من أنباء البلد: “تأخرت كتير يا كرامــة”
هو زميل دراسة قدّر وأن جلسنا سويّة نتلقّن أبجديات مهنة المتاعب بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار”، وكنّا قد تخرّجنا معا في السنوات الأولى لهذه الألفية، تعلّمنا ما تعلمنا من دروس وتطبيقات ثمّ مضى كلّ إلى حال سبيله حتّى التقينا مجدّدا منذ 3 أعوام بوسط مدينة منوبة، كان يشتغل كلّ الصنايع في إحدى “الكافيتيريات” المنتشرة في الجهة.
حدثني كثيرا عن مشقة العمل وعن قساوة الظروف واشتدادها خاصّة مع نظرات الأقرباء والمعارف، عرفت منه أنّه ينطلق في عمله من الأفجار ويظل كالنحلة في أعمال “العصر” و”المسح” و”الكنس” إلى حدود تقارب شطر الليل، ذكر لي من ممارسات الحرفاء وعابري
السبيل ما يعفّ اللسان عن ذكره والقلم عن خطّه، كنّا نجمع الإثنين على أنّها “حال تونس” بلدنا الذي لا وطن لنا غيره، ونختم لقاءنا الصباحي بالقول “ربّي يهدي، ويقدّر الخير”.
صباح اليوم الجمعة 17 من شهر مارس 2017، لم أزل على عهدي أتوقّف مع صديقي، وقفتنا الصباحيّة المأثورة لكيلينا، أترشف قهوتي لربع ساعة أو يزيد، فما كان منه إلاّ أن أثار معي موضوعا خلته نسيه أو استيأس من التطرق إليه يوما، استفسرني عن “عقد الكرامة” الذي أعلنت الحكومة عن الشروع في اعتماده، وانطلاق التسجيل فيه بداية من منتصف مارس الجاري وإلى حدود 25 منه.
ضحكت قليلا وهو يردّد “أي صاحبك ما هبلش بعد ما شاب يظهرلي باش يهزوه للكتاب”، حتّى إذا هدأت منّا ضوضاؤنا الصغيرة، استشارني حول ما إذا كان من الصّواب بعد 11 سنة من البطالة، وهو في عمر قارب الأربعين أن يبدأ في مرحلة العمل الأولى وفق صيغ “الصانع الجديد”، سألني إذا كان من الصّواب أن يترك رزقه الذي يحصّل منه خبز عائلته طيلة أكثر من 5 سنوات ويلج عالم الشغل وهو أب لـ 3 بنات فيهنّ من أنهت مستوى الأساسي، ثم لم يتركني أجيب حتّى أتمّ يقول “آش من كرامة يا صديقي”، ثمّ أردف يغنّي مقطعا من أغنية الفنان سوري الأصل جورج وسوف “اتأخّرت كثير يا حبيبي” لكن على وزن “اتأخرت كثير يا كرامة”.
تأسّفت على ما حصل مع صديقي وزميل الدراسة كثيرا من ظروف ضنكة ومعاناة مريرة، ثمّ تركت له الخيار الذي بدا في الواقع “سيزيفيّا” مشابها لواقع العاطلين من حاملي الشهائد العليا في البلد.