السلسلة “الدنيا حكايات” المجموعة “نوفمبريات”: ” الزّاهي بوكبّوس”
يستفيق “الزّاهي” مؤذّن “جامع العابدين”، وعضو “شعبة” الحومة كلّ هزيع أخير، يرتدي جبته البنفسجيّة المطرزة باللون الأحمر والأبيض لم يعرف النّاس أنّهم رأوه يلبس غيرها، يضع نعليه في رجليه وشاشيته الحمراء (كبّوس) على رأسه.. يتّجه ناحية درّاجته النّاريّة ليأخذها من مكانها المعتاد تحت السّلم الإسمنتي المؤدّي إلى سطح البيت..
يتفقد الصندوق الخشبي اعتاد تثبيته خلفه وراء مقعده.. مسح بخرقة قماش يستعين بها لتلميع صورة “زين العابدين بن علي” الكرتونيّة الملصقة في الجهة الخلفيّة للصندوق بشكل يراها الرؤون من عابري السبيل في الشارع وفي كلّ الأماكن التي يمرّ منها بوضوح.
يشغّل درّاجته وينطلق صوب الجامع، حتى إذا ما وصل إلى بيت الله.. ركن دراجته في موضع مستور عن الأعين ثمّ قام إلى الأضواء يشعلها ثمّ ينتحي زاوية من الزوايا بصحن الجامع، ويبدأ، على بركة الله، في التحديق في المصلين الداخلين، فرادى وجماعات، من البوابتين الكبيرتين، تحملق عيناه وتدوران في محجريهما، وهما تجولان بين مصحف يحرص على حملها وبين الروّاد الوافدين في وقت الفجر.. من شاهده من المصليّن قال إنّه يضع ورقة صغيرة بين صفحات المصحف يخطّ عليها، ما يخطّه، بقلم رصاص لا يتجاوز طول بنصره، يكتب في الورقة ما لا يعلمه إلاّ الله وهو والجهة التي يقدّم إليها المكتوب بعد كلّ “صلاة صبح”.
تقع عليه الأعين، فيدعو عليه الشيوخ بالهلاك والثّبور ويلعنه الكهول ويفزع منه الشّباب، وتجتمع الأفئدة والألسنة على عبارات سواء ” يا زاهي يا قوّاد يا كلب.. والله لا تربح لا في الدّنيا ولا في الآخرة”.. قيل أنّ الزّاهي كان سببا في تضرّر من كتب عليهم ربّهم الضرّ، ونجا من مكائده من كتب عيهم ربّهم النّجاة.. أطاحت “ثورة 14 ديسمبر – 14 جانفي” بصاحب الصّورة التي كانت لا تفارق “الزاهي” في حلّه وترحاله.. أسابيع بعد الثّورة احتجب لم يعد يخرج من داره.. تندّر كثيرون بأنّ “المؤذّن” وعضو “الشّعبة” آثر التصوّف وكره الدّنيا بعد ذهاب حبيبه وخليله.. في الحقيقة فاجأته ” جلطة دماغيّة لم تمهله طويلا.