تونس تلجأ لإعلان “حالة الطوارئ الاقتصادية” لتشجيع الاستثمار
لجأت الحكومة التونسية إلى آخر العلاجات لإنقاذ الاقتصاد المشلول باللجوء إلى الإعلان حالة “طوارئ اقتصادية” لإزالة العقبات أمام المستثمرين. ومن المتوقع أن يؤدي ذلك إلى صدام مع النقابات القوية، التي قالت إن الخطوة ستكرّس الإفلات من الرقابة وستكون أرضية ملائمة لتفشي الفساد والمحسوبية.
كشف مسؤول تونسي، أمس الاثنين 27 مارس 2017، أن البرلمان سيناقش خلال الأسابيع القليلة المقبلة مشروع قانون طوارئ اقتصادية يعطي الحكومة صلاحيات واسعة لاتخاذ قرارات استثنائية لدفع المشاريع الكبرى بهدف الحد من البيروقراطية وتحفيز المستثمرين.
وقال رضا السعيدي، المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة لـ”رويترز”: “لقد أرسلنا للبرلمان مشروع قانون طوارئ اقتصادية وسيتم مناقشته خلال أسبوعين أو ثلاثة”.
وأوضح أن المشروع يهدف أساسا إلى التخلص من العراقيل والتعطيلات المكبّلة للمشروعات الاستثمارية الكبرى بالبلاد. وتعدّ البيروقراطية من أبرز المعوقات التي تؤخر الاستثمارات في بلد يعاني اقتصاده من وهن كبير منذ انتفاضة جانفي 2011.
وبحسب السلطات، سيعطي هذا القانون تسهيلات إدارية لإنجاز مشاريع توفر الآلاف من الوظائف للعاطلين لا سيما في المناطق الداخلية.
ورغم رفع موازنة الدولة العام الحالي من 7.9 مليار دولار إلى 14 مليار دولار، إلا أنه لم يتم استغلال سوى 60 بالمائة من الأموال المرصودة للتنمية، بسبب بطء الإجراءات الإدارية وتضارب منظومة القوانين ومظاهر التوتر الاجتماعي.
ويستعد البرلمان لمناقشة هذا المشروع الذي اعتبره البعض مفاجئا في هذا المرحلة التي تمر بها البلاد بينما تواجه تونس ضغوطا شديدة من المقرضين الدوليين في مقدمتهم صندوق النقد الدولي لتطبيق المزيد من الإصلاحات في القطاع العام لخفض العجز في الموازنة.
63 بالمائة ديون تونس إلى الناتج المحلي الإجمالي بسبب ازدياد لجوء الدولة للاقتراض، وفق إحصائيات رسمية.
وفي حال حصول القانون على موافقة البرلمان، فإن الحكومة ستستطيع بموجبه إصدار قرارات استثنائية وتجاوز الإجراءات الإدارية العادية لتسريع نسق إنجاز المشروعات خلال السنوات الثلاثة القادمة.
ويرى اقتصاديون أن إقرار القانون سيجعل الحكومة في صدام محتمل مع نقابات العمال وخاصة الاتحاد التونسي للشغل، الذي عبّر عن معارضته مرارا اتخاذ مثل هذه الخطوة حيث يعتقد أنها ستكرس الإفلات من الرقابة وفتح باب الفساد والمحسوبية على مصراعيه.
لكن الأمر لا يقتصر على النقابات، بل برزت مخاوف أيضا بين نواب المعارضة الذين قالوا إن مشروع القانون المثير للجدل قد يسير عكس تيار الخطط المرسومة لإصلاح الاقتصاد.
ومع ذلك، أكد مستشار يوسف الشاهد للشؤون الاقتصادية أن الرقابة ستبقى قائمة وأن الهدف الرئيسي ليس إضعاف المراقبة بل هو تسريع وتيرة الإنجاز وتحسين مناخ الاستثمار.
وأضاف السعيدي “القانون الجديد سيكون مهما وسيعطي رسالة قوية للمستثمرين في الداخل والخارج على تحسين مناخ الاستثمار وتجاوز كل العراقيل”.
وتعيش تونس أصلا حالة طوارئ اقتصادية في ظل اتساع تداعيات الأزمة حيث اصطدمت حكومة يوسف الشاهد إثر توليها مهامها الصيف الماضي بواقع صادم على مستوى العجز المالي، الأمر الذي دفع المسؤولين للدعوة إلى الإسراع في وقف هذه “الدوامة المدمّرة”.
وقال محمد عبد الكافي، وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي خلال ملتقى نظمته غرفة التجارة التونسية البريطانية في سبتمبر الماضي، إن “كانت تونس في حالة طوارئ ضد الإرهاب، فيجب أن يعلم الجميع أننا في حالة طوارئ اقتصادية أيضا”.
وكانت وداد بوشماوي، رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية قد قالت قبل أشهر إن منظمة أرباب العمل تقدّمت بمشروع قانون للحكومة يهدف لفرض حالة طوارئ اقتصادية.
رضا السعيدي: الهدف من القانون هو تسريع وتيرة إنجاز المشاريع وتحسين مناخ الاستثمار.
ويتضمن مشروع القانون إجراءات استثنائية عاجلة لا تخلو من الرقابة الصارمة من أجل مكافحة الظواهر التي أضرت كثيرا بالمالية العامة للدولة وفي مقدمتها التهرب الضريبي والتجارة الموازية والتهريب.
وقبل مؤتمر الاستثمار، تلقت الحكومة دفعة قوية بإقرار البرلمان قانونا جديدا للاستثمار دخل حيز التنفيذ في جانفي الماضي، بهدف جذب المزيد من الاستثمارات الخارجية لبلد تكبّد خسائر كبيرة جراء الهجمات الإرهابية وتوقف الإنتاج.
وتسعى الحكومة إلى إنعاش النمو في كافة مناحي الحياة الاقتصادية بعد ستة أعوام من الركود. وتـأمل في أن يبلغ النمو هذا العـام مـا بين 2.5 و3 بالمائـة مع تـوقعات بتعاف تدريجي لصنـاعة السياحة وعـودة نسق إنتاج الفـوسفـات إلى مستـويات مقبـولة.
وخلال العشرية التي سبقت الإطاحة بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، كان الاقتصاد التونسي يحقق نسب نمو تتراوح بين 4 و5 بالمائة، وفق البنك الدولي.
وباتت ديون تونس تمثل 63 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب ازدياد لجوء البلاد إلى الاقتراض خصوصا من صندوق النقد.
ولم تنتظر الحكومة طويلا لتجسد مخططها الهادف إلى إنقاذ البلاد من أزمتها لتبدأ في اعتماد سياسة التقشف وتصبح أمرا واقعا في ظل الضغوط المسلطة لإعلان حالة طوارئ اقتصادية.
ولدى الحكومة خطط تتعلق بخصخصة أكثر من 100 منشأة حكومية بعد أن شكلت عبئا على الدولة في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية، كما تسعى إلى تسريح 120 ألف موظف في القطـاع العام بشكـل تطوعي بحلول 2020.