“الصحافة الاقتصادية” أمام تحدي الوصول إلى جميع فئات الجمهور
برزت القضايا الاقتصادية على رأس جدول الأعمال المركزي للحكومات، مما ضاعف من مهمة الصحافة للقيام بواجبها بعرض المعلومات الاقتصادية بصورة مناسبة، فلم يعد كافياً التفكير في الأخبار الاقتصادية كمواد إعلامية موجهة فقط للعاملين في دوائر المال والأعمال سواء في الحكومة أو في القطاع الخاص.
فعندما اجتاحت الأزمة المالية العالم، لم تعط وسائل الإعلام العالمية الاهتمام الكافي، لوجود أزمة تحل باقتصاديات آسيا ولها آثارها في الأسواق العالمية، رغم أن بلدان شرق آسيا كانت تحقق معدل نمو سريع، وهذا النمو كان سببا في بروز قضية المعلومات على السطح بوصفها قضية هامة من القضايا المتعلقة بالأعمال والتجارة وغيرهما من المجالات الأخرى.
ووجدت الحكومات نفسها أمام التزام بنشر المعلومات إذ أصبحت إتاحة هذه المعلومات من أهم جوانب التنمية، ومن واجب الحكومات تقديم المعلومات كفقرة ثابتة في بياناتها الرسمية، مع المزيد من التركيز على تكنولوجيا المعلومات، بحسب تقرير المديرة التنفيذية لمركز حرية الصحافة مليندا كينتوس، نقله بيت الإعلام العراقي.
وتقول كينتوس، أتاح النمو السريع لوكالات الأنباء في المنطقة فرصة تبادل المعلومات بين مجتمعات الأعمال والأوساط المالية، ومع تزايد عبور الأعمال خارج الحدود الوطنية اكتسبت قضية المعلومات والبيانات أهمية قصوى بالنسبة إلى من يرغب في ممارسة الأعمال في آسيا.
وفرض بروز القضايا الاقتصادية على رأس جدول الأعمال القومي تحدياً جديداً على عاتق الصحافة، إذ يتعين عليها نشر الأنباء الاقتصادية بصورة تلائم الرأي العام وتجذب انتباهه، وصياغة مناقشات القضايا السياسية بطريقة تساعده على الحكم على المسائل الاقتصادية، إلا أن أسلوب عرض هذه القضايا وتنسيقها في الصحف لا يشجع المواطن العادي على قراءتها، وهي لا تخاطب بهذه الطريقة سوى مستوى معين من القراء.
وتعتبر المسألة الأكثر إلحاحا أمام الصحافة مع بدء تعافي الاقتصاد وإعادة البناء، هي مناقشة كيفية القيام بواجبها في عرض المعلومات الاقتصادية بصورة مناسبة، فلم يعد كافياً التفكير في الأخبار الاقتصادية كمواد إعلامية موجهة فقط للعاملين في دوائر المال والأعمال سواء في الحكومة أو في القطاع الخاص.
وواجهت الصحافة العديد من الانتقادات بسبب أسلوب تعاملها مع الأخبار الاقتصادية، لكن كينتوس ترى أن أي نقد يوجه للصحافة يجب أن يأخذ في الاعتبار طريقة تفاعل الصحافة مع ثلاثة مصادر رئيسية تستقي منها المعلومات، ألا وهي الحكومة ورجال الاقتصاد ودوائر الأعمال.
وقد قامت صحيفة “الصحافة والاقتصاد” التي يحررها ريتشارد باركر -أحد كبار المسؤولين بمركز شورنشتاين للصحافة والسياسة والسياسات العامة بكلية كيندي لدراسة أساليب الحكم- بتحليل الطريقة التي صاغت بها المناقشات العامة، القضايا الاقتصادية في الصحافة الأميركية.
