أبو يعرب المرزوقي لقيس سعيد: وجدت الفرصة لتطبيق الانقلاب من نظام برلماني إلى نظام رئاسي متحيل
كتب المفكّر أبو يعرب المرزوقي تدوينة ردّ فيها على تأويل قيس سعيّد للفصل 89 من الدستور :
من أراد أن يعلم:
1- مدى علم الرئيس بالقانون الدستوري.
2- ومدى نزاهته.
3-ومستواه الخلقي.
4-ومدى حسن نيته.
5-ومدى أهليته لترؤس الدولة.
فليسمع ما قال في لقائه مع الفخفاخ حول استحالة سحب الثقة من حكومة تصريف الأعمال التي يعترف بأن أهم خاصياتها أنها “لا تقرر” بل تكتفي بتسير الموجود من الأعمال التي بدأتها قبل أن تصبح مسيرة للأعمال.
سأسلم له هذه الفتوى وأساله سؤالين أو فليسأله أي مواطن سؤالين:
1-الأول: هل لو -لا قدر لها- توفي ثلث وزراء حكومة تسيير الأعمال أو استقال ثلثها تبقى قادرة على تسييرها كما كانت عليه قبل وفاتهم أو استقالتهم ولها الشرعية التي كانت لها قبل ذلك؟
أليس معنى ذلك أن عشرة آخرين يكون الوزير الواحد منهم قائما بأعمال مضاعفة هي ما نال الثقة بمقتضاه وما نال زميله الميت أو المستقيل الثقة بمقتضاه؟
هل هذه هي نفس الحكومة التي نالت الثقة قبل الانتخابات وصارت بعدها حكومة تسيير أعمال حتى تأتي الحكومة التي تترتب عليها أم هي حكومة أخرى بمهام جديدة لم تنل عليها الثقة؟
أم إن الثقة التي نالها رئيس الحكومة تخول له ذلك بحيث إن عممنا المبدأ يمكن أن يغير كل الحكومة أو أن يبقى وحده فيصبح سلطان الزمان أم عندك معيار تحدد به حد تصرفه في تشكيلة الحكومة وهو يصرف الأعمال؟
2-إذا حل البرلمان وأعيدت الانتخابات هل ستكون حكومة تسيير الأعمال التي هذه حالها مسؤولة على تنظيمها بدون القيام بالقرارات التي تتطلبها الانتخابات على الاقل تنظيم المكان والزمان وهما من سلطة تنفيذية ليس من حقها التصرف فيهما بما يناسب ما تغير من ظروف ؟
ألا يصبح من ليس له شرعية القرار-كما قلت يا فقيه- شرعية الاشراف على أهمية خاصية من خاصيات الديموقراطية فيكون له سلطة الإدارة حتى لو سلمنا بأن تنظيم انتخاب من سيكون لهم القرار تابعا لهيأة مستلقة؟
أتساءل أحيانا أين درس القانون وكيف كان مدرسا للقانون ولن اخاطب الاستاذ لأنه لم يكن أستاذا لأن هذا اللقب له شروط لم تتوفر فيه وأهمها نشر البحوث العلمية في الاختصاص بل كان مدرسا لا غير؟
لكن التساؤل الأهم هو من أكبر عجائب الدهر فعلا: كيف يمكن لرئيس دولة يدعي العلم بالقانون الدستوري الذي درسه من كراس أصفر طيلة ثلاثة عقود ونيف إن حكومة تصريف الاعمال ليست مسؤولة أمام مجلس النواب الحالي؟
لما كان لا وجود لغيره فالنتيجة أنها حكومة غير مسؤولة أو مسؤولة أمامه هو. في الحالة الاولى هذا دليل حمق عامة وليس قانونيا فحسب لأنه لا توجد حكومة في نظام برلماني غير مسؤولة أمام البرلمان.
وفي الحالة الثانية إذا كانت مسؤولة أمامه فمعنى ذلك أنه يقر بالانقلاب ونقل النظام من برلماني إلى رئاسي.
