هل نتعلّم من “أفيخاي أدرعي” “الوصفة السحريّة” للإعلام والإتصال؟؟؟
بالأمس كنت رفقة زميل إعلامي فطفقنا نتحدّث عن مهنتنا في واقعها وآفاقها، فصادف أن شمل الحديث ظاهرة استثنائيّة بصدد الانتشار ليس سنة بعد سنة أو شهرا بعد شهر أو يوما بعد يوما، بل كلّ ساعة ودقيقة وثانية، ظاهرة ما يعرف بـ “إسرائيل العربيّة” التي أثبتها وثبّتها أحد الإتّصاليين الإسرائيليين الذي أمسى عرّابا لمجال الاتصال العسكري والمدني للكيان العبري خاصّة ضمن سياسة بلاده الموجّهة للعالم العربي والإسلامي، وكلّ الناطقين والفاهمين للغة العربيّة.
هذه الظاهرة التي خضنا الحديث فيها هو الناطق أو المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي “أفيخاي أدرعي” الذي أضحى أشهر من نار على علم في أوساطنا نحن العرب والمسلمين والتونسيين لا كإعلامين واتصاليين فحسب وإنّما لدى الرأي العام العادي بمختلف شرائحه، هذا الاتصالي المحسوب على الصهيونيّة بكلّ تمثّلاتها وألوانها يخترق اليوم شيئا فشيئا عالمنا العربي والإسلامي ويتخطّى الحدود الجغرافيّة ويكسر الحواجز العاطفيّة في طريق كسب ودّ هذه الدول التي “قيل” إنّها تكره بلاده وتناصبها العداء الأبدي من أجل اغتصاب أرض كنعان القديمة، ومن ثمّة استباحة القدس الشّريف ومحاولة تهويده بالكامل.
ولقد ابتكر هذا “الإتصالي” طلعات وتقليعات كثيرة لم يفكّر فيها أو يبادر بها أو يجرأ على اقتراحها من يشغلون المجال، والواقع هو من يصدّق أو يفنّد هذا الكلام، هذا “الآفيخاي” الذي يحتكر اليوم كلّ شاشات التلفزات العربيّة ذات التأثير الواسع والانتشار الشاسع “الجزيرة”، “العربيّة”، “سكاي نيوز”، روسيا اليوم بالعربية”، “فرانس 24 بالعربية”، وفضائيات الولايات المتحدة والصين وبلدان أمريكا بشمالها وجنوبها ووسطها، لا يمض يوم إلاّ و”ادرعي” مصقول الوجه، واسع الابتسامة إلى حدود اظهار الأضراس والأنياب، تجده يتحدّث عن بلد ربّما إذا وصفه تتفكّر “البلد الأمين” (مكّة) أو “الفاتيكان” (إيطاليا)، أو غيرها من مناطق العالم المقدسة الآمنة التي تمّ تجنيبها نوعا ما كلّ ما هو سياسة ومصالح وصراعات، هكذا يقدّم لك “إسرائيل”.
من الطّلعات والتقليعات العديدة المتنوعة لهذا “الإتّصالي” العسكري الإسرائيلي قيامه بصفة دوريّة بمعايدة الفلسطينيين والعرب والمسلمين، ومباركته لهم بحلول الأعياد والمناسبات الدينيّة وحتّى الوطنيّة، ممّا تستحضره الذاكرات الأضحى مقطع “فيديو” قام بتنزيله “الأفيخاي” على صفحته الرسميّة، بمناسبة عيد من أعياد الإضحى المبارك، صوّره مباشرة من بيت فلسطيني قال إنّه لصديقه الذي كان لحظتها جالسا إلى جانبه يبادله الابتسامات و”التربيتات الحانية”، وأكد أنّه زاره ليقاسمه “فرحة” العيد، نعم بلغ “أفيخاي أدرعي” الصّهيوني، المغتصب جيش بلاده لأرض الغير إلى احتواء الضحيّة وتحويل العداء الذي يكنّه له أهل فلسطين إلى “محبّة” و”قربة”، فكأنّ هذا الصهيوني وصل إلى تحقيق القول الربّاني القدسي الذي يقول “والذي بينك وبينه عداوة كأنّه وليّ حميم”.
الاتصالي العسكري “أفيخاي أدرعي” عنون مقطع الفيديو بـ “معايدة خاصة” : لقد زرت مع الشاب محمد الزعبي بيت صديقي المسلم وأسرته (والذين فضلوا عدم الظهور علنًا) لتقديم التهاني بمناسبة العيد، هذا الاسم الذي دخل عالم الإعلام والاتصال من جانب قنوات اسرائيليّة خاصّة قناة “العاشرة'” وفضائيّات عربيّة عديدة من بينها ما ذكرته سلفا أصبح ماركة اتصاليّة اسرائيليّة مسجّلة، وهو يروّج لإسرائيل التي تصنع السّلام والجيرة الطيبة مع بقيّة الدول العربيّة الإسلاميّة في وقت تحصد فيه طائراتها ومجنزراتها وآليّاتها العسكرية الأرواح وتدمّر ممتلكات الشعب الفلسطيني، وفي وقت يتنطّط فيه “أفيخاي” وسط بيوت الفلسطينيين ويحتسي معهم القهوة ويأكل من طعامهم ويشرب من شرابهم وهو يضاحكهم ويلاعبهم، في ذلك الوقت يهجّر من يهجّر ويسجن من يسجن ويعذّب من يعذّب من النساء والشيوخ والأطفال على أيدي الجيش العبري.
يظهر “أفيخاي” في بزّة العسكري الإسرائيلي “الملاك” الذي يدهشك خطابه وأنت تصغي لحلاوته، خطاب تلمس فيه طراوة وانسيابيّة ” حتّى وإن وصفها متابعون عرب من المسيّسين وغيرهم بالسّفه والنّفاق ونعتوا صاحبه بـ “الدّاهية”، والذي يقول عنه كثير من العرب والمسلمين ومن غير العرب والمسلمين “الإسرائيلي العربي”.
وفي غمرة هذا “الاختراق” الذي يقود قاطرته هذا “الأفيخاي” ما زال الإعلام والاتصال العربي متعثّرا وإن قدّر له المشي فإنّه يمشي مكبّا على وجهه.