التقارير الصحفيّة الاقتصادية غالبا ما تعكس وجهات النظر الدّائرة في اجتماعات مجالس الإدارات ومكاتب الحكومات
وجدت الدراسة أن شكاوى المواطنين في أوائل السبعينات من القرن الماضي حول التقارير الاقتصادية، ساهمت في تغيير طريقة تناول الصحافة لها، وكانت الانتقادات بشكل أساسي بسبب أسلوب الصحافة في مناقشة قضايا المجموعات ذات الاهتمام الاقتصادي مثل رجال الأعمال والصناعة واتحادات العمال ومنظمات المزارعين والمستهلكين، ومنذ ذلك الحين زادت المساحة والوقت المخصصان للأخبار الاقتصادية أكثر من ذي قبل، وضاعفت وسائل الإعلام بما في ذلك التلفزيون والإذاعة والصحافة من جهودها لتغطية الموضوع بمختلف قضاياه، كما صدرت المطبوعات الاقتصادية المتخصصة والكتب التي ساعدت على توسيع نطاق المناقشات الاقتصادية.
واستجابت الصحافة لمجريات الأمور مع وجود توجه سياسي واتجاه لمعالجة كافة القضايا في إطار سياسي، ووظفت التقارير الاقتصادية، من خلال أسلوب القصة السياسية في عرض وجهات النظر والجدل الدائر حول المشكلات الاقتصادية، واعتمد الصحافيون على المصادر الحكومية الرسمية وتأويلاتها في التغطية الإعلامية، وتميزت التقارير الصحافية بوجود كم هائل من التغطية الحكومية، وانقسم المحررون الاقتصاديون إلى مجموعات طبقاً لتصنيفات الوكالات الحكومية تتخصص كل مجموعة في قطاع محدد كالمالية أو البنوك أو البنك المركزي أو التجارة أو الاستثمار.
وتستطيع الصحف والمجلات الاقتصادية أن تلعب دوراً أكبر وأكثر أهمية في تغطية الأخبار الخاصة بالبيئة والاتجاهات، وإعداد تقارير مفصلة وتحقيقات حول تجاوزات المؤسسات، إلا أن التقارير الصحافية الاقتصادية غالباً ما تعكس وجهات النظر الدائرة في اجتماعات مجالس الإدارات ومكاتب الحكومة، كما يلاحظ أيضاً أنه تجري الاستعانة بصغار المحررين لتغطية المجالات الهامة والحيوية. وفي ضوء التعقيدات المتزايدة وسرعة التغيرات في العالم يجب على الصحافيين مراجعة الأساليب التقليدية للتعلم والفهم وتعديلها إذا اقتضت الضرورة، ويشمل ذلك أساليب فهم الاقتصاد والأساليب التقليدية للصحافة، بحسب كينتوس.
وتشمل المشكلة أيضاً طريقة معالجة الأخبار ومنظور مهنة الصحافة التي تحجم من نطاقها وتحجب المعلومات ذات الطبيعة الخاصة التي تحدث المشكلات والتغيير، عن الشعب، والمعلومات الاقتصادية خير مثال على ذلك. ويرى المختصون الإعلاميون أن من المبشر أن النقد الموجه لوسائل الإعلام بدأ من داخل المجتمع الصحافي ذاته، الذي دعا إلى ضرورة تغيير الأداء وتطوير أسلوب تناول الصحف للأخبار الاقتصادية والتجارية.
وتشير “مليندا كينتوس” إلى أن التدريب يعد من الوصفات التي غالباً ما ينصح بها كعلاج لعيوب الصحافة بشكل عام، ومن الممكن في حالة تبني منهج متعدد رأب الصدع في هذا المجال، ولذلك يجب تشجيع المحررين على التدريب، سواء العاملون في المجال العام أو العاملون في المجال السياسي، ولا شك أن التعرض للمجالات المتخصصة سيساعد الصحافيين على الخروج من قوالب الصحافة التقليدية ولفت انتباههم للتغيرات الجارية قبل فوات الأوان.