الحكايات الخرافية: مزج الجمال بالأخلاق
الحكاية الشعبية من أقدم الفنون الإنسانية، صاحبت الإنسان منذ فجر الوعي إلى غاية اليوم، حيث تخرج من مؤلفها المجهول لتتناقلها الألسن شفاهيا وتحافظ على قدرتها على التطور من زمن إلى آخر، تتنقل بسلاسة حاملة معها روح الإنسان وجوهره الأخلاقي والفكري
والجمالي.
وللحكايات الخرافية انتشار واسع في الثقافات الشعبية، خاصة في أوساط المناطق الريفية والجبلية حول العالم، وهو ما يؤكده كتاب “الحكاية الخرافية في إقليم أذربيجان” الصادر أخيرا عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة من تأليف الباحثة فاطمة الزهراء جمال الدين.
ويقول الناشر إن هذا العمل العلمي يفتح نافذة واسعة للاطلاع على الحكايات الشعبية في أذربيجان، وهي حكايات نابعة من وجدان الشعب الأذري بثقافاته المتعددة تاريخيا وجغرافيا وحضاريا، حكايات تمتد أصول بعضها إلى الشرق الإسلامي رغم خصوصيتها الأذربيجانية، نظرا إلى التواصل الفكري بين شعوب الشرق العربي والإسلامي.
وتبين المؤلفة أن أذربيجان تمثل نقطة الاتصال بين إيران وتركيا والعراق ودول الاتحاد السوفييتي السابق، كما تعدّ الطريق البري الذي يربط إيران بأوروبا، ما جعلها مطمعا على مر العصور لكل من يريد السيطرة على بلاد الفرس قديما.
وتقول إن المسار التاريخي لأذربيجان كمنطقة صراعات مع جيرانها وتقلّب الدول الحاكمة لها بين وطني ودخيل، أوجدا شخصية أذرية تتسم بالصلابة، وكل هذا التنوع طبع الحكايات الخرافية الأذرية بسمات فلكلورية خاصة بهذه المنطقة الجغرافية، مما يجعل الاهتمام بدراسة هذه الحكايات ضرورة لفهم طباع السكان وعاداتهم وتقاليدهم، وفهم المنطقة ككل من خلال الحكايات التي يتناقلها الناس في ما بينهم ويتداولونها على نطاق واسع.
وتشير الزهراء إلى أن الحكاية الخرافية الشعبية تلتقي فيها سمتان من سمات الطبيعة البشرية، هما الميل إلى الغريب والعجيب، والميل إلى المنطقي والواقعي، فحيث تلتقي الظاهرتان توجد الحكاية الخرافية، التي تمزج في مادتها السردية بين العجائبي الذي يثبت قدرة الخيال على نسج حكايات مختلفة الشخوص والأحداث، كما تبين السحر في استخراج عناصر من الواقع للحكايات، حيث يندمج الغريب بالواقعي لإنشاء حكايات لها جماليتها الخاصة علاوة على ما تكتنفه من عمق ودلالات متشعبة.
وتقول المؤلفة إنه من السهل العثور على بذور الحكاية الخرافية في جميع أنحاء العالم، مضيفة أن بعض الشعوب لديها موهبة خاصة في صنع الحكاية الخرافية مثل العرب والهنود، إذ صاغوها في صورة فنية، وغذّوها بخيالهم وكسوها بصبغتهم الأصلية.
وقامت الكاتبة بتقسيم كتابها إلى فصول، كان أولها بعنوان “الحكاية الخرافية في إيران وأذربيجان”، وهو يعرّف بالحكاية الخرافية من الناحيتين اللغوية والاصطلاحية، ويستعرض أسباب ظهور الخرافة ومراحل تطورها.
أما الفصل الثاني فجاء بعنوان “البنية السردية للحكايات”، ويتناول بداية مفهوم السرد، والتعريف بمصطلح السردية وبنيتها، ويتعرض لزاوية الراوي، وأنواع الراوي، كالراوي الغريب عن الحكي، والراوي المتضمن في الحكي، مع التعريف بوظائف هذا الراوي
داخل بنية الحكاية.
الفصل الثالث من الكتاب كان بعنوان “شخصيات الحكايات”، ويتناول الشخصية في الحكاية الخرافية بأنواعها، كالشخصيات البشرية حيث الحديث عن البطل وأنماطه، كما يتناول المرأة في الحكايات بنوعيها الطيب والشرير.
فيما يرصد رابع فصول الكتاب أنواع الزمن في الحكايات الخرافية، ليعرض الفصل الخامس أنواع الفضاءات في الحكاية التي تنقسم إلى الفضاءات المرجعية والفضاءات التخيلية والفضاءات العجائبية، مع رصد علاقة فضاء الحكايات بالواقع الفعلي في المجتمع الأذربيجاني.
ويكشف كتاب “الحكاية الخرافية في إقليم أذربيجان” عن الخصائص التي تقوم عليها الحكايات، سواء كانت تخص بنيتها السردية أو الوظائفية، وتوضيح هذا من خلال البيئة المكانية والزمانية وبيان مدى الترابط بين الواقع التاريخي وانعكاسه في وعي الفرد الشعبي
منتجا نصا خرافيا يتضمن كل ما يهدف إليه، سواء إبراز الجانب السيء لفئة معينة من الشخصيات أو إبراز ما عاناه الشعب من خلال شخصيات الحكاية.
وترى المؤلفة أن هناك خيطا مشتركا بين الحكايات المدروسة، إذ تؤكد الحكايات أن الأخلاق تمثل الوسيلة الحتمية لإيصال المرء إلى هدفه ومبتغاه، وهي تشتمل على مضامين أخلاقية ووعظية، حتى الحكايات التي تبدو في ظاهرها حكايات عاطفية يوجد بها مغزى أخلاقي، وهذا يدل على تركيز الحكايات الأذربيجانية على الجانب الأخلاقي أكثر من جانب التسلية.