قطاع الجلود والاحذية في تونس: 1 مليار دينار صادرات سنويّا، الحذاء التّونسي متواضع الجودة، وإقبال كبير على ” الفريب” والماركات المستوردة
أكّدت مصادر قطاعيّة ورسميّة في منتصف سنة 2016 أنّ صادرات قطاع الجلود والأحذية تزيد قيمتها سنويا عن الألف مليون دينار منها 60 بالمائة موجّهة لأسواق أوروبية هامّة على غرار ايطاليا وألمانيا وفرنسا، وأنّ القطاع يشغّل حاليّا ما يناهز 35 ألف شخص بين عامل وإطار فيما تنشط في هذا المجال نحو 234 مؤسّسة بين مصدّرة كليّا وجزئيّا في حين يبلغ الإنتاج من الأحذية 24 مليون زوج حذاء موجّهة نحو التّصدير مقابل ما بين 24 و25 مليون زوج حذاء للسّوق المحليّة.
وتؤكّد المعطيات الرّسميّة أنّ عدد الحرفيين النّاشطين في مجال الصناعات التقليديّة والمختصّين في الجلود تراجع من مستوى 12 ألف حرفي قبل الثورة إلى ألفي حرفي فقط بعد الثّورة، وقد حقّق قطاع الجلود في الأشهر الثمانية الأولى من سنة 2015 رقم معاملات في حدود 1600 مليون دينار، كما يضمّ قطاع الجلود تقريبا 178 مصنعا مختصا في تونس علاوة على حوالي 20 مدبغة تعد من أكبر المدابغ في القارة الافريقية.
إيطاليا الحريف والمزوّد الأوّل لتونس
تستأثر كلّ من إيطاليا وفرنسا وألمانيا بنسبة 89.3 بالمائة من جملة صادرات قطاع الجلود والأحذية في الفترة ذاتها، وتستقطب إيطاليا لوحدها 48.7 بالمائة من الصادرات، ثمّ فرنسا 29.2 بالمائة، ثمّ ألمانيا 11.4 بالمائة، ويفسر ذلك أساسا بتمركز مؤسسات مصدرة تنتمي إلى هذه البلدان في تونس، وشهدت واردات القطاع تطوّرا بنسبة 11.2 بالمائة خلال الأشهر الخمس الأولى من عام 2010 مقارنة بنفس الفترة من السنة المنقضية.
وتكشف المعطيات الرّسميّة أنّ واردات تونس في مجال صناعة الجلد تتأتّى خاصّة من إيطاليا وفرنسا وألمانيا، وتعدّ إيطاليا أوّل مزوّد لتونس بنسبة 53 بالمائة، بما قيمته 135 مليون دينار، في حين تأتي كل من فرنسا وألمانيا في المرتبتين الثّانية والثّالثة على التّوالي، وتتزوّد بلادنا أيضا من الصّين والهند على التّوالي بما قيمته 6.4 مليون دينار و5.7 مليون دينار.
وقد وقّع المركز الوطني للجلود والأحذية، يوم الإربعاء 30 سبتمبر 2015 اتفاقيّة تعاون مع جمعيّة مصنعي آلات صناعة الأحذية والدباغة والجلود الإيطاليّة “أوسماك”، وذلك لتوفير آليّات التمويل لفائدة المؤسّسات الصّغرى والمتوسطة في قطاع صناعة الجلود والأحذية بما يمكّن من تسهيل التّبادل التّجاري وأيضا تبادل الخبرات الفنية كما ستتيح الاتفاقية تيسير عمليّة اقتناء تجهيزات لصناعة الجلود والأحذية من الجانب الإيطالي وتأمين المساعدة الفنيّة لتحسين القدرة الفنيّة للمؤسسات التّونسيّة اضافة إلى دفع الابتكار وتطوير مجال البحوث والدّراسات صلب المجال.
الحذاء التّونسي متواضع الجودة وإقبال على ” الفريب” والماركات الآسياويّة
اقبال كبير من فئات واسعة من التونسيين من مختلف الطبقات الاجتماعية والشرائح العمريّة على “أحذية الفريب”، وإقبال للفئات الاجتماعية الهشّة وحتى المتوسطة على أحذية جنوب شرقي آسيا المعروفة بأسعارها المنخفضة رغم جودتها المتواضعة، فالبعض يقبل على “أحذية الفريب” وعلى الأحذية المستوردة بحثا عن الجودة والمتانة والتصميم الجيّد، وقد لا تهمّه الأسعار، والبعض الآخر يُقبل على هذه الأحذية المستوردة التي أغرقت الأسواق التّونسيّة بحثا عن أسعار مناسبة لمقدرته الشرائية، وقد لا تهمّه الجودة.
