“الكامور” وأخواتها في ثلاّجة الموت الاقتصادي والاجتماعي !!!
لا اختلاف في كون جماهير التونسيين في كلّ أرجاء الجمهوريّة لهم الحقّ في الاستفادة من ثروات بلادهم والانتقاع بمخزونها ومدّخراتها، كلّ الفئات والشرائح معنيّة ولها حقّها، الذي يكفله الدستور، الجديد والقديم، في الثروة والتنمية التشغيل، ولا اختلاف على كون شريحة واسعة في تونس عانت وما زالت تكابد من جرائر السياسات التي سبقت الثورة والتي اعتمدت سياسة المكيالين بل تعدّد المكاييل، هو حقيقة واضحة وضوح الشمس.
ولا اختلاف على أنّ أهالي الجهات الداخلية والمناطق النائيّة والمحرومة، وفئة واسعة من أهل الجنوب هم أكثر الموطنين حاجة لتدخّل الدولة بمدّ يد العون لهم ودعمهم ومساعدتهم على عناء الحياة ومتطلباتها، هم الأحقّ بهذا “التمييز الإيجابي” الذي أضحى محور رحى سياسة كلّ الحكومات المتواترة، ولا اختلاف على أنّهم الأجدر بأخذ الأولويّة في ترميم معنوياتهم المنهكة جرّاء حرمانهم من مشاريع الدولة لما يزيد عن نصف قرن خلت، فهم الأولى بأن يرفع عن جهاتهم مظاهر التهميش والضّيم الذي لحقهم.
ولا اختلاف على أنّ أوضاع النّاس في مناطق عديدة في الشمال والوسط والجنوب تستوجب الانصراف السريع إلى معالجتها، أوضاع من الصعوبة بمكان ما يجعل الحكّام أمام واجب استحثاث الخطى لتفكيك “الألغام” وإبطال “القنابل الموقوتة” التي نشرت منذ بواكير الاستقلال وحتّى قبله، ألغام وقنابل هي اليوم في واقع الحال حدود فاصلة بين الجهات والفئات، ترعب البشر وتثير مقتهم وكرههم وخوفهم.
ولكن لا اختلاف في كون تونس وطن الجميع، ومصلحته وأمنه يعني كلّ أبنائه، هذا الوطن الذي إذا أعيد الزجّ به مجدّدا في أتون الإضرابات والاحتجاجات لأنّها ستأتي لا محالة على كلّ شيء، فما سينجرّ عنها أو يتخلّلها من فوضى سيدفع بنا مرّة أخرى صوب
المجهول، بل سيلقي بالبلد وأهله في الهاوية، ولقد كان لنا موعد مع السّقوط والانزلاق و”التمرميد” مواعيد عديدة وعديدة جدّا.
المؤسف أنّ تطوّرات الوضع الاجتماعي بدأت تناقض الخطوات المحقّقة على أرض الواقع، فالمؤشرات المرصودة والنتائج المسجّلة تؤكّد بداية تعافي الاقتصاد خاصة في مجالاته الحيويّة، فسفاط، فلاحة، تبادل تجاري، وحتّى القطاع السياحي الذي بدأت رئتاه تستعيد هواءهما بعد استعادة منسوب عال من ثقة وكالات الأسفار الأجنبيّة والفاعلين السياحيين عبر العالم.
اليوم يلاحظ أنّ جهدا حكوميّا يبذل في مسائل تخصّ التنمية والتشغيل، على اعتبار أنّهما مطلبين من مطالب الثورة الأساسيّة، ويلاحظ أنّ مساع حكوميّة من هذه الحكومة أو التي سبقتها في اتجاه حلحلة الأوضاع الاجتماعية والشروع بجديّة في إنجاز إصلاحات شملت عديد القطاعات التي تستوجب الإصلاح، وقد كان رئيس الحكومة الحالية يوسف الشّاهد قد انطلق في تسريع جملة الإصلاحات التي انبنت عليها “وثيقة قرطاج”، والتي كان قسم منها دخل حيّز التنفيذ في عهد حكومة سلفه الحبيب الصّيد.
اليوم يقف الرجال والنّساء والأطفال وحتّى المسنّين في منطقة “الكامور”، ويقطع آخرون الطرقات هنا وهناك في بعض أنحاء البلد، يفعلون ذلك للتعبير عن مطالبهم في العيش الكريم ونيل مناب من هذه الثروة الوطنيّة المتنوعة، يفعلون ذلك بعفويّة ولكن دون إدراك أنّه من سابع المستحيلات أن تحلّ العقد وتفضّ الأمور بتعطيل سير المرور أو قطع الطرقات، هكذا ستتعطّل شؤونهم وسيشقّ على الناس نفاذهم إلى مرافق الصحّة والخدمات، لا يدركون أنّ الأمور ستؤول إلى ما لا يحمد عقباه، وستعود بالوبال بدل المنافع على أهالي “الكامور” وعلى جميع التونسيين بلا استثناء.
اليوم علينا أن نكون في حالة وعي جماعي، ويفتح الجميع العيون جيّدا حتّى لا نعيد الخطأ نفسه مع حكومة “الصّيد”، فالكارثة أنّ من يبشّر بانقسامات أو الإتيان بحكومة جديدة هو في الحقيقة من قبيل الجنون لا سيما في ظلّ هذه المرحلة جدّ الدقيقة، فنحن قاب قوسين أو أدنى من إجراء الاستحقاق الانتخابي البلدي، ونحن أقرب إلى تعافي الاقتصاد، وقد انطلقت للتوّ أدفاق المستثمرين الأجانب إلى بلادنا، وهناك إصلاحات بصدد التنفيذ ومشاريع كبرى ومتوسطة وصغرى في نطاق الإنجاز أو على شفا الاستكمال.
هل نبعثر كلّ ما ملأناه، ونعاود تهشيم ما أصلحناه؟ هل نهدّم مجدّدا ما تقدّمنا أشواط عديدة في ترميمه، هل نلقي بكلّ حصالة تعبنا في واد سحيق ونعود جارّين أذيال الخيبات والهزائم؟ هناك من يرغب في ذلك.
نعم، لكن التونسي الذي يحبّ تونس لا يمكن أن يقبل بذلك، لذا حذار أن تضعنا “الكامور” وأخواتها في ثلاّجة الموت الاقتصادي والاجتماعي !!!