الأخبار الوطنية
الأسعــار: “نــار ومسمــار”
بما إني “رب عائلة”، والحمد لله، وبما أني تونسي، والمنة لله، وبما أني إعلامي، من أقدار الله، فإني في حياتي أجانب الصفات الذميمة قدر ما يستطيع البشر، هدانا وهداكم الله، وأولها مسايرة الكذاب والموافقة على ما يقول لأن ذلك من قبيل السفه والنفاق وضمور العقل وفقدان الشخصية، ونحن في غمرة الهلاميات التي تتحدث عن تخفيض الأسعار في المواد الغذائية، وأولها الخضر الأساسية من “طماطم” و”فلفل” و”بطاطا” و”بصل” وما شابهها من أساسيات كان من الأجدى أن لا تكون موضع حديثنا لأن المخجل جدا أن نتحدث عن مثل هذه الأساسيات في نقصها وغلائها ونتكلم في الوقت نفسه عن “التقدم” و”الحداثة” و”الإنجازات”، لأن الحديث عنها غير صحيح بالمرة، وهو واقع نعيشه نحن التونسيون ولا داعي أن يرسمه لنا لا سياسي ذو عقل ولا شاطح.
خلال “الويكاند” وفي كلّ وجهة تولّي إليها وجهك في البلاد لا تسمع إلاّ خلق الله في البلاد يتشفّعون وقلوبهم وجلة فزعة من هول الأسعار، لا شيء في البلد أهمّ من الحديث عن الطماطم والفلفل وتلك الخضروات التي تحتاجها أكثر الطبقات المتوسطة وأقل حاجة الشرائح المحتحتة في تونس التي لا تجدها في فترات طويلة من أيام العام، شخصيا اقتنيت هذه الطماطم الماجدة في حدود 2600 مليم ولا يبعد عنها الملك “فلفل” ولا صاحبة الجلالة “البطاطا” التي قعدت في عليائها يفوتها “سي البصل” بالصبر، فبحيث ما يسمع عنه المواطن التونسي ويراه من لوحات وتصريحات دعائيّة غير صحيح ومجانب تماما للواقع، وإذا حدث وخاطبت خضّارا أو جزّارا وبائع غلال وأسماك عن التعريفات التي تنشرها وسائل الإعلام يرمقك السيّد البائع بنظرة سهل أن تفهم مغزاها قبل أن يوجّه لك قولا لاذعا مفاده: “برّة اشري بالإذاعة وإلاّ التلفزة.
خلال “الويكاند” وعند حلولي بهذا الفضاء أوذاك السّوق لا تبلغني من النّاس إلاّ عبارات فيها تندّر ينبعث منه ألم ظاهر ومجاهدة واضحة لصعوبة الوضع وتصلّب الحياة، عبارات من قبيل “الدنيا طاروا بيها في السّماء”، “ما زلنا كان باش ناخذو كريديات باش نعبيو قفّة خضرة.. قالّك قفّة المواطن؟؟؟”، رجل آخر كبير في السنّ قال بتهكّم: ” قالوا باش يصدّرو قرار الفلفل والطماطم يتباعو في البركة مع الذهب.. ويعملولهم أمين سوق، ويتباعو بالذوق زادة“.
عبارات وكلام يعكس وضعيّة الأسعار المستعرة التي لم تقتصر على الخضر ولا الغلال بل امتدّت إلى جميع السلع الإستهلاكيّة لا سيما في ظلّ سياسة “اعمل على زيّ راسك” التي يتبعها مئات بل آلاف من التجار في هذه المجالات خاصّة في ظلّ فقدان الرقابة الدوريّة وغفلة المستهلك أو تغافله عن تجاوزات يوميّة تتمثل في زيادة الأسعار من فئات النقد الصغيرة والكبيرة، والتي تشمل كلّ المنتوجات دون استثناء.
فإذا كان هذا الوضع صعب وخانق على فئة العاملين من موظفين أو غيرهم الذين يتقاضون جراية في حدود الألف دينار وتفوق الألفين، وأمست هذه الفئة تتمسّك بقشّة عسى أن تنقذها من إعصار “كريديات” البنوك والصناديق والتعاونيات والوداديّات، إضافة إلى السلفات من هذا وذاك وتلك، ودون نسيان “كريدي العطّار”، فبحيث غرقت هذه الفئة، وهي تتخبّط والنجاة من هذا الطوفان شبه مستحيلة رغم فسحة الرحمة الإلاهيّة.
أمّا المواطنين من أصحاب الجرايات الدّنيا والفئات الأخرى من ضعاف الحال، فهم لا حول ولا قوّة ولم يعد ينسحب عليهم صفة “مواطن تغذيته سليمة”، فضعاف الحال وبسطاء القوم في البلد من الناحية الماديّة، لم يعد في وسعهم لا شراء الطماطم ولا الفلفل ولا حتّى راس ثوم على اعتبار أن الكيلوغرام بات في حدود 14 إلى 17 دينار، نعم بعد أن كان لا يتجاوز إلى وقت قريب مستوى 3 إلى 5 دنانير.
وإذا كان الرزق من عند اللّه” وبيده سبحانه وتعالى، فالضرورة تحتّم اليوم على مخاليق الله في البلد إلى توجيه البوصلة صوب “العجّة” و”الشكشوكة” وما يسمّى بـ “الكسكسي المطبوخ”، والستّار الله، وربّي يقدّر الخير، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذه حقيقة الأسعار في واقع الحال في تونس، أمّا الباقي فلغط لا يعني ولا يمثّل سوى أصحابه.
قــيس الــعرقوبي