لكنه صاق في القول إنها حكومة غير مسؤولة بالمعنى الخلقي والسياسي نظرا إلى ما أحدثه عملاء فرنسا في البلاد من فساد وقهر للعباد وتبعية للحامي الذي جعلوه “سيد الأسياد”.
وغير المسؤول حقا في هذه الحالة هو صاحب هذا الكلام. فهو حنث في قسمه وخان الدستور ولم يحمه ولم يحم الوطن لما عين فرنسيا ثانيا بالصورة التي أقدم عليها.
نمر الآن لبيان سطحية هذه الفتوى
وأسمح لنفسي بالجواب القانوني والشرعي الوحيد على السؤال الأول رغم أني لا أزعم “الاختصاص” في القانون الدستوري. لكني درسته عند الكبارات لا الدجالين الذين يخضون رؤوسهم في حضرتهم ليس احتراما للعلم بل اعترافا بالجهل:
التنويب في الوزارات العشرة خال من الشرعية لأن الوزراء الذين نالوا الثقة السابقة نالوها في ما عينوا فيه خلال تقديم التشكيلة لنيل الثقة وليس في اختصاصات اخرى.
فعندما أختار طبيبا في اختصاص معين لا اختاره في غيره ليكون نائبا عنه إذ قد يقتل المريض لأنه غفاص فيه. ونحن في تونس المريضة الوزير من المفروض أن يكون أكثر من طبيب لفرد بل هو نطاسي للشعب كله في ذلك المجال.
تعيين المعوضين في ثلث الحكومة بتحكم رئيسها فيه خداع لرقابة المجلس على المعينين إذ لو عرضوا بهذه الصفة عليه لكانوا ربما لم ينالوا الثقة ولكانت الحكومة نفسها قد سقطت.
فإذا منحت الثقة لحكومة بتشكيلة كاملة وبمواصفات معينة فليس مؤكد أني سأمنحها لما تتغير التشكيلة وخاصة بهذا المستوى من التغيير الذي مس ثلث الحكومة.
والتنويب قرار. وأنت نفسك تقول ليس لحكومة تسيير الاعمال أخذ قرارات -تعني مخالفة لما سبق أخذه قبل ان تصبح حكومة يسير الاعمال-وهي في الحقيقة لم تستوف شرط تغييرها إلى تصريف الاعمال: لم ستقل الشاهد (تعليق أحد القراء الكرام).
كما أسمح لنفسي بالجواب عن السؤال الثاني:
فالجواب القانوني والشرعي الوحيد عن السؤال الثاني هو أن تنظيم الانتخابات الذي سيطيل بقاء حكومة تصريب الاعمال إلى ما يقرب من نهاية السنة يعني أن البلاد ستكون ذات سلطة تنفيذية لا تستطيع أخذ القرارات المصيرية.
وهذا يعني ان البلاد ستكون في حالة كل القرارات تعطل أو تصبح بيد “سيادتك” وتلك هي علة فتواك الخرقاء. بمعنى أنك وجدت الفرصة لتطبيق الانقلاب من نظام برلماني إلى نظام رئاسي متحيل.
وكان يمكن ألا أجيب لأنك أجبت بدلا مني ومن كل عاقل يفهم في القانون وفي الظرفيات الحرجة التي تقتضي الحلول التي توفق بين مقتضيات القانون وضرورات السياسة.
فقد قلت: ليس لحكومة تسيير الاعمال أخذ قرارات تتجاوز ما سبق لها أن قررته قبل أن تصبح حكومة تصريف اعمال.
لكني لم اتبعك في هذه القاعدة الكاذبة لأنه لو لا قدر الله وقعت حرب أو ظهر فيروس من جنس “كورونا” فالحكومة حتى وهي لتسيير الأعمال تكون مضطرة لأخذ القرارات. وهو معنى الجمع بين مقتضيات القانون وضرورات السياسة يا قانوني “عقاب الزمان”