ويقول بعض الخبراء أن الحذاء التونسي الموجّه للاستهلاك المحلّي مازال رغم تطوّر قطاع الصّناعات الجلدية، كمّا وكيفا، متواضع الجودة مقارنة بالماركات المستوردة، وأنّ من أهمّ أسباب ذلك أن المصانع أصبحت تبحث عن تحقيق أقصى ما يمكن من ربح مادي دون الاهتمام بالعلاقة بين الجودة والسعر ممّا جعل تطوير الحذاء التونسي وجعله قادرا على المنافسة أمر عسير.
وبالنظر للوضعيّة التي تشهدها صناعة الأحذية التونسيّة ومسألة تسويقها، فإنّ كثيرا من التحديّات تفرض نفسها اليوم أمام الناشطين في قطاع الجلود والأحذية ببلادنا وأمام المسؤولين عنه خاصة في ظل الانفتاح الكبير وشبه التام للسوق التونسيّة على المنتوجات الأجنبية وما يرافق ذلك من منافسة شرسة لا بقاء فيها إلاّ للأفضل جودة وسعرا، وفي ظل ارتفاع حجم سوق الأحذية المستعملة “الفريب” وما تحظى به من سمعة طيّبة لدى بعض التونسيين ، اضافة الى التحسّن التدريجي في جودة الأحذية الجنوب آسياوية وما يبعثه ذلك من استحسان لها لدى بعض الفئات الاجتماعية.
إدارة “المركز الوطني للجلود والأحذية” كان لها رأي مغاير، والتي أجزمت بأنّ “جودة الحذاء التونسي تطوّرت بشكل كبير عن السّنوات الماضية حيث قلّت التشكيات في السّوق المحليّة لا سيما من قصر عمر الحذاء ومن سرعة تمزّقه وإتلافه، وذلك بالنسبة لأغلب الماركات، لكن لم تخف الإدارة تأكيدها أن أغلب التّذمرات سببها الأسعار المرتفعة في نظر المواطن معتبرة أنّه “من الصّعب أن يقبل المستهلك التّونسي متوسط الدّخل بسعر حذاء يفوق 40 أو 50 دينار لأن أسعار العشريات الماضية مازالت مسيطرة على ذهنه (25 د و30 د)، وهي أسعار عملت بها المصانع عندما كانت لا تهتم كثيرا بالجودة وتضغط بالتالي على التكاليف”.
المصنعون يتذمّرون من أحذية الفريب والمواطن يشتكي من الجودة والأسعار
يتذمر مصنّعو الأحذية من ضعف الاقبال على سلعهم في السّوق المحليّة، بل ويوجّهون أصابع الاتهام يمينا وشمالا حيث يتهمون سياسة فسح المجال أمام سوق الأحذية المستعملة “الفريب” التي اكتسحت كل المناطق وكل الأسواق الشعبية وكل الأحياء رغم أن القانون يمنعها نظريا، وتلقى هذه البضاعة رواجا كبيرا لدى كل الفئات الاجتماعية سواء كانت غاية المستهلك البحث عن أسعار معقولة أو البحث عن ماركات عالمية نادرة تكون أسعارها الرسمية (إذا كانت جديدة) باهظة جدّا، كما ينتقد المصنّعون بشدّة ما وصفوه بـ”الافراط في فسح المجال أمام الأحذية الآسياوية لتقتحم أسواقنا بشكل كبير وتستهوي الفئات الضعيفة من المستهلكين نظرا لأسعارها المتواضعة”، كما يوجّهون أصابع الاتهام إلى المحلات التي أصبحت تنتصب خصيصا لبيع “الأحذية التركية” ذات الجودة المرتفعة والأسعار المعقولة ويقبل عليها التونسي بشكل ملحوظ.
