المجموعة “خلجات” ” درب الـــمعنــى”
يطول في نفسي درب المعنى وتأخذني، طوعا وقسرا، مشاعر فيّاضة نحو طبيعة خلاّبة عانق روعة أهرامات الفراعنة وتضاهي سحرها، أحاسيس متّقدة تماهي رهبة معابد بابل القديمة، الحديث الذي تحدّثني به نفسي خرافيّ إلى حدود الأساطير بل يحملني إلى قمم الملاحم، بل هو إلهام اللّحظة منه دهر يصعب قياسه بحساب الزمن البشري.
بتّ قانعا مقتنعا أنّ معضلة الفكر أن تنطلق من العدم لتبدع ما لم يكن وتبتكر ما لم تجد به قرائح بني جنسك وجلدتك.. فكر حرّ خالص ينبع من فكرة الهروب من الواقع دون الخروج عن دوائره وقواعده، فالجنوح للخيال دون الضياع في فلكه تستقيم معالم الطريق واضحة لا تعتّمها عتمة.
عصف العواصف وترعد وتزبد الطبيعة وتهطل الأنواء فلا أجدني إلاّ وقد عجّلت بالولوج إلى الأعلى علياء السماوات، أشاهد بين الصّحوة والغفوة أنّي أشهد ملاحم القرطاجيين وحروبهم مع الرّومان وأحيانا تمرّ لبرهة من الوقت تلك العذابات الإنسانيّة التي عاشها الآدميّون في العصور الوسطى حيث الدهاليز الموحشة والأقبية المظلمة بممراتها المخيفة وصور السجناء المفزعة وحيث وحشيّة قتل البشر للبشر واغتصابهم وانتزاع بشريتهم، حيث سيطرة الوحشيّة الحيوانيّة.
وتتواتر صور الفضاعات في حقّ الأبرياء في كلّ الأقطار والأمصار شاهدة على شرور ودمويّة ابن آدم في حقّ أخيه لتعيدني إلى الفصل الأوّل من واقعة “قابيل وهابيل”.. الرّحلة تنقطع دائما بصرخة مدويّة من مكان مجهول من زمن غابر.. تفزعني الصّرخة وتوقظني، دون إرادة منّي، من الكابوس فتنقشع عنّي غمامة الأضغاث.. أحاول في كلّ مرّة العثور على تفسير لهذا “المنام” المتكرّر فلا أجد غير تبريره بأنّه انعكاس لصدمات الواقع وأثر المعيشة ورجّة من رجّات هذا الزمان وهذا المكان.