حرب مياه نهر النّيل: سد إثيوبيا سيمنع عن مصر 16 مليار متر مكعب من الماء، والصّهاينة على الخطّ
يعتبر نهر النيل من أطول الأنهار في العالم حيث يبلغ طوله 6.506 كلم، وهو يجري من الجنوب إلى الشمال نحو مصبه في البحر الأبيض المتوسط، وذلك في الجزء الشمالي الشرقي من قارة افريقيا ينبع النيل من بحيرة فيكتوريا التي تبلغ مساحتها 68 ألف كلم2.
ويعتبر نهر “كاجيرا” (Kagera) من الجداول الرئيسية لنهر النيل ومن أكبر الروافد التي تصب في “بحيرة فيكتوريا”، وينبع من بوروندي قرب الرأس الشمالي لبحيرة تنجانيقا الواقعة إلى الجنوب من بحيرة فيكتوريا في وسط أفريقيا، ويجري في اتجاه الشمال صانعا الحدود بين تنزانيا ورواندا، وبعدما يتجه إلى الشرق يصبح الحد الفاصل بين تنزانيا وأوغندا ومنها إلى بحيرة فيكتوريا بعدما يكون قد قطع مسافة 690 كلم.
أما نهر “روفيرنزا” (Rovironza) الذي يعتبر الرافد العلوي لنهر كاجيرا وينبع أيضا من بوروندي، فيلتحم معه في تنزانيا ويعتبر الحد الأقصى في الجنوب لنهر النيل.
ويبلغ معدل كمية تدفق المياه داخل بحيرة فيكتوريا أكثر من 20 مليار متر مكعب في السنة، منها 7.5 مليارات من نهر كاجيرا و8.4 مليارات من منحدرات الغابات الواقعة شمال شرق كينيا و3.2 مليارات من شمال شرق تنزانيا، و1.2 مليار من المستنقعات الواقعة شمال غرب أوغندا كما ورد في تقارير منظمة الفاو لعام 1982.
ويعرف النيل بعد مغادرته بحيرة فيكتوريا باسم نيل فيكتوريا، ويستمر في مساره لمسافة 500 كلم مرورا ببحيرة إبراهيم (Kyoga) حتى يصل إلى بحيرة ألبرت التي تتغذى كذلك من نهر سيمليكي (Semliki) القادم أصلا من جبال جمهورية الكونغو الديمقراطية مرورا ببحيرة ادوارد، وبعدها يدعى نيل ألبرت. وعندما يصل جنوب السودان يدعى بحر الجبل، وبعد ذلك يجري في منطقة بحيرات وقنوات ومستنقعات يبلغ طولها من الجنوب إلى الشمال 400 كلم ومساحتها الحالية 16.2 ألف كلم2، إلا أن نصف كمية المياه التي تدخلها تختفي من جراء النتح والتبخر.
آخر المستجدّات “قمّة رؤساء مصر وأثيوبيا والسّودان”
آخر ما تمّ تسجيله بشأن تطوّرات ملف اقتسام مياه نهر النيل، هو قمة ثلاثية جرى تنظيمها يوم 20 فيفري 2016 جمعت رؤساء السودان ومصر وأثيوبيا، وذلك على هامش “قمة دول الكوميسا” بمدينة شرم الشيخ المصرية، حيث كان يفترض أن تبحث الملفات العالقة بشأن ما سميّ بـ “سد النهضة الأثيوبي”، إلى جانب العلاقات الثنائية والمصالح المشتركة بين الدول الثلاث.
وكان يفترض بالخصوص خلال “القمّة الرئاسيّة الثلاثيّة” التوقيع على عقد الدراسات الفنية بشأن سد النهضة الأثيوبي مع المكتبين الاستشاريين، بسبب حاجة الوفود الفنية للتشاور مع حكوماتها حسبما، أعلن ذلك وزير الري والموارد المائية السوداني، حيث يثير إنشاء “سدّ النهضة” مخاوف شديدة في مصر من حدوث جفاف مائي محتمل بسببه لا سيما وأنّ مصر تعتمد بشكل شبه أساسي على نهر النيل في الزراعة والصناعة ومياه الشرب، ويشار إلى أنّ مصر والسودان وإثيوبيا أمضت على “وثيقة الخرطوم” في ديسمبر بشأن حل الخلافات حول السد، وتتضمن الالتزام الكامل بوثيقة “إعلان المبادئ” التي وقع عليها رؤساء الدول الثلاث في مارس 2015، وهى المبادئ التي تحكم التعاون فيما بين الدول الثلاث للاستفادة من مياه النيل الشرقي وسد النهضة.
