تربية “الحلزون التّونسي: ” قطاع واعد يعاني إشكاليّات جمّة في ظلّ تكاثر الوسطاء
تعتبر تربية الحلزون إحدى القطاعات الواعدة في مجال تسويق وتصدير المنتوجات الفلاحية في تونس، وذلك بالنّظر إلى تنامي الطّلب العالمي والاهتمام التّجاري الذي يحظى به هذا الصنف من “القوقعيات البرية”، وهو ما يحفّز على جمع هذه الحيوان في مواقع طبيعية ومباشرة عملية تربيته.
ويواجه الاقبال المتزايد للمستهلكين على أكل لحم هذا الحيوان تناقصا طبيعيا في إعداده بسبب الضغط المكثف الناجم عن عمليات جمعه فضلا عن استعمال منتجات التّنظيف الصّحي ومواد أخرى خطرة حيث بات تطوير نشاط تربية الحلزون في تونس ضروريا، من جهة، للحفاظ على هذه الأصناف المحلية من خلال تقليص اللجوء إلى جمعها، ومن جهة أخرى، لتأمين إنتاج منتظم على مدى السنة.
كما يمكن لهذا النّشاط أن يساهم في المجهود الوطني في مجال إحداث مواطن شغل جديدة تستهدف بالخصوص فئة الشباب من الفلاحين اضافة إلى أنّه بإمكان هذا النشاط أيضا أن يدفع بالصادرات، لا سيما، وأن البلدان الأكثر استهلاكا للحلزون، مثل فرنسا وإيطاليا، هي بلدان مجاورة وقريبة وتربطها بتونس عدة اتفاقيات تجارية.
بداية متواضعة وعائدات ماليّة متزايدة
بعد بداية متواضعة، خلال عام 2003، كانت بمزرعة وحيدة، تطوّر الاستثمار في “تربية الحلزون” ليناهز الـ (60) مزرعة سنة 2013 تشغّل نحو 300 عامل ثابت، وبشكل موسميّ آلاف القرويّين الذين ينتظرون موسم التجميع للعمل في هذا المجال طوال فصل الصيف. وقد بلغ إنتاج تونس السنوي من الحلزون بحسب إحصاء وزارة الفلاحة 900 طن، يتمّ توجيه 80 بالمائة منه إلى الأسواق الأوروبيّة، وتحتلّ إيطاليا المرتبة الأولى من حيث وارداتها من السوق التونسيّة بنسبة 95 بالمائة، ويتوزّع الباقي على إسبانيا وفرنسا والبرتغال.
ولفت تطوّر القطاع خاصة بعد التطّور السريع على مستوى “الاستثمار” وعلى صعيدي “المردوديّة” و”المداخيل” انتباه الدّولة ودفعها إلى تقديم الحوافز الماديّة واللّوجستيّة فضلا عن سنّ جملة من التّشريعات بغية تشجيع المستثمرين لا سيما الشبّان منهم على التوجّه نحو هذا القطاع عبر إنشاء “مدارس تكوينيّة لطرق تربية الحلزون” وتوفير دعم ماديّ لأصحاب المشاريع يناهز 10 بالمائة من قيمة المشروع، بالإضافة إلى تسهيل توريد “أمّهات الحلزون” و”الحاضنات” و”الأعلاف المركّزة” وإعفائها من بعض الموجبات.
وتوفّر “تربية الحلزون” للدولة ما يُقارب (2) مليونين ومائتي ألف دولار سنويّاً بالعملة الصعبة، أمّا على صعيد الربح الصافي للمنتجين، فيبلغ هامشه 10 بالمائة من قيمة المصاريف باعتبار أن سعر البيع لا يقلّ عن 3 دولارات للكيلوغرام الواحد حيث تصدّر الشّركة الواحدة ما بين 10 إلى 40 طنّ سنويّا من الحلزون التّونسيّة توجّه أساسا إلى الوجهة الأوروبيّة.
قانون تحفيزي يضبط مواسم التّجميع
يتمّ في تونس تجميع (4) أصناف من الحلزون معروفة أكثر من غيرها، والتي تلقى رواجا هامّا في أوروبا وخاصة في إيطاليا حيث تمتد مناطق الجمع في شمالي تونس، إذ تعد جهات “جندوبة” و”باجة” و”ماطر” من المناطق الملائمة جدا لجمع الحلزون حيث تتوفّر البيئة الملائمة لتفريخ هذه الرخويّات.
وتختلف الكميات المجمّعة حسب الفصول والسّنوات، وذلك نتيجة دورة النمو الطبيعية لهذا الكائن، حيث ينظّم الإطار التشريعي عمليّات تجميع الحلزون بما يمكّن من الحفاظ عليه من الجمع العشوائي والجائر، علماً وأن القانون التونسيّ المنظّم لهذا القطاع يمنع جمع الحلزون في “مارس وأفريل وماي”، وهي فترة تزاوج هذا الحيوان.
ويصل الإنتاج إلى ذروته خلال شهري “جوان وجويلية” في حين يكون تقريبا منعدما في شهري “ديسمبر وجانفي” من كلّ عام حيث توجّه 95 بالمائة من الكميّات المجمّعة إلى التّصدير، ويذكر أن الحلزون الذي تتم تربيته ينمو بصفة أسرع من ذلك الموجود في الطبيعة حيث يصل الحلزون إلى فترة النّضج بعد 8 أو 9 أشهر في الحالة الأولى في حين أنه يستغرق ما بين 12 و18 شهرا في الحالة الثانية.
