القيروان المحرومة الى متى ؟ ومتى السلط تحرك ساكنا تجاهها ؟
حاتم نعات
منذ سنوات الإستقلال الأولى لم تنل جهة القيروان قسطا هاما من التنمية وتكرّس ذلك حتى اليوم ، التونسي يعرف جيّدا أن بعض الجهات في بلاده مخصصة لإنتاج خادمات البيوت وعمال الحظائر وصغار الموظفين لفائدة الأثرياء وكبار الموظفين من الجهات الأخرى ..
لم تعمل الدولة على تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص بين الجهات بل عمقتها وتجاهلت مواطنيها المعزولين في الضفة الأخرى من الجمهورية ، نذكر أنّ الجهات المحرومة منها القيروان التي يعاني متساكنيها الفقر والحرمان والخصاصة الى أن وصل بهم الحد للتساؤل هل مدينة عقبة ابن نافع ولاية تتبع الجمهورية التونسية ام لا ؟ ورغم الاحتجاجات المتتالية في جميع القطاعات العامة والخاصة وتفشي ضاهرة الانتحار لم يغيّر هذا من وضعها إلى اليوم بل أصبح سكان الجهات المحرومة ماعون صنعة السياسي وأداة إنتخابية تحضر حسب المواعيد والمناسبات السياسية ، الكلّ يمينا ويسارا يقدّم الوعود الإنتخابية لتحسين مستوى العيش دون إنجازات حقيقية تذكر .
قبل أسبوع واحد وجهت الأنظار مرّة أخرى صوب المناطق المحرومة بعد إنتحار طفلة الثانية عشر في القيروان لتردّي الأوضاع داخل المبيت المدرسي الذي لا يصلح أن يكون إسطبلا للحيوانات ، إنتحار طرح ألف سؤال حول مستقبل الطفولة في الولايات حول الطفل والأسرة .. ترى كيف يمكن لطفلة الثانية عشر الإنتحار أو أنّ الطفل في الجهات المحرومة يكبر قبل اوانه وهل يمكن إعتبار هذا الإنتحار إنتحارا رمزيا لثورة لم تؤمن لأبناءها العيش الكريم فأكرمت نفسها بالموت ؟؟
وهنا يطرح السؤال هل كتب على أهالي القيروان الفقر والحرمان مدى الحياة ؟ أم نوابها ومسؤوليها في سبات عميق ؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال لا زلنا نتحدث عن تبعات الاحتجاجات التي انطلقت ، حيث قرر رئيس الحكومة التونسية استقبال وفود من الأحزاب الحاكمة والمعارضة لإيجاد حلول لمشاكل البطالة والتنمية. لازالت القرارات لم تنبثق بعد من هذه المشاورات لكن ما يمكن استقاؤه من الصور التي نُشرت على الصفحة الرسمية لرئاسة الحكومة هو عدم جدّية هذه المفاوضات وذلك من خلال طريقة الجلوس في صالون والضحك أمام عدسات الكاميرات في حين أن موضوع النقاش هو التباحث حول الأزمة الاجتماعية التي ضربت البلاد. كان من الأجدر أن يجلسوا حول طاولة اجتماع وأن يحترموا الغضب العارم الذي اكتسح الشارع آنذاك بإظهار ملامح محايدة..
في بلد يتشدق فيه الخطاب السياسي بالحداثة والديمقراطية تنتحر فيه الطفلة لفقرها وعجزها لسرقة أدباشها التي تعبت أمّها من أجل شرائها تنتحر لأنّها ضاقت بالأكل الوسخ .. وفي بلد يتظاهر أنّه بلد المساواة بين الرجل والمرأة تغتصب فيه طفلة قاصر لأنّها حلمت أنّها يمكنها تغيير حالها بالعلم لذلك إجتهدت ولم تتضايق من أملا أن المستقبل سيكون لها .
إنتحار وإغتصاب الفتاة حالة الداخل القيرواني الذي لم يتمتع حقّا بالثورة التونسية فلم يجني منها سوى إنتحار أو إغتصاب مطالبه في الكرامة والعدالة الإجتماعية.
ومن أبرز هذه الأشياء هي التي تدقّ ناقوس الخطر في وطن لا يعمل مسؤوليه على خدمة مواطنيه وردم الفجوات الطبقية بينهم وبين مواطني الرفاه الإجتماعي .. ! وهما من سيعيدان قضية الشغل والكرامة الوطنية من جديد على السطح بعد محاولات طمس القضية الأولى “العدالة الإجتماعية” بقضايا أخرى جانبية …
إنّ من يؤمن بأنّ هذا الوطن يتسع للجميع سيناضل من أجل مدينة عقبة ابن نافع و سيتجاوز شخصيهما إلى جهات مثل القيروان والقصرين وجهات أخرى لم تنل من الوطن سوى الإنتساب إليه ورقا دون إنجازات حقيقية تغرس في المواطنين حقّا الإنتماء إلى الوطن .