القروي والشاهد: إذابة الجليد بين الإخوة الأعداء
تشهد الساحة السياسية في تونس غليانا غير مسبوق قبل فترة وجيزة من عقد البرلمان جلسة حاسمة للتصويت على الحكومة المقترحة.
وزادت التطورات السريعة وما رافقها من مواقف حزبية متناقضة، المزيد من الغموض الذي عمّق ضبابية المشهد في علاقة بتشكيلة الحكومة الجديدة التي اقترحها رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي.
ومن بين جميع الكتل السياسية، تصدر حزب قلب تونس الاحداث السياسية ، فالحزب وقياداته باتوا محل اهتمام جل الفاعلين في المشهد السياسي او الطامحين للعب ادوار متقدمة ما جعل حزب “قلب تونس” برئاسة نبيل القروي، يعمل على خلط الأوراق، واستثمار كتلته النيابية التي تضم 38 نائبا، وإعادة بناء التحالفات بطريقة قد تحدث انقلابا في المشهد السياسي.
وأولى المفاجآت التي فجرها حزب قلب تونس كانت تصريح رئيسه نبيل القروي بان حزبه قد لا يمنح حكومة الجملي ثقته وبسبب ضمها لكفاءات نهضاوية على عكس ما اعلن بانها حكومة كفاءات مستقلة.
تصريح كان كفيلا بلخبطة كل الحسابات، ما جعل الجملي يسارع إلى عقد لقاء يجمعه بالقروي لمحاولة كسب الحزب وضمان أصوات نائبيه ال38.
هذا اللقاء أكد لنبيل القروي أن حزبه بات محل اهتمام جزء هام من الفاعلين في المشهد، بمن فيهم الذين أولئك أعلنوا العداء له منذ البداية،
لذلك عقد لقاء ثان مع رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد وهو اللقاء الحدث الذي أثار جدلا واسعا في الساحة السياسية وفي المجتمع المدني.
وفي
هذا السياق يؤكد المحلل السياسي صحبي الخلفاوي أن ما يقوم به حزب قلب تونس هو
مناورات عادية في إطار تشكيل الحكومة، فحركة النهضة وقلب تونس متفقان منذ البداية
على تشكيل حكومة لا تضم صفوفهم الأولى أو الثانية على غرار فاضل عبد الكافي، الا
أن الحزبين معا لا يملكان الأغلبية، ما يجعل قلب تونس يعمل على أن يقوم بدور
الضحية المجبر على التصويت للحكومة لإنقاذ الوضع السياسي وعدم المرور إلى حكومة
الرئيس . فحزب قلب تونس يحاول الحفاظ على صورته للخمس سنوات المقبلة، حتى لا يكون
سجين موقف تبناه قد يؤثر على فعله السياسي في المدة القادمة.
وأضاف الخلفاوي أن لقاء نبيل القروي بيوسف الشاهد قد
يطرح فرضيات جديدة على الساحة منها أن قلب تونس يسعى إلى وضع خطة بديلة لمرحلة ما
بعد الجملي في حال عدم نيل الحكومة المقترحة لثقة المجلس.
إذا فكل الفرضيات مطروحة والاحداث متغيرة بنسق سريع، وقلب تونس لم يعلن أي موقف رسمي نهائي بل ترك كل الإمكانيات واردة، حكومة برئيس جديد غير الجملي أو مرور حكومة الجملي ذاتها.
وهو ما يتلاءم مع طموحات يوسف الشاهد ورغبته في تكليفه من قبل رئيس الجمهورية لتشكيل الحكومة.
وقال المحلل السياسي محمد صالح العبيدي أن مواقف حزب قلب تونس لا يمكن إعتبارها متذبذبة بل هو تنوع في آراء قياداتها، فرأي حاتم المليكي مختلف عن نبيل القروي الا ان موقف الحزب الرسمي لا يزال مجهولا.
مضيفا أن حزب قلب تونس تأسس على أساس الالتفاف حول مشروع نبيل القروي، وعلى هذا الاخير العديد من شبهات الفساد والعديد من الاتهامات القضائية.
وبالتالي فدخوله للسلطة سيكون عبر مساومات لتصفية ملفاته القضائية.
كما أكد العبيدي أن تقارب حزبي قلب وتحيا تونس بعد أشهر من الحروب المفتوحة، كان متوقعا في هذا الظرف لأن طبيعة الصراعات لم تكن مبنية على أسس إيديولوجية بل مبنية على حسابات انتخابية وسياسية، وبالتالي فهي لن تبقى مفتوحة إلى الأبد مضيفا أنه التقاء الضرورة لإيجاد توازن داخل البرلمان، ويمنحهم القدرة بعد تجميع الأصوات على التأثيرداخل مجلس نواب الشعب، كما أن اللقاء كان حول عنوان سياسي أساسي وهو إسقاط حكومة الحبيب الجملي وإحراج حركة النهضة في موقعها السياسي.
خطر المرور الى حكومة الرئيس أجبر، نبيل القروي ويوسف الشاهد، على المصافحة ووضع اليد في اليد والبحث عن نقاط التقاء لضمان البقاء في المشهد، وهذا ما يعني ان الحركتين قد تتجهان الى التقارب والتنسيق بينهما كخطوة اولى لما قد تحمله الايام من مفاجآت.
ويرى المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أن التذبذب الحاصل في قلب تونس ماهو إلا محاولة لممارسة الضغط على حركة النهضة وعلى رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي لتحصيل مواقع ووزارات أكثر أهمية وعددا في الحكومة القادمة، مضيقا أن نبيل القروي يحاول تحسين وضع التفاوض للحزب من أجل الحصول على مكاسب حزبية داخل البرلمان والحكومة.
وأكد الجورشي أن لقاء يوسف الشاهد ونبيل القروي كان مفاجئا لجزء من الطبقة السياسية نظرا للخصومة التي كانت قائمة بينهما ولكن في السياسة كل شيء جائز، مضيفا، أن التحول في العلاقة بين الرجلين وبين الحزبين لم يكن مستبعدا نظرا لتقاطع المصالح ولأن الارضية الفكرية والسياسية بينهما بإمكانها أن تتجاوز العقبات السابقة.
عند تقاطع المصالح يصبح كل شيء جائز، فنبيل القروي ويوسف الشاهد فرقتهما المناصب وجمعتهما رغبة البقاء بالمناصب. ويعتبر حزب قلب تونس رقما صعبا في البرلمان الحالي فهو قادر على قلب كل الموازين في جلسة منح الثقة، لأنه مستعد للتحالف مع أي جهة تحمي مصالحه و موقعه السياسي.
كما أن الحزب يعلم أن صوته سيكون حاسما، بكتلته النيابية التي تضم 38 نائبا، إما بمرور حكومة الجملي أو بإسقاطها والمرور إلى حكومة الرئيس.
ويعتبر لقاء رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي ورئيس الحكومة الحالي، سابقة منذ بداية الأزمة بينهما، والتي امتدت لأشهر وتخللتها اتهامات خطيرة منها الفساد وتبييض الأموال وإيقاف القروي قبل أيام من انطلاق الحملة الانتخابية التشريعية واتهم حزب قلب تونس حينها يوسف الشاهد وحزب النهضة.
انس بن حراث