قطاع المصوغ في تونس (2): “آمال معلّقة على سلطة الإشراف لتقنين المهنة”
يعرف قطاع المصوغ في الفترة الراهنة مشاكل عديدة تشمل المهنة وتتعلق بالإدارة وعمليّة الإنتاج، وفي ظلّ هذا الوضع تسعى كل من منظمة الأعراف (الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليديّة) إلى جانب “كنفيدرالية المؤسسات المواطنة) إلى انتشال القطاع من الفوضى والتهميش والإهمال بعد سنوات من التغييب والتغافل لقطاع حيوي وحسّاس وله وزنه في إضفاء الديناميكية اللازمة على الاقتصاد التونسي.
نقائص وإشكاليات متراكمة تشكّل حاليّا عائقا أمام تطوّر قطاع المصوغ ويحول دون إسهامه في نمو الاقتصاد الوطني، الأمر الذي حدا بالاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليديّة إلى إعدادا الدراسات وتقديم المقترحات والمبادرات من أجل الخروج بحلول عمليّة وإيجاد آليات كفيلة بالنهوض بمختلف المهن حتّى يساهم بالقسط المنتظر في دفع الاستثمار وتوفير مواطن التشغيل وتعزيز التّصدير.
أهل المهنة يؤكّدون أنّ قطاع المصوغ يعيش حالة لا يحسد عليها بالنظر إلى أنّه ما يزال تحت رقابة صارمة للدولة وهو مقيّد بقوانين وإجراءات معقّدة ومتشعبة تطال جميع المستويات وفي كل مراحل الإنتاج، قوانين وإجراءات لم تعد منسجمة ولا متلائمة مع التطورات المسجلة على مستوى دول الجوار ولا على الصعيدين الإقليمي والدولي، وذلك بالنسبة للمعاملات مسائل تتعلّق بإشكاليات تقنية وتنظيميّة وإداريّة.
بل أكثر من ذلك فإنّ الدراسات المنجزة من قبل الهياكل المعنيّ بالقطاع تظهر بالكاشف أنّ المنظومة المعمول بها حاليا تشجّع على الفساد في كلّ مراحل الإنتاج من عمليات الشراء والتزود والتذويب والتصنيع وذلك بالخصوص في ظلّ تنامي المتدخلين أغلبهم من الدّخلاء.
رؤية “كنفيدرالية المؤسسات المواطنة”
قال الناطق الرسمي باسم “كوناكت” السيّد محمّد السّقا إنّه من الضروري تحديد مخاطب وحيد للتحاور معه وتدارس المسائل والملفات الخاصة وفضّ الإشكاليات العلاقات سواء كان ذلك على مستوى رئاسة الحكومة ووزارة المالية بالنظر إلى كثرة الوزارات والهياكل المتداخلة، والتي أكّد الناطق الرسمي أنّها تشتّت الأعمال وتطيل عمليّة الإنتاج وفي كثير من الأحين تعطلها على اعتبار كثرة الإجراءات والوثائق المطلوبة.
وشدّد المستجوب على ضرورة انخراط الجميع للنهوض بقطاع المصوغ لما له من تأثير في خدمة التنمية وتعزيز جهود الاستثمار ودفع الحركة الاقتصادية وخلق مواطن الشغل.
كما تطرّق محمّد السقّا إلى موضوع التكوين وتخريج الكفاءات حيث أشار إلى وجود ما يناهز 8 جهات تكوينيّة تتوزع بين مراكز للتكوين المهني والمؤسسات الجامعيّة ذات الاختصاص، مؤكّدا أنّ إشكاليات عديدة تطرح نفسها على المستوى دفعت إلى نفور المقبلين على التكوين على الاندماج للعمل الفعلي صلب القطاع، وعرّج في الأثناء على ظاهرة البطالة المتفاقمة وانتشار ما وصفه بـ “السلبيّة المفرطة” لدى المنتمين لقطاع المصوغ من المتخرّجين الجدد، وكذلك من الحرفيين من أصحاب طابع العرف الذين قال إنّ منهم من أصبح يكتفي بالمنحة المخوّلة له دون تقديم عمل فعلي يعود بالنفع سواء بالنسبة لشخصه أو على القطاع برمته.
ودعا المتحدّث إلى إعادة النظر في مناهج التكوين في قطاع المصوغ بما يسمح بتنمية الكفاءات الناشطة وتعزيز جانب التجديد والابتكار لا سيما بالحفاظ على امتداد المهنة من خلال تشبيبها بطاقات حيّة وكفاءات شابّة، وكذلك عبر فتح مناظرة للحصول على طابع العرف لتسهيل نفاذ الشباب لهذا القطاع.
وتطرّق محمّد السقّا إلى “الأسلوب الزجري” الذي يتسم به القانون المعمول به حاليّا في قطاع المصوغ، والذي أكّد أنّه المعرقل الرئيسي للإنتاج والابتكار صلب القطاع كما أنّه حاجز أمام جميع نوايا الاستثمار في القطاع سوايا من جانب التونسيين والأجانب لما يتضمنه من عقوبات سجنيّة مفزعة تكرّرت في أغلب فصوله، التي تنسحب في كثير من الأحيان على مخالفات بسيطة لا تقتضي تسليط تلك العقوبات المخيفة.
رؤية منظمة الأعراف
سلّط رئيس الغرفة الوطنية لتجّار المصوغ التّابعة للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليديّة السيد حاتم بن يوسف الضوء على مشروع القانون المقدّم من جانب القطاعيين والذي قال إنّه نال التوافق المطلوب من الطرفين، من جانب وزارة الماليّة ممثلة في الوزيرة المعفاة، ومن قبل ممثلي القطاع.
وطالب حاتم بن يوسف بضرورة إلغاء “طابع الضمان”، الصّنف الذي تمّ إلغاء العمل به على مستوى العالم لافتا إلى أنّ تونس يجب أن تلغي العمل بهذا الصنف الذي قال إنّ يسهل تزييفه وتوظيفه في عمليات التحيّل على الحرفاء.
وقال ممثل قطاع المصوغ عن منظمة الأعراف أنّه تمّ اقتراح العمل وفق “الرقابة بالعيار” تلافيا للغشّ الذي أكّد استشراءه، مؤكّدا أنّها الطريقة المثلى لتحقيق الضمانات الكافية بالنسبة للحرفيين وكذلك الحرفاء، وأشار إلى أنّ هذا الأسلوب أثبت نجاحه ومعمول به في أغلب بلدان العالم وفي مقدّمتها الولايات المتحدة الأمريكيّة وكندا ودول أوروبّا، وحتّى في بلدان المغرب العربي وافريقيا وآسيا.
وشدّد حاتم بن يوسف على أنّ تحرير القطاع هو المطلب الأساسي مؤكّدا أن تحقيق ذلك من شأنه أن يفتح مجالا واسعا لتوفير مخزون هامّ من العملة الصعبة، ويمكّن من استقطاب أعداد مهمّة من اليد العاملة والحرفيين.
استمراريّة الدولة
كلّ الأطراف المعنيّة سواء من جانب الاتحاد التونسي للصناعة والتّجارة والصناعات التقليديّة أو “كنفيدرالية المؤسسات المواطنة” تجمع على ضرورة تجسيم مبدأ استمراريّة الدولة ومرافقها، وتشدّد على ضرورة تنفيذ ما ورد في مجمل الاتفاقيات التي تمّ التوصّل إليها خلال الجلسات الماراطونية مع الهياكل الرسميّة المعنيّة وفي مقدمتها رئاسة الحكومة وكذلك وزارة الماليّة.
وقد تمّ التأكيد على ضرورة مواصلة الجهود في هذا الاتجاه من أجل الحسم النهائي في مسألة المصادقة على النصّ القانوني المنظّم للقطاع الذي بلغت مرحلة المصادقة عليه من قبل الطرف الحكومة نسبة 99 بالمائة، وهو اليوم يراوح مكانه جرّاء التغيير الذي حصل على رأس وزارة الماليّة.
وينتظر أهل المهنة أن تجسّم حكومة يوسف الشاهد مبدأ “استمراريّة الدولة” والخروج به من دائرة التنظير إلى أرض الواقع، والتعجيل بالتصديق على المبادرة التشريعيّة المقدّرة للغرض، والتي كانت قد نالت استحسانا كبيرا في أوساط واسعة من أعضاء مجلس نواب الشّعب.
اليوم يرى المهنيّون أنّ رئيس الحكومة يوسف الشّاهد أمام امتحان تأكيد وتطبيق ما أقرّه من إصلاحات تشمل عديد المجالات الاقتصادية، والتي من بينها قطاع المصوغ.
آراء القطاعيين
يجمع أهل المهنة صلب قطاع المصوغ على أنّ مهنتهم تشكو ظواهر سلبيّة عديدة تتلخّص أبرزها في تكاثر المهرّبين والمتحيّلين والمتطفّلين، ويؤكّد كثيرون أنّ القطاع غرق حاليا في الفوضى لا سيما في ظلّ غياب الرقابة النّاجعة، وانعدام الرؤية في ظلّ فقدان قانون واضح ينظّم القطاع ويضبط الأدوار والمهامّ وحدود العلاقات بين مختلف الأطراف المتدخلة.
مقترحات الإصلاح
ينتظر الحرفيّون المصادقة على المبادرات التشريعيّة المقدّمة من ممثليهم للمصادقة عليها من السلط مرجع النظر قبل عرضها على أنظار مجلس نواب الشّعب للتصديق عليها، هذه التشريعات القانونيّة التي ستمكّن الحرفيين من تخطّي العوائق المهنيّة والإدارية الثقيلة.
ويطالب القطاعيون بتحرير القطاع عبر تحرير الحصول على المواد الأوليّة وتحرير عمليّة صناعة المصوغ وتأهيل المراقبة وإلغاء القيود للدخول للمهنة وتطبيق النظام الجبائي الحقيقي، كما يطالبون بإلغاء طابع المطابقة للدولة لسهولة تزييفه، وإلغاء كرّاس المحاسبة لتعارض تطبيقه مع حريّة التجارة.