الأخبار الوطنيةمتفرقات
ضرورة قصوى: تدريس “التنمية البشرية”
اليوم “برامج التعليم” في تونس مثار جدل حقيقي لا يمكن طمره أو التغافل عنه، فالمؤسسة التعليميّة في تونس، مدرسة كانت أم معهد أم جامعة، هي حاضنة أساسيّة لأطفالنا وشبابنا الذين ما إن يلجوها حتّى تبدأ أذهانهم وقرائحهم بالنهل من المعارف والعلوم المختلفة، ويقوم على تلقين تلكم المواد إطارات تربويّة وجامعيّة لهم من الكفاءة والتجربة التي تجعلهم قادرين على إيصال الرسالة إلى الجالسين على مقاعد الدراسة بجميع أصنافهم واختصاصاتهم ومستوياتهم، والإشكال ليس في هذه النقطة.
إنّ المعضلة التي أمست تفرض نفسها اليوم أنّ المؤسسة التربوية والجامعيّة تقوم بتكوين وتخريج آلاف مؤلفة من التلاميذ والطلبة، وتمنحهم شهائد و”دبلومات”،على كلّ لون يا كريمة، لكن النسبة الغالبة من هؤلاء “المتعلّمين” إنّما تعلّموا فقط بعض مضامين المواد الدراسية حتّى إذا اجتازوا فترة الإمتحانات نسوا ما تعلّموه لأعوام، بل يضمحلّ من عقولهم ما درسوه لشهر واحد، ولا يعلق بالبال غير بعض المواقف الهزليّة والطرائف التي حصلت هذا اليوم أو ذاك، ولا يظلّ سوى بعض الفتات من معلومات حفظتها الذاكرة بالتكرار والإجترار.
اليوم يدرس التلميذ والطالب عشرات المواد، لكن في نهاية المطاف لا يحصّل منها سوى نسبة ضئيلة، تقول الدراسات المنجزة بصفة دوريّة أنّ تلاميذنا وطلبنا يتموقعون في التصنيفات الدّنيا من حيث الثقافة العامّة سواء في ما يتعلّق بالإلمام بالمعلومات العامة عن البلد أو السّكان أو الجغرافيا أو القوانين أو ما شابه.
اليوم التلميذ التونسي الذي يخرج من معهده في السنوات النهائية (باكالوريا أو أقلّ مستوى) أو الطالب الذي يتخرّج من الكليات والجامعات والمعاهد العليا بالكاد يتمكّن من تفاصيل صغيرة تخصّ الحياة الاجتماعية والسياسيّة والإقتصاديّة أمّا الثقافيّة “فحدّث ولا حرج”، والأنكى والأشدّ مرارة أنّ جامعيين لا يحذقون حتّى التّعامل مع النّاس في الشّارع، وهم لا يعرفون أيّ فصل من الدّستور ولا بندا من قانون عامّ يحمي حقوقهم أو يحفظ حريّاتهم في الدّولة التي يعيشون على أرضها، وهم مواطنوها
الأصليين.
الأصليين.
اليوم التلميذ والطالب التونسي في حاجة إلى أن يطّلع منذ السنوات الأولى لولوجه حرم المدرسة إلى دراسة مادّة “التنمية البشريّة”، هذه المادّة المعتمدة كمادّة تعليميّة أساسيّة وذات ضارب رفيع مثلها مثل الرياضيات واللغات، فهي “المادّة السحريّة” التي تمكّن هؤلاء التلميذ والطلبة من التعرّف على أنفسهم وضبط امكانياتهم واكتشاف مواهبهم ومهاراتهم، هذه “المادّة” التي تسمح بحسن الإختيار وحسن اتخاذ القرار، في “المادّة” التي تقوّي الشخصيّة وتجعل من المتعلّمين أكثر ثباتا ومسؤوليّة وثقة، هذه الخصال التي تعدّ مكامن وأسباب النجاح والتميّز.
“برامج التعليم” في تونس هي اليوم الرّهان الحقيقي لإنقاذ البلاد عبر تطوير مهارات مواردها البشريّة التي يستوجب أن تبدأ بالضرورة بإنشاء جيل جديد متعلّم ومثقّف، ولن يحدث ما ننشده من نجاح وتألّق حقيقيين لأبنائنا في غمرة التغيّرات الكثيرة السلبيّة والطوارئ الخطيرة إلاّ بسلاح تطوير الذوات وقدرات أصحابها على مواجهة التحدّيات الماثلة، الأمر الذي يقتضي ما أسلفناه من قول.
( قــيــس الــعرقــوبي )