إحداث “الشركة التعاونيّة لمربّي الحلزون” في ظل تكاثر الوسطاء
أظهر تقرير، يعدّ نادرا بالنسبة لقطاع تربية الحلزون في تونس، أنجزته فضائيّة عربيّة خاصّة، حجم المعاناة التي يكابدها مربو الحلزون في بلادنا مستعرضا جملة من الصّعوبات المتمثلة خاصة في تكاثر “الوسطاء” وعدم التّمكن من تقنيات تربية الحلزون بسبب غياب التكوين، وفي نقص التمويل والترويج، مما ساهم في عزوف الفلاحين والمربين عن هذا النّشاط الواعد ذي المردودية الاقتصادية العالية.
وتبعا للإشكاليّات التي تنامت صلب القطاع، جاءت فكرة إنشاء “الشركة التعاونية لمربي الحلزون” سنة 2011 جراء ما يعانيه المربّون من مصاعب متعلّقة بالتّسويق والاستفحال الجائر لما يعرف بالوسطاء الذين يشترون المنتوج بأسعار منخفضة مقارنة بثمن البيع عند التصدير للأسواق الخارجية وكذلك توحيد السوق المشتركة لجميع المنخرطين من الباعثين الشبان البالغ عددهم 35 منخرطا بطاقة إنتاج جملية في حدود 400 طن، كما يأتي تأسيس الشّركة للسّهر على تطوير القطاع والانفتاح على الأسواق الخارجية.
ولئن ثمّنت رئاسة مجلس إدارة “الشركة التعاونية لمربي الحلزون في مناسبات عديدة ،الجهود التي ما انفكّت تبذلها “وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية” لدعم القطاع وتشجيع الباعثين الشبان، فإنها لم تخف ضعف الامتيازات الممنوحة للمستثمرين في القطاع، والتي تبقى في نظرها غير كافية مقارنة بطموحات الشّركة في استهداف أسواق محلية وأخرى خارجية.
وينوّه المستثمرون في المجال بفكرة إحداث “شركة تعاونية لمربي الحلزون”، لما لهذا الهيكل المهني من دور محوري في مساعدة مختلف المربين على تطوير إنتاجهم واكتساح الاسواق الخارجية داعين إلى ضرورة العمل على توعية المستهلك التونسي واستمالته نحو هذا المنتوج الذي له منافع صحية عديدة، وتؤكّد المعطيات وجود نوايا من بعض أصحاب النّزل للتوجه الى اقتناء الحلزون بما قد يفتح لمنتجيه فرصا أوسع للتّرويج والتعريف بهذا المنتوج وبقيمته الغذائية.
في الأثناء، أثبتت عديد الدّراسات التي أجراها البنك العالمي أن تونس بإمكانها أن تصنّف من ضمن المنافسين الجديّين في هذا القطاع خاصة وأن السوق الاوروبية تبقى من أهم الأسواق الواعدة معتبرا أنه على الرغم من أهمية الدّراسات المنجزة إلا ان البنوك التونسية لا تزال عازفة عن تمويل مثل هذه المشاريع.
اهتمام دولي بتشجيع المستثمرين وأسواق عالميّة مفتوحة
يشار إلى أنّ الاهتمام بقطاع “تربية الحلزون” في تونس تجاوز المستوى الوطني ليصبح مثار اهتمام المنظمات الأمميّة حيث كان لمنظمة الأغذية والزراعة التّابعة للأمم المتحدة دور هامّ في إحداث هياكل مهنيّة تجمع المربين من ذلك المساهمة في تحديد الإطار القانوني لهذا المجال ودراسة إمكانية إعادة هيكلة المهنة.
كما ساهمت المنظمة الأممية أيضا في مساعدة المربين في مجالات التمويل والترويج فضلا عن إمكانية إحداث محطة لتكييف المنتوج، وتقوم وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية من جهتها بدور الإشراف والتنسيق بين مختلف الأطراف المعنية (مربون ومنظمة الأغذية والزارعة وهياكل التمويل.
ويعد قطاع تربية الحلزون اليوم أحد أهم قطاعات الإنتاج الواعدة والقادرة على تنويع قاعدة الاقتصاد الفلاحي وتطوير صادراته، بوصفه من المنتجات التي يزداد الطلب عليها في الأسواق الخارجية، فضلا عن مساهمته في إحداث مواطن شغل جديدة.، لذلك يؤكّد مختصّون أنّ هذا المجال لا زال مفتوحاً أمام توسيع دائرة الإنتاج وانتزاع حصة أكبر في الأسواق العالميّة، خصوصاً في ظلّ الضغط الاقتصاديّ الذي تعانيه البلاد منذ سنوات، واضطراب الإنتاج في العديد من المنتوجات الفلاحيّة الأخرى على غرار الحليب واللّحوم.
ويتفاءل المتابعون بحصول مزيد من التطوّر صلب هذا القطاع والسّعة العالية لمردوديته خاصّة في ظلّ الكلفة المنخفضة لإنشاء المزارع وتشجيع الدولة للمستثمرين لا سيما من الباعثين الشباب اضافة إلى الطلب العالمي المتزايد على الحلزون، ويؤكد المختصّون أنّ الوقت قد حان كي تنتقل تونس من مرحلة “التّصدير الخام” إلى “التصنيع” لرفع القيمة المضافة لهذا المنتوج، خصوصاً في ضوء وفرة الإنتاج وسهولة عملية التّصبير والتعليب، التي لا تكلّف الكثير من الاعتمادات الماليّة.