سفير إثيوبيا: “السيسي لم يبحث أزمة سدّ النهضة”
نفى محمود درير، السفير الأثيوبي بالقاهرة، ما تردد بأن الرئيس عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي هيلي ماريام ديسالين والرئيس السوداني عمر البشير، تناولوا في اجتماعهم الحديث بشأن أزمة سد النهضة.
وأضاف “درير”، وذلك خلال تصريح له في مداخلة تمّ بثها في برنامج “الحياة اليوم”، المذاع على فضائية “الحياة” المصريّة، مضيفا أن اللقاء الثلاثي لم يتطرق لموضوع السدّ وركّز على التعاون بين البلدان الثلاثة، كما أن تعزيز العلاقات الشعبية والرسمية في كل المجالات بين مصر وإثيوبيا والسودان أهم ما دار على رأس أولويات القمة.
“السّودان يناور”
كان وزير الخارجية السوداني إبراهيم الغندور، قال إن زعماء مصر والسودان وإثيوبيا اتفقوا خلال اجتماع ثلاثي، عقد اليوم السبت على هامش المنتدى الأفريقي بشرم الشيخ، على عقد قمة ثلاثية جديدة لم يتحدد موعدها بعد، وهو الأمر الذي نفته إثيوبيا. وقعت مصر والسودان وإثيوبيا على “وثيقة الخرطوم” في أواخر ديسمبر الماضي من أجل آليات العمل خلال المرحلة المقبلة بشأن حل الخلافات حول سد النهضة، تتضمن الالتزام الكامل بوثيقة “إعلان المبادئ” التي وقع عليها رؤساء الدول الثلاث في مارس الماضي، وتحديد مدة زمنية لتنفيذ دراسات السد تتراوح ما بين 8 أشهر وعام.
“مصر: بين التمسّك بالأخوّة والتنازل عن الحقوق”
صرح السفير علاء يوسف المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصرية بأنه تم خلال الاجتماع استعراض سبل دفع وتطوير العلاقات الأخوية والوطيدة بين مصر والسودان وإثيوبيا، حيث اتفق القادة الثلاثة على وحدة المصير وخصوصية الروابط التاريخية والثقافية بين شعوب الدول الثلاث، فضلا عما يجمعهم من مصالح مشتركة لا تقتصر فقط على موضوعات المياه وإنما تمتد لتشمل مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية، بينما غاب عن اللقاء الحديث عن أزمة السد ومخاطره على مصر وحصتها المائية من نهر النيل، وهو الأمر الذي اعتبره البعض بمثابة تنازل من القاهرة عن حقها في مياه النهر.
بيانات متكررة
في ختام القمّة الثلاثيّة، أصدر القادة الثلاثة بيانا مشتركا تضمّن اتفاقا على تكليف وزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا بدراسة سبل إنشاء إطار مؤسسي للتعاون بين الدول الثلاث بما يضمن الارتقاء بمستوى التعاون الثلاثي بينهم في كافة المجالات، وأن يتم تقديم مقترح مُحدد في هذا الشأن إلى قادة الدول الثلاث في الاجتماع القادم للجنة العليا.
بالإضافة إلى ذلك أجمع الرؤساء الثلاثة على إنشاء صندوق تمويل مشترك لتنفيذ مشروعات تنموية في البلدان الثلاثة بالتوازي مع تشكيل 3 لجان: سياسية، اقتصادية، اجتماعية وثقافية. وكذلك تشجيع اللقاءات البرلمانية المشتركة بين برلمانات مصر والسودان وإثيوبيا، وتبادل الزيارات بما يسهم في تعميق التفاهم المشترك على المستوى الشعبي.
