة واسعة من المواطنين إلى إطلاق صيحات فزع متتالية خلال العشريّة الأخيرة لكن دون حصول الاستجابة المأمولة من قبل السلطات المسؤولة.
وقد نشر موقع الكتروني تونسي مؤخرا خبرا صحفيّا مفاده أنّ “مدينة صفاقس التي يقطنها قرابة المليون ساكن تعاني رغم وفرة الصيدليّات النهاريّة فيها بسبب افتقارها لصيدليات اللّيل غير المتوفّرة بالعدد المطلوب، حيث يجد المواطن عناء كبيرا للحصول على الدّواء بعد الثامنة ليلا”، حيث يدلّل محرّر المقال على ذلك بالقول: “طريق قرمدة مثلا لا يحتكم إلا على صيدلية ليلية واحدة قرب معهد الحبيب ثامر، وغالبا ما تكون مكتظّة بالحرفاء إلى درجة تعطّل حركة المرور أمامها، كما تشتكي جميع المناطق الأخرى من نفس المشكلة وهي فقدان الصيدليات ليلا فيجبر المواطن على قطع عشرات الكيلومترات لقضاء شأنه”.
ويتساءل ناشطون في المجتمع المدني: لماذا لا يقع التفكير في فتح المزيد من الصيدليات الليلية خاصّة في المناطق ذات الكثافة السكانية المرتفعة بشكل يتم فيه تقريب الخدمات من المواطن وفتح أبواب جديدة للتّشغيل خاصّة و أنّ العديد من “الصيادلة الشبّان” يشتكون من البطالة.