الأخبار الوطنية
( قيس العــرقوبي ) // تشغيل الأطفال والقاصرات: نبيع “الأكباد” لنشتري”المرارة”؟؟؟
في بواكير الصباح وفي أصال المساء، تطالعك وجوه طفوليّة ترتع هنا هناك بين محلاّت النجارة والحدادة وورشات الميكانيك وما جاورها من صنائع وحرف فسيفسائيّة، صغار بين العاشرة من العمر إلى السادسة عشرة، يحملون مفاتيح وقطع حديدية وبلاستيكيّة وخشبيّة وغيرها، والبعض الآخر لقى تحت السيّارات الصغيرة الخفيفة، ومستلق تحت العربات الكبيرة الثقيلة.
سحنات ملطّخة بألوان وزيوت شتّى ظهر سوادها، وألبسة أقرب إلى الخرق منها إلى الثياب، وأرجل نحيلة تحمل أشباه أجساد نحيفة، مهرولة راكضة في كلّ الإتّجاهات تلج هذا الحانوت وتخرج من ذاك المتجر، سحنات تلمح على صفحاتها الوهن والتعب والقلق والخوف أيضا.
أطفال لا تدري من، وما الذي جلبهم لهذه المواقع وطرحهم في هذه المسالك؟؟ ومن، وما الذي أجبرهم على الإرتماء في هذه المهن الصّعبة والمنهكة؟؟؟ أطفال تراهم فتتساءل عن وجود أوليائهم وعن مسؤوليّة عائلاتهم؟؟ بل تستفسر عمّا دعاهم إلى امتطاء الضنك والسفر عبر المجهول؟؟ والسؤال الأكبر: كيف ترك هؤلاء مدرستهم؟؟ ومن سمح بذلك؟؟؟.
المشهد نفسه يتكّرر بطريقة مماثلة مع فتيات صغيرات لم يبلغن الحلم بعد يتمّ الزجّ بهنّ للعمل كـ “خادمات في المنازل”، كثيرات من القاصرات تحمل كأنّها بضاعة في زنبيل بغل السيّد الوالد البهلول، كأنّه يحمل “معزة” أو “نعجة” إلى السّوق ليبيعها ويشتري بثمنها شحما تأكله جيرانه الفئران وهوائم الأرض ودوابها.
قاصرات لا حصر لهنّ، بسبب افتقاد الإحصائيات الدقيقة والأرقام الواضحة، ينحدرن من الطبقات الضعيفة اجتماعيّا والمعدمة ماديّا، هنّ اليوم بين مطرقة أولياء غير مسؤولين وسندان انتهازيين غير آدميين، كلا الطرفين يستغلاّن عد نضج وقلّة إدراك “الضحيّة” لتكون أضحية يقتسم لحمها وعظمها وجلدها “عائل قديم” بلا رحمة و”معيل جديد” بلا ضمير.
الأطفال الصغار والقاصرات، جميعهم عرضة لإعتداءات وجرائم شتّى من قبيل التحرّش والإغتصاب والإمتهان، والإجبار على أعمال أغلبها لا يدريها ولا يعلم خباياها إلاّ الله، ويكفي أن تستمع إلى الغرائب والعجائب التي تتناهى إلى الأسماع بصفة تكاد تكون يوميّة، ممارسات لا تطيقها البهائم ولا
تستسيغها الأنعام.
تستسيغها الأنعام.
فبحيث لا يعي البعض ولا يدرك كثيرون أن تشغيل صغارنا وصغيراتنا وتركهم يواجهون المجهول، صورته الحقيقيّة تتمثّل في أنّنا نبيع “أكبادنا” بما فيها من غلاء وقيمة لنستبدلها ببعض حامض “المرارة” بما فيه من طعم العلقم الكريه.