تحويل مجرى النيل: بدايات الأزمة
تعود أزمة تحويل مجرى النيل إلى شهر ماي 2010 عندما قرّرت 6 من دول منابع النهر التّوقيع في مدينة “عنتيبي” الأوغنديّة على معاهدة جديدة لاقتسام موارده ومنحت مصر والسّوادان عاما إضافيّا من أجل الانضمام للمعاهدة التي تنصّ على أنّ التعاون بين “دول مبادرة حوض النيل” يعتمد على الاستخدام المنصف لمياه نهر النيل من قبل البلدان المعنيّة.
وقد تمّ التوقيع على الاتفاقية المذكورة من طرف 6 دول هي “اثيوبيا” و”أوغندا” و”كينيا” و”تنزانيا” و”رواندا” و”بوروندي”، بينما رفضت كل من مصر والسودان والكونغو الديمقراطية الانضمام إليها. وفي مارس 2013، أعلنت دولة جنوب السودان أنها ستنضم إلى الاتفاقية.
واعتبرت كلّ من “القاهرة” و”الخرطوم” أن الاتفاقية “مخالفة لكل الاتفاقيات الدولية”، وأعلنتا أنهما ستخاطبان الدول المانحة للتنبيه على عدم قانونية تمويل أي مشروعات مائية، سواء على مجري النيل أو منابعه وإقناعها بعدم تمويل المشروع الذي تبلغ كلفته نحو 4.8 مليار دولار أميركي، حسب إلى تصريحات كان أدلى بها رئيس الوزراء الأثيوبي الراحل “مليس زيناوي” ، لكن إثيوبيا، وباقي دول “اتفاقية عنتيبي”، لم تعر احتجاجات “القاهرة” و”الخرطوم” اهتماما ومضت بخطى حثيثة، ودشنت في أول أفريل 2011 مشروع أطلق عليه “سد الألفية الكبير” أو “سد النهضة” لإنتاج الطاقة الكهرومائية بولاية “بني شنقول” الأثيوبية القريبة من الحدود السودانية .
ورغم توقع حدوثه منذ سنوات ومن تأكيدات “أديس أبابا” بعدم تأثيره على مصر، أثار قرار اثيوبيا البدء في تحويل مجرى مياه النيل الأزرق تمهيدا لبناء “سدّ النهضة” غضب الأوساط المصرية الشعبية التي تخشى تجفيف نهر النيل، باعتباره منبع الحياة عندهم أو كما قيل “مصر هبة النيل”.
وبعد ثورة «25 جانفي 2011 “، كانت قيادات شعبية مصرية قد طالبت بضرورة معالجة هذا الملف الحيوي والتعامل معه بموضوعية بعيدا عن “التعالي الذي اتسمت به طريقة تعامل حكومات الرئيس السابق حسني مبارك، حيث أرسلت مصر في 29 أفريل 2011، وفدا تحت مسمّى “الدبلوماسية الشعبية” مكوّن من قيادات سياسية وحزبية ومن شباب الثورة وشخصيات عامة لمناقشة مشروع سد النهضة.
لكن رغم ذلك بوغت المصريون بالقرار لصدوره بعد ساعات من زيارة الرئيس “محمد مرسي” لـ “أديس أبابا” التقى خلالها رئيس الوزراء الإثيوبي “هايلى ماريام ديسالن”، على هامش مؤتمر القمة الإفريقية حيث تمّ إقرار استغلال مياه النيل كما تقتضيه مصلحة أثيوبيا لا كما ترغب فيه مصر.
واقع “أزمة سد النهضة الإثيوبي”
جاءت أزمة سد النهضة الإثيوبي، نتيجة لتوجهات وسياسات وسلوكيات الدولة الإثيوبية الرامية إلى إقامة هذا السد على نهر النيل الذي يعد أحد الأنهار الدولية، بحجة أنه مشروع تنموي لها، وبغض النظر عن أية اعتبارات أو اتفاقيات أو معاهدات دولية ذات صلة بذلك، وهو الأمر يترتّب عنه أضراراً بالغةً بدولتي المصبّ مصر والسّودان سواء بالتأثير على حجم حصتيهما من المياه، أو نتيجة للمخاطر الأخرى المحتملة نتيجة لانهيار هذا السّد لأي سبب من الأسباب.
