من وحي واقعة “الفطايري”: المتسربلون بالظلام.. إلى متى؟
مقتل “الفطايري”، أمس الأول، وسط العاصمة وقريبا من مراز أمنية وسيادية وتجارية دوائرها وتخومها كثيفة الحركة يؤكّد شيوع الجريمة في بلادنا، خاصّة والمتصفّح للإعلام التونسي بصفة يوميّة يكتشف الحجم المهول الذي يحصل كلّ لحظة في هذه الناحية أو تلك من أنحاء البلد.
معروف عن أغلب “الفطايرية” المتمركزين بمحلاتهم في ولايات تونس الكبرى، أنّهم من الجنوب التّونسي الطيّب، هؤلاء الذين تشرفت بأن أكون حريفا لمنتوجاتهم الغذائيّة الضاربة في التاريخ والإرث التونسي التقليدي، من يعايشهم يعرف عنهم بشاشتهم وصدقهم ونقاوة معادنهم، ويلامس عن قرب طيبة معشرهم وكرمهم الذي ينتهي بك إلى الخجل من نفسك في أغلب الأحيان التي يقدّر أن تمضيها معهم أو قريبا منهم.
حديثنا ليس عن الجنوبيين من أبناء البلد ممن اختاروا هذه المهنة النبيلة الشريفة الحلال، وإنّما من زمن “الليل” في تونس خاصّة بعد الثورة، هذا الوقت الذي أمسى مسرحا لجرائم لا تحصى ولا تعدّ، جرائم مروّعة تستهدف الأفراد في الشارع، حتّى والأسر الآمنة في البيوت.
جحافل وزرافات ينتشرون كلّ ما ينشر الليل عتمته، هؤلاء يتسربلون بالظلام وينتشرون هنا وهناك خاصّة في الزوايا والمنعطفات، وفي الحدائق العموميّة، وقريبا من المراكز والفضاءات التجارية الكبرى، ويقعدون في أماكن متوارية قريبا من آليّات السّحب البنكي وحتّى الجوامع والمؤسسات الصحيّة.
فرادى أو جماعة، تقابلك أشباح آدميّة بـ “وجوه يومئذ” شبه مكشوفة، ومشية مترنّحة وأيد تختفي وتظهر، بأسلوب في رعشة وتذبذب، لتضفي على هؤلاء الريبة، فتثير الخوف وربّما الهلع في قلوب المارّة وعابري السبيل خاصّة من النساء والفتيات والصغار والمراهقين من التلاميذ، والشعور نفسه بالنسبة لكبار السنّ وحتّى الكهول.
في تونس إذا “هبط الليل” طارت معه قلوب التونسيين خوفا على ابنائهم وممتلكاتهم، وحتّى أنفسهم، فلا شيء معصوم من الاستهداف، فالجرائم على كلّ لون يا كريمة، براكاجات، نشل، اعتداء بالعنف، سطو وسرقات، وفواحش لا أرانا ولا أراكم الله.
لقد حان الوقت لجهر الظلام وكنس هؤلاء الذين تناسلوا وتكاثروا، وباتوا يأتون جرائهم بلا وجل، وليس في سواد الدجى، ولا في هزيع ولا في آخر رقيع، ولكن حتّى في واضحة النهار، اليوم هؤلاء المتسربلون بجنح الظلام، لا بدّ من وضعهم تحت مجهر ضوء السلطات ومراصد المجتمع.