“جامعة تونسيّة للعلوم الأمنيّة”
تسنّى لي أن أحضر مؤتمرا علميّا للحماية الأمنية والاجتماعية نظّمته “جامعة نايف العربية للعلوم الأمنيّة” بالمملكة العربيّة السعوديّة، حيث وقفت شاهدا على ما بلغه الأشقّاء الخليجيّون وبعض الدّول العربيّة المشاركة خاصّة مصر والأردن وما وصلت إليه من تطوّر في مجال العلوم الأمنيّة وارتباطها ببقيّة المجالات الحياتيّة والمجتمعيّة وفي مقدّمتها “الإعلام الأمني”، و”الرعاية الاجتماعية” و”الإحاطة بالشباب” وفي مجالات “الثقافة والفنّ والإبداع”.
ولقد حضرت الوفود من شتّى البلدان العربيّة ومن الضّيوف الأمريكيين والأوروبيين والكنديين ومن أقطار افريقيا وآسيا واستراليا كما سجّل حضور ممثلين عن منظمات مختصّة تنشط في إطار منظمة الأمم المتحدة وفي مقدّمتها منظّمة “الإسكوا” ( لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا) حيث عرضت التّقارير والإحصائيّات والدّراسات الحديثة، وتمّ استعراض التّوصيات والحلول المقترحة لمجابهة الإرهاب والجريمة والانحراف بأشكاله، والتزام ممثلي الدول المشاركة بتبليغها لمسؤولي المؤسسات الرسميّة في كلّ دولة للبتّ فيها، والتأشير على ما توافق عليه سلطات هذا البلد أو ذاك.
فكرة إنشاء “جامعة تونسيّة للعلوم الأمنيّة” ببلادنا أمست ضرورة ملحّة بعد تكرار العمليّات الإرهابيّة وفي ظلّ استفحال آفة التطرّف واستشراء الجريمة في المجتمع، فنحن اليوم في إطار الجمهوريّة الثّانية في حاجة ماسّة إلى هيكل أمني أكاديمي تعهد مهمّة الإشراف على تسييره إلى أكاديميين تونسيين من الأساتذة الجامعيين المحنّكين وذوي الرأي الثاقب وأصحاب النظرة الاستشرافية بعيدة المدى، “هيكل أمني أكاديمي” تقود دفّته إطارات أمنيّة تحذق فقه القانون وكيفيّة التّعامل العلمي والواقعي مع المجرمين وعلوم الاستنطاق والتحقيق والاعتراف دون الانزلاق، طوعا أو كرها، في جرائم التّعذيب أو انتهاك حقوق الموقوفين.
هذه المؤسسة الأمنيّة الأكاديميّة الجديدة التي نأمل أن تعتمد في برامجها وفي مناهجها على الطّاقات الأمنيّة الأكثر مهارة والتي تمتلك خاصيّة الخبرة العلميّة والتجربة الميدانيّة نأملها “أكاديميّة شرطيّة” تمتزج فيها “العلوم الأمنيّة والجنائيّة” بـ “علوم الطبّ الشرعي” وبـ “العلوم النّفسيّة والاجتماعية” النفسيّة دون إغفال مادّة “حقوق الإنسان” التي تبقى الخيط الرّفيع الفاصل بين النجاح في إرساء “دولة ديمقراطيّة مدنيّة” أو، لا قدّر اللّه، السّقوط مجدّدا في براثن الديكتاتوريّة والاستبداد.