الأخبار الوطنيةمتفرقات
( قـيــس الــعرقـوبي) “لا تقهر الفقراء ولا تعادي الأغنياء”
اليوم والبارحة ومنذ اندلعت ثورة الشعب تعيش تونس هزّات تخبو قليلا لتطفو مرّة أخرى بقوّة بشكل لم نبرح فيه الوضعيّة الحرجة، فاليوم نحن أبناء الشّعب التونسي من الطبقات الوسطى والضعيفة ندفع غاليا فاتورة شطحات الأحزاب وتجاذباتها العقيمة.
ونحن من ندفع غاليا فاتورة فشل السياسيين وقلّة خبرتهم وخاصّة استمرار الضّغط على الحكّام من قبل هاته التنظيمات الحزبيّة ليصعب بعد ذلك اتخاذ القرارات الصحيحة وإثنائهم عن انتهاج سياسة تنتفع منها تونس وتعود بالنفع على مستوى معيشة أهل البلد التي ما انفكّت تتدهور حتّى أمست كارثيّة بكلّ المقاييس، ومهما رقّعنا وزوّقنا ومهما نافق المنافقون فلن يستطيع أحد التعمية على ما نعايشه من أوضاع لا يحسدنا فيها حتّى هوامّ الأرض الصغيرة من حشرات وبعوض، نعم نحن اليوم في حالاتنا الدنيا اجتماعيا وماديّا وخاصّة أخلاقيّا.
الحكومات التي تعاقبت خدمت مصالحها أوّلا لكنّها إلى اليوم لم تلفت بشكل واقعي وحقيقي إلى بطالة العاطلين وإلى خصاصة المعوزين ولم تنظر لا بعين الواجب ولا بعين الشفقة لملايين من البشر هم قاب قوسين أو أدنى ليصيروا إلى التسوّل والإنحراف، بل هناك منهم من مرض وجنّ وبعضهم انتحر أو حاول ذلك ومنهم من دخل عالم الإجرام وسولت له نفسه أن يلج عرين الإرهاب الكريه.
اليوم بغضّ الطرف عمّن يقود الحكومة أو من هو مسؤول في هذه الوزارة أو تلك المؤسسة أو ذاك الهيكل، فهؤلاء وإن كان بأيديهم، نظريّا وفي الظاهر الختم والتوقيع وإصدار القرار إلاّ أنّهم غب واقع الحال في تونس حاليّا تحكمهم أطراف غي الدّاخل والخارج لعلّ الأحزاب والمتنفذين من ذوي الأموال الطائلة والعلاقات الخارجيّة الممتدة، هؤلاء هم الذين يحرّفون المسار عن موضعه فلا نرى غير السفاسف والترهات وصراعات واهية مفبركة أدّت بالبلد إلى ما نحن فيه من تشكيك وهزّات ووهن كوهن بيت العنكبوت.
هناك من الشرائح السياسيّة التي تتحدّث عن “انقاذ تونس” ودعاتها تراهم، صباحا مساء ويوم الأحد، لا يتنافسون في حبّ البلد لكنّهم يتقافزون من أجل نيل هذا الكرسي الوثير أو الفوز بذاك المنصب الأثير، وكلاهما هدفه تعبئة الأرصدة واستثمار التواجد في موقع من مواقع السّلطة لكنز المال واقتناء ما هو متاح امتلاكه من منقول وعقار يفي بالغرض بعد الخروج أو الإعفاء من “المهامّ”، أو ما نتحدّث عنه بلهجتنا العامّية “حويجة تحت راسي، وتنفعني وتنفع بعدي ولادي“.
وبحكم أنّ تونس رغم الحملات التي أطلقت خلال إشراف الحكومة الحاليّة بقيادة الشّاهد إلاّ أنّ الواقع بأحداثه واستئناسا بملفات الأمن والقضاء والدراسات والتحفيفات الصحفيّة والمعلومات الواردة بصفة حينيّة، تؤكّد جميعها أنّ تونس وكر كبير للفاسدين في مجالات المال والأعمال والتهريب وغيرها، واليوم أسماء كبيرة معروفة في عالم الإقتصاد والتجارة وفي ميادين التجارة والعمارة من النشيطين في القطاعين العمومي والخاصّ هم اليوم بالعشرات مودعون وراء القضبان بسبب جرائم تقول السلطات أنهم ارتكبوها وأضرتّ بالوطن تونس.
اليوم بعضنا يعمل من أجل الوطن، هؤلاء الذين يغلبون مصلحة البلد ويبذلون ما في وسعهم ليعيش الشعب التونسي خاصّة الطبقات المحرومة هذا الرفاه الذي تحدّث عنهم كلّ هؤلاء السياسيين الغادين الرّائحين على مراكز القرار لكن التّونسي اليوم غرق حقيقة في هذا الرفاه و”بحبوحة العيش” إلى حدّ أنّ مستوى تداين الأسر لدى البنود شارف أو ربّما بلغ حدود ألف مليار دينار تونسي أمّا عن الأداءات والجباية بالنسبة للموظفين صغارهم ومتوسّطيهم فحدّث ولا حرج، وهو أمر ينسحب على غمّال القطاع الخاصّ وكذلك الصناعيّة الذين لحقهم الضرّ والذي طال أيضا أعرافهم من أصحاب المحلاّت في الأعمال الحرّة بعد أن كسدت البضاعة جرّاء اقلّص نسب الإقبال إن لم نقل انعدامها.
حقيقة نحن اليوم بين كمّاشة التداين الخارجي والعجز الكارثي للمؤسسات العموميّة وبين تنصّل الأثرياء وأرباب الأعمال والشركات وغيرهم من الذين يمتلكون مبالغ من الأوّل تتخطّى ميزانية الدولة بعشرات الأضعاف حتّى لا نبالغ ولا نقول المئات، وهو واقع الحال وملموس، لذلك ربّما يدور في أذهان حكّام البلد الحاليين أنّ الحلّ المعهود والوصفة السحريّة هي زيادة الضغط الجبائي على الموظفين وزيادة “الأتاوات” و”الأداءات” في كلّ المجالات على غرار فواتير “الستاغ” و”الصّوناد” وما شابه، وحتّى الزيادة التي من المتوقع أن يتمّ اقتراحها في مشروع قانون الماليّة 2018 من ذلك الترفيع في قيمة الوثائق العدليّة والديوانيّة والبلدية وما يخصّ معاليم الجولان والتأمين على السيّارات وغيرها، هذا لعمري سيكون خطأ جسيم.
ربّما لن أدعو حكّام الدولة إلى قراءة ذاك الكتاب التقليدي المأثور الذي ربّما من المفترض أن يطالعه أيّ سياسي ويضعه كتابا يحمله في حلّه وترحاله ربّما لمراجعة ومعاودة مطالعة ما دوّن فيه من أخلاقيات سياسيّة وأبجديّات لإدارة الحكم وتصريف شؤون الدولة، هذا الكتاب الذي يحمل عنوان “الأمير” لصاحيه المفكّر السياسي الإيطالي نيكولو ماكيافيل، والذي حفل بمخزون وافر من الآثار من بينها أثر عظيم لو عمل به العاملون من حكّام البلد لأكل النّاس من فوق أيديهم ومن تحت أرجلهم، أثر يقول “لا تقهر الفقراء ولا تعادي الأغنياء“.