وما تجدر الإشارة إليه أن هذه الأزمة ليست وليدة الساعة ولكنها ظلت مشكلة ضاغطة تستغلها الدولة الأثيوبية كلما أرادت التأثير على عملية صناعة واتخاذ القرارات والسياسات المصرية، بما يتناسب ومصالحها العليا وبذريعة استحواذها على أغلب موارد النّهر، وتؤكّد المعطيات أنّ من أصعب الأزمات التي تواجه الدولة المصرية، وبشكل دوري منذ أقدم العصور، هو كيفية التعامل مع نهر النيل ومنابعه، وما يمكن أن يترتب على ذلك من انخفاض منسوبه، والتأثيرات السلبية لذلك على واقع الحياة والمجتمع في مصر، وهو الأمر الذى دفع المصريين القدامى ليس فقط ببذل المساعي من أجل صيانته وحمايته، بل الذهاب إلى ابعد من ذلك حيث تم اعتبار منابعه جزءاً لا يتجزأ من منظومته المتكاملة، بل وتقديس هذا النهر.
ومن ثم فإن الواقع السياسي والجغرافي والتاريخي يشير إلى وجود مصلحة وطنية خالصة ومصيرية لمصر في منظومة حوض نهر النيل، لا تستطيع دولة ولا مجموعة من الدول أن تنال من هذا الواقع الحي والملموس، تحت أية ذريعة من الذرائع، وفى الوقت الذي تحسم فيه مصلحة مصر الوطنية في حوض النهر الكبير.
سد إثيوبيا سيمنع عن مصر 16 مليار متر مكعب من الماء
أكد الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية والري بجامعة القاهرة، أن بناء هذا السد من شأنه تحويل نهر النيل إلى ترعة صغيرة، مضيفا أن قيام إثيوبيا بملء السد في عام واحد يعنى أن مصر ستحصل على حصتها من المياه بشكل يومي، لافتا إلى أن إثيوبيا أعلنت عن طرح أراض للاستثمار الزراعي حول بحيرة سد النهضة الجاري تشييده، موضحا أن المخطط الإثيوبي يهدف إلى إنشاء أربعة سدود، وأن سد النهضة إحداها.
وأوضح نور الدين أن “أديس أبابا” تتبع سياسة الخداع لمصر مثلما فعلت مع جارتها الكينية، كما أنها إحدى الدول الموقعة على “اتفاقية عنتيبي”، التي تطالب بعدم الاعتراف بحصة مصر من المياه التي تقدر بـ55.5 مليار متر مكعب، مما يشير إلى استهانة الجانب الإثيوبي بمصر وعزمها على إنشاء السد مهما كانت النتائج، واصفا الموقف المصري الحالي موقف انهزامي يخضع لرغبات إثيوبيا، مطالبا بضرورة التحرك المصري قبل بناء السد الذي سيخصم من حصة مصر سنويا أكثر من 16 مليار متر مكعب، فضلا عن تشريد 5 ملايين أسرة بسبب تبوير 3 ملايين فدان من الأراضي الزراعية.
القوى العظمى تساند أثيوبيا
حول تأثير السّد على مصر، قال الصحفي “عطيّة عيسوي”، الخبير في الشؤون الإفريقية، إنه يجب على القاهرة “إقناع الحكومة الإثيوبية بإطالة فترة ملء البحيرة التي ستتكوّن وراء سد النهضة”.
“إذا تمكنا من إقناعهم بملء البحيرة على 40 أو 30 عاما أو حتى 20 سنة، فإن ذلك سيقلل من الأضرار التي ستصيب كلا من مصر والسودان، أما إذا صمموا على أن تملأ في غضون 5 أو 7 سنوات فهذا يعني تجفيف ما بين 61 إلى 65 مليار متر مكعب كانت تصل إلى مصر والسودان من إجمالي 85 مليارا”، حسب عيسوي.
