الأخبار الوطنيةمتفرقات
الشّاهد وحماة الفساد
كلّ من رفع لواء “الإصلاح” الحقيقي و”محاربة المفسدين” في تونس عبر تاريخها المديد إلاّ ولقي المكائد والمعارضات تسدّ طريقه، ولعلّ من عرف تلك المكائد روّاد وأعلام تونسيّون ذاعت شهرتم في الآفاق في باب المجاهدة لتقويم الإعوجاجات وتصحيحها عبر الكشف عن الخور المسجّل في لتصرّف في المال العامّ والتصدّي لتنامي المال الفاسد، وكلّ ما يخلّ بالمسارات القانونيّة لتداول الأموال والمنافع.
ولعلّ من الأسماء التي شهدت معارضة وحربا مضادّة جرّاء إعلان أصحابها الإصلاح والحرب على كلّ ما هو “غير صالح”، هي نفسها الأسماء التي كانت شواهد على أنّ تونس احتكمت إلى وطنيين أحرار عملوا على مناصبة العداء لكلّ ما ظهر خوره في الإدارة التّونسيّة وفي تنظيماتها الهيكليّة قديمها وحديثها، وسنكتفي ربّما بأسماء سطع نجمها لقاء نضالاتهم من أجل إرساء “نظافة اليد” وكلّ ماهو تنوير للرأي العام العادي والبسيط وكشف كلّ جرائم الفساد التي تطال الدولة والشعب، وربّما من هؤلاء الثلاثي “أحمد بن أبي الضياف”، “عبد العزيز الثعالبي” وصولا إلى حبيب الجماهير “المنصف باي”، هذا الثلاثي الذي لم يختلف في عقليته الإصلاحيّة والإنتصار إلى الشعب وموارد الوطن ومقدراته عن ذاك الثائر “علي بن غذاهم”، إلاّ على مستوى البروتوكولات.
حاليا يوسف الشّاهد شذّ عن القاعدة، ودخل بذلك دائرة الإصلاح، وهو بذلك يلبس رداء “المصلح”، هذه الصفة التي يكرهها الفاسدون ويمقتها المفسدون، وبذلك فرئيس الحكومة اليوم هو بالنسبة لهم من “المغضوب عليهم” في عيون الفاسدين ومن والاهم، على اعتبار أنّ “الشّاهد” بالنسبة إليهم خرق المسلّمات والنواميس التي وضعها الفاسدون وجعلوها حتميّة مقضيّة، كما لم يحصل وأن جاءهم ما يهدّد طمأنينتهم وهم ينهبون ويكنزون أموال الدولة والنّاس، وهم يفتكّون بالتهديد وبالقوّة، وبكلّ الأساليب، فالشّاهد اليوم هو اليوم بالنسبة إليهم “خصم” بل “عدوّ”، وطبعا لا مجال لأن يتناغم من نوى الإصلاح ومن أبطن وأظهر الفساد وأصرّ عليه وأدمنه.
يؤكّد متابعون لما يجود به الإعلام التّونسي حول حملة حكومة الوحدة الوطنيّة على رموز الفساد في البلاد أنّ نسبة كبيرة من المتدخلين والمشاركين ومن لفّ لفّهم من الحاضرين انخرطوا ضدّ حملة “ضدّ الفاسد”، ولاحظوا أنّ عديد السياسيين ونشطاء من المجتمع المدني الذين كانوا في الماضي القريب من أشدّ المطالبين بمحاسبة الفاسدين وعدم تمرير “قانون المصالحة” هم اليوم في الضفة المقابلة، وصاروا من “أعداء” الحملة الحكوميّة، بل الوطنيّة ضدّ الفاسدين.
إلى ذلك انخرطت المنابر المحسوبة على هذا اللون الحزبي أو تلك الشخصيّة السياسيّة أو الإقتصاديّة في حملة مضادّة غرضها تشويه الحرب على الفساد والمفسدين والتقليل من شأنها، والتقليل من نتائجها المرتقبة، فيما ذهب آخرون على عكس الإتجاه وبدأ يلمّح إلى “قرارات خاطئة” للحكومة، فيما يصف آخرون الحرب على الفاسدين بـ “تسرّع حكومي”.
ويقول المتابعون أنّ ما يحدث في عديد المنابر الإذاعية والتلفزيّة وفي بعض الجرائد ماهو إلاّ حملة تحت يافطة مكشوفة عنوانها الكبير وغرضها الأكبر “تبييض الفساد” ومحاولة إيجاد ممرّات آمنة لتمليص المورطين في جرائم فساد من المساءلة القانونيّة والمحاسبة الجزائيّة ككلّ مواطن تونسي عادي، في إطار الواجب والحقّ الدستوي القائلين بـ “المساواة أمام القانون وعند التقاضي”.
وما يجمع عليه المتابعون أنّ يوسف الشّاهد وجد الصّواب في ما يفعل طبقا للقانون، وأنّ ما بادر به هو خطوة تاريخيّة فارقة لم يقدم عليها من خاف من تطبيق القانون في الدولة التونسيّة على كافة فئات المجتمع دون استثناءات، بشكل اعتبروا فيه أنّ الشّاهد برهن على أنّه انتصر للدولة وقوانيها ولم يخف في ذلك لومة لائم، وأنّ الشّاهد لم تفزعه طبقة اجتماعيّة أو سياسيّة دون أخرى، آملين أن تتحرّك النيابة العموميّة لإتخاذ الإجراءات القانونيّة الكفيلة بالتصدّي لكلّ من يحاول إشاعة ثقافة الفساد أو بالأحرى “تبييض الفساد”.
يقولون ونقول الحرب على الفساد هي عين الصّواب، بل هي الطريق السّالكة لإقامة العدل، فــ”العدل أساس العمران”، رحم الله العلاّمة عبد الرحمان بن خلدون.