عمليّات التجميل في تونس: 150 ألف جراحة تجميل سنويّا و20 بالمائة من الحرفاء أجانب
أضحت “جراحات التجميل” من روافد السياحة الاستشفائية في تونس التي ازدهرت بالخصوص خلال العشريتين الأخيريتين العشرية الأخيرة، حيث اجتذب هذا النوع من السياحة الطبيّة آلاف من الحرفاء والحريفات في تونس من كافة الشرائح الاجتماعية والفئات العمريّة والمستويات التعليميّة والثقافيّة، ولم يقف عند ذلك بل استقطب إلى جانب ذلك حريفات أجنبيّات لا سيما من بلدان أوروبّا يأتين عن طريق وكالات الأسفار التّونسيّة للسياحة والتجميل في آن واحد مع التمتع بخدمات عالية الجودة، وبأسعار مناسبة.
تميّز تونس
تحتل تونس المرتبة الثانية في القارة الإفريقية بعد جنوب إفريقيا، وقد سبقت في هذا المجال عديد البلدان الأخرى، مثل تركيا والمغرب ومصر وقبرص، ويقدر عدد عمليات التجميل التي أجريت في تونس خلال السّنوات الأخيرة بما لا يقل عن 150 ألف عملية تجميل سنويا، وتقدر نسبة المقبلين على عمليات التجميل من الأجانب بحوالي 20 بالمائة، ففي سنة 2006 على سبيل المثال توافد على تونس قرابة 62500 مريض أجنبي، ومن بينهم قرابة 12500 خضعوا لعمليات التجميل.
ويؤكّد أهل القطاع وحرفائه بأنّ عملية جراحية لشّد الوجه في تونس تعادل ما قيمته» 3200يورو” فيما يصل سعرها في فرنسا إلى “5000 يورو” أو أكثر، أما عملية تكبير الثدي فإنها لا تتجاوز “2600 يورو” مقابل “6000 يورو”.
في فرنس، وفي هذا النطاق تعمل وزارة السياحة ووزارة الصحة على وضع استراتيجية مشتركة مناسبة باتجاه الأسواق العربية، بما فيها أسواق منطقة الشرق الأوسط.
وتعد دول أوروبا من بين الدول الأكثر إقبالا على هذه السياحة، وتأتي فرنسا وإيطاليا وألمانيا وكندا على رأس قائمة الدول القادمة على تونس لإجراء مثل هذه العمليات، مدفوعين بانخفاض الكلفة، فضلا عن الحرفية فعملية “زراعة الثدي” التي تدوم أكثر من 6 ساعات في فرنسا، لكن بفضل المهارات التونسية لا تتجاوز حدود الساعة ونصف الساعة وبنفس الفعالية، وفيما تتكلف هذه العملية قرابة 25 ألف يورو في ايطاليا، فإنها في تونس لا تتجاوز 1764 يورو.
إقبــــــال الرّجال
بحسب شهادات بعض أطبّاء جراحة التّجميل فإنّ هناك انتعاشا لهذا النّوع من الجراحة لكن لا توجد أرقام رسميّة ثابتة تكشف عن الحجم العددي لهذه الجراحات، حيث يؤكّد الطبيب المختصّ في جراحة التجميل “محمّد بوراوي القطّي” أنّ “الإقبال على عمليّات التجميل في تونس يشمل الرّجال أنفسهم”.
وكشف الطبيب “القطّي”، وهو أيضا عضو في الجمعيّة التّونسيّة لجراحة التجميل، ومسؤول عن تنظيم عن بعض المؤتمرات الدوليّة التي انتظمت بتونس، أنّ زراعة الشعر تأتي على رأس طلبات زبائنه الرّجال، يليها شفط الدهون وشدّ الوجه وتجميل الأنف، مشيرا إلى أنّ زبائنه ينتمون إلى شرائح مختلفة، من بينهم رجال أعمال وفنّانين وسياسيين قال إنهم يقبلون بكثافة على تجميل وجوههم لا سيما في الفترات التي تسبق انطلاق الحملات الانتخابية.
ويرجع “القطّي” سبب إقبال الرّجال على عمليات التجميل إلى عدّة عوامل أساسية بينها التطور الطبي وتأثير الإعلام في الرأي العام بسبب اهتمام جزء منه بأخبار المشاهير والتجميل.
المـخاطر
في شهادة له، يقول طبيب تونسي رفض كشف هويته، إن “هناك بعض المضاعفات الخطيرة لعمليات التجميل التي من شأنها أن تضر بالصحة، مؤكدا أن البعض قدموا شكاوى قضائية بسبب تضررهم من جراحة التجميل”، منبّها إلى أنّ “هناك بعض الوكالات تستثمر في المجال وتقوم، في إطار منافسة غير شريفة، بخفض الأسعار ، وهو ما من شأنه أن يضعف من جودة الخدمات التي ينتج عنها في بعض الحالات مضاعفات كبروز ندوب والتهابات ونزيف وترهلات وتقرحات جلديّة خطيرة، وأحيانا تؤدّي مخلّفات جراحات التجميل غير المطابقة للمعايير والمواصفات إلى أمراض سرطانيّة مميتة.
ويضيف الطبيب أن “بعض عمليات التجميل مثل تكبير أو تصغير الثديين يتسبّب أحيانا في التهابات لا يمكن توقّعها، وقد تدفع إلى استئصال الثدي، وهذا يؤدي إلى تشوه تام للجسد”.
وقد أظهرت دراسة نشرت في السنوات الأخيرة ارتفاعا في معدل الانتحار بثلاثة أضعاف لدى النسوة اللاتي خضعن لجراحة زراعة الثدي، المعروفة عاميا بتكبير الثدي.
من المنظور النفسي والأخلاقي والاجتماعي هناك نتائج متفاوتة لهذه الجراحات على الصعيد النفسي للشخص، إذ يرى البعض أنها تحسن من نظرة الشخص لذاته ورضاه عن نفسه، بينما يرى آخرون أنها على المدى الطويل لا تجلب السعادة للشخص، بل قد يكون لها تأثير سلبي إذا كان الشخص يتوقع من الجراحة أهدافا غير واقعية على صعيد تغيير الشكل.
أما على الصعيد الأخلاقي فيرى البعض أنها جزء من الحرية الشخصية، بينما يرى آخرون أن التلاعب بالجسد دون مبرر طبي أمر غير مبرر وهو “تغيير لخلق الله”، كما أن هذا الهوس بجراحات التجميل يحول الرجال والنساء إلى نسخ متطابقة في الشكل، يستنسخون بها شكل “الممثل الفلاني أو المغنية العلانية”، وفقا للبعض.
ويرى الباحث الاجتماعي نور الدين العلوي أن خضوع البشر لعمليات التجميل يعود إلى بدايات الحياة الاجتماعية للناس الذين اخترعوا المكياج ومواد الزينة حتى يقدموا صورة جميلة عن أنفسهم، وقد تطوّر الأمر من التجميل بر وضع المساحيق والدهون والأصباغ إلى التدخّل الجراحي في تغيير قسمات الوجه وجلدته ولونه وكامل الجسد.
ويفسّر الإقبال الكثيف المسجّل حاليا على جراحة التجميل في تونس بأنّه ناتج عن وجود ما يسمّى بـ”الرّفاه الاجتماعي” لدى بعض الفئات التي صار ظرفها المادي يسمح لها بيسر من إجراء عمليات باهظة الكلفة، و يقول المنطق والواقع “لن ترى فقيرا يجري جراحة تجميلية”.