من ناحية أخرى يتململ المستهلك التّونسي من تواضع جودة الحذاء التونسي المصنّع محليا وخاصة من قصر عمره وتغيّر شكله بسرعة بعد مرور بضعة أيام عن استعماله رغم أن سعره يكون أحيانا مرتفعا في نظر المواطن (مثلا 40 أو 50 أو 60د)، وحتى إن فكّر المواطن في شراء حذاء جيّد ينصحه النّاصحون بالأحذية التي تتجاوز أسعارها 80د، وهو ما لا يقدر عليه أغلب التونسيين ، ويدفعهم كل هذا الى اتهام المصانع بالغش وبالبحث عن الربح السريع، بل ويتّهمهم أيضا بالاتفاق على البيع بأسعار متقاربة وبعدم فسح المجال للمنافسة الحرّة والنزيهة حتى يضعوا بذلك المستهلك أمام الامر الواقع.
ويؤكد أهل الذّكر والمختصّون أن دور المواطن في هذا المجال هامّ، إذ عليه أن لا يجعل من نفسها لا طعما ولا فريسة تندفع دون وعي أو إدراك لشراء حذاء مغشوش جودة وسعرا، بل عليه أن يتثبّت ممّا سيقتنيه، وإذا وقع “المحظور” يجب أن لا يتوانى عن تقديم شكواه لدى الجهات المعنية ممثّلة بالخصوص في “منظمة الدفاع عن المستهلك” و”معهد الاستهلاك المصنّع التّاجر” ويطالب بحقه كاملا، مؤكّدين أنّه بهذه الطريقة يمكن الحد من عيوب الصّنع ويمكن الضّغط على المصانع لتطوّر جودة إنتاجها وإصلاح ما بمصنوعاتها من عيوب، كما أن المواطن مطالب بالامتناع عن شراء الأحذية التي لا تحمل علامة صنع أو إشارة لمصنّعها، تجنّبا لعمليّات الغشّ وما يعقبها من إشكاليّات.
رئيس “الجامعة التّونسيّة للجلود والأحذية: “يجب منع بيع أحذية الفريب”
أفاد رئيس الجامعة التّونسيّة للجلود والأحذية “يونس بن طاهر” في ندوة صحفية انتظمت يوم 05 نوفمبر 2015 أنّ القطاع يشكو في الوقت الرّاهن حالة من الكساد قال إنّها ترجع إلى عديد الأسباب من بينها التّوريد العشوائي معتبرا أنّ عدم تطبيق بعض القوانين على غرار القانون الخاصّ بـ “منع بيع أحذية الفريب” ساهم في تعميق الإضرار بالقطاع من ذلك أنّ عديد المصانع تمّ إغلاقها، ممّا تسبّب في تراجع مواطن الشّغل وأدّى إلى تقلّص كبير في فرص التشغيل، مدلّلا على ذلك بمثال “السّوق في صفاقس” التي أوضح ” بن طاهر ” أنّها كانت توفّر في السّابق، وتحديدا في العشريّة الممتدة بين سنتي 2000 و2010، حوالي 10 آلاف موطن شغل في حين لا يتجاوز عدد العاملين في قطاع الجلود بالجهة حالياّ 1500 فرد اضافة إلى أنّ التّرفيع بـ 3 مرّات في قيمة الأجور بعد الثّورة زاد من أزمة القطاع الذي يوفّر في المجمل 34 ألف مورد رزق مطالبا الحكومة بـ”التصدّي للسّوق الموازية وتطبيق القانون على الجميع”.
وفي تصريح نشر يوم 06 فيفري 2015، ذكر رئيس الجامعة التونسيّة للجلود والأحذية أنّ “فضّ المشاكل الكبرى التي يشهدها القطاع لن يتحقّق إلاّ بتطبيق القانون والحرص على ذلك من قبل الجهات الرسميّة المختصّة”.
وما تجدر الإشارة إليه هو الجهات الرسميّة المختصّة لا تنفكّ تؤكّد أنّ صناعة الأحذية في تونس تخضع إلى ضوابط وشروط ومواصفات عالمية معروفة ومصادق عليها من النّاحية الصّحية ومن ناحية القيمة الماليّة المتداولة في عمليّات البيع والتّسويق التّجاري حيث تقول مصادر من قطاع تصنيع الأحذية في البلاد إنّ مصانعنا تحترم هذه الضّوابط في ظل رقابة “المركز الوطني للجلود والأحذية “وإجبارية إجراء التحاليل المخبرية لديه على كل المنتوجات الجلدية.