وحذر عيسوي من القيام بأي عمل عسكري أو تخريبي مصري ضد السد، مذكرا بمتانة العلاقات بين إثيوبيا والقوى الدولية العظمى، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا، قائلا: “يجب أن نعرف أن ذلك سيجرّ على مصر الكثير من المشاكل ويجب أن تدرك القاهرة أن الدول العظمى تساند إثيوبيا وتستمع لها ولا تنصت لمصر “.
التدخّل الصّهيوني الأمريكي في دول حوض النيل
يتصاعد الدّور الصّهيوني في منطقة حوض النيل من خلال وجود اقتصادي وزراعي وتسليحي وصناعي متعاظم هناك خصوصا في أثيوبيا حيث تمّ رصد مهندسين ومعدات صهيونية تستخدم في تشييد بعض سدودها التي تبنيها لتوليد الكهرباء وحجز كميات قليلة من مياه النيل.
وبرغم الغياب الصهيوني عن دول حوض النيل ظاهريا، إلاّ أن الواقع يؤكّد على الحضور القويّ لإسرائيل في مجالات زراعية وتجارية لا يمكن إغفالها، ويشار إلى أنّ وزير الخارجية الصهيوني ليبرمان عندما زار ثلاث من دول حوض النّيل في سبتمبر 2009 ممثلة في (إثيوبيا وكينيا وأوغندا)، رافقه وقتها مسؤولون أمنيون ومخابراتيون وكذلك 20 من رجال الأعمال وممثلي الشركات الإسرائيلية.
أصابع صهيونية وأمريكية واضحة
تشير المعطيات إلى أن هناك أصابع صهيونية وأمريكية تشجع دول منابع النيل علي المضي في خططها التي تضرّ في المقام الأوّل بمصر، وأنّ ذلك تكشفه بالخصوص جملة العروض التي قدّمتها شركات صهيونية وأمريكية لتمويل مشاريع المياه الافريقية التي تعارضها مصر باعتبار أنّها ستنقص من حصتها المائية، وقد كشف ذلك بوضوح وزير الموارد المائية المصري السابق الدكتور “محمود أبو زيد” في تصريح له يوم 11 مارس 2009 ضمّنه فحوى البيان الذي أدلى به “حول أزمة المياه في الوطن العربي” أمام لجنة الشئون العربية، عندما حذر من تزايد النفوذ الامريكي والاسرائيلي في منطقة حوض النيل من خلال ما وصفه بـ “السيطرة على اقتصاديات دول الحوض وتقديم مساعدات فنية ومالية ضخمة “.
والجديد في هذا التّدخل الصهيوني الأمريكي هو طرح فكرة “تدويل المياه”، وتحديدا “تدويل مياه الأنهار من خلال هيئة مشتركة من مختلف الدول المتشاطئة في نهر ما”، والهدف من هذا “المشروع”، هو إحداث الوقيعة وتأجيج العلاقات بين مصر ودول حوض النيل، وقد ألمح وزير الموارد المائية المصري السابق من وجود مخطط اسرائيلي – أمريكي للضغط على مصر لإمداد تل ابيب بالمياه بالحديث عن قضية “تدويل الأنهار”، وأكد أن إسرائيل لن تحصل على قطرة واحدة من مياه النيل.
ويشار إلى أنّ “جريدة الأهرام” المصريّة كانت قد أرسلت بعثة من صحفييها لمنطقة حوض النيل سنة 2009 أثبتت وجود خبراء صهاينة هناك وشركات اسرائيلية تعمل في مجالات بناء السدود المختلفة، وحتى محاولات مصر الحالية للضغط على المؤسسات المالية لمنعها من تمويل بناء سدود أثيوبية تضر مصر بعد توقيع الاتفاق الإطاري الذي لا يعترف بحصة مصر المائية، يمكن أن تفشلها “تل ابيب” بسهولة عبر التدخل لتوفير هذا التمويل للسدود الأثيوبية عبر أبواب خلفية.
إسرائيل.. الدّولة رقم 11 في النيل
يرجع المتابعون خطورة الخلاف الحالي بين دول منابع النيل و”دول المصبّ” إلى تصاعد التدخل الصهيوني في الأزمة عبر إغراء دول المصب بمشاريع وجسور وسدود بتسهيلات “مبالغ فيها” وتشارك فيها شركات أمريكية، بحيث تبدو الدولة الصهيونية وكأنها إحدى دول حوض النيل المتحكمة فيه أو بمعني أخر الدولة “رقم 11” في منظومة حوض النيل، والهدف بالطبع هو إضعاف مصر التي لن تكفيها أصلا كمية المياه الحالية وستعاني أزمة في 2017، بسبب تزايد السكان.
فالدولة الصهيونية تطمح في أن يكون لها، وإن بصورة غير مباشرة اليد الطولى، في التّأثيـر على حصة مياه النيل المتدفّقة على مصر وبدرجة أقلّ السّودان، وذلك كورقة ضغط على مصر للتسليم في النهاية بما تطلبه اسرائيل سواء في علاقاتها الاقتصادية والحدوديّة مع القاهرة أو فيما يخصّ سياسة الدولة المصريّة تجاه “القضيّة الفلسطينيّة” وخاصّة مواقفها تجاه حركة المقاومة الإسلاميّة “حماس”.
مشروع “هرتزل” لاستغلال مياه النيل
تطرّقت وسائل اعلام دوليّة واقليميّة عديدة إلى ما قالت إنّه “عشرات الوثائق الصهيونية التي ترصد هذا الدور الإسرائيلي في السعي لحصار مصر إفريقيا ومائيا والتحرك مع دول منابع النيل، حيث تتضمّن الوثائق تأكيدا على أنّ “تلّ أبيب” أفلحت فعلا في خلط الأوراق لصالحها وامتلاك ورقات ضغط متنوعة في ملف اقتسام مياه نهر النيل ونجاحها في المرور إلى طور جديد يمكّن اسرائيل من التلاعب بحصّة مصر من المياه.
ويذكر أنّ محاولة قديمة للحركة الصهيونية للاستفادة من مياه النيل منذ تقدم “تيودور هرتزل”، مؤسس الحركة، عام 1903 إلى الحكومة البريطانية بفكرة توطين اليهود في سيناء، واستغلال ما فيها من مياه جوفية، وكذلك الاستفادة من بعض مياه النيل، وقد وافق البريطانيون مبدئياً على هذه الفكرة على أن يتم تنفيذها في سرية تامة.
ولقد رفضت الحكومتان المصرية والبريطانية مشروع “هرتزل” الخاص بتوطين اليهود في سيناء ومدهم بمياه النيل لأسباب سياسية تتعلق بالظروف الدولية والاقتصادية في ذلك الوقت، ووفقا للمصادر والكتابات الصهيونية يمكن الحديث عن 4 مشاريع أساسية يتطلع إليها اليهود بهدف استغلال مياه النيل:
1ـ مشروع “استغلال الآبار الجوفية”
قامت إسرائيل بحصر آبار جوفية بالقرب من الحدود المصرية، وترى أن بإمكانها استغلال انحدار الطبقة التي يوجد فيها المخزون المائي صوب اتجاه صحراء النقب، وقد كشفت ندوة المهندسين المصريين أن إسرائيل تقوم بسرقة المياه الجوفية من سيناء وعلى عمق 800 متر من سطح الأرض، وكشف تقرير أعدته لجنة الشؤون العربية بمجلس الشعب المصري في شهر أوت 1999 أن الكيان الصهيوني تعمّد خلال السنوات الماضية سرقة المياه الجوفيّة في سيناء عن طريق حفر آبار ارتوازيّة قادرة، وذلك باستخدام آليّات حديثة على سحب المياه المصريّة.
2 ـ مشروع “اليشع كالي”
في عام 1974 طرح “اليشع كالي”، وهو مهندس (إسرائيلي)، تخطيطاً لمشروع يقضي بنقــل ميـــاه النيـــل إلى (إسرائيل)، ونشر المشروع تحت عنوان: (مياه الســلام)، والذي يتلخص في توسيــع ترعة الإسماعيلية لزيـــادة تدفـق المياه فيها، وتنقل هـذه المياه عن طريــق سحــارة أسفل قناة السويس، وقد نشرت صحيفة “معاريف” الإسرائيليّة في سبتمبر 1978 تقريراً بأن “هذا المشروع ليس طائشا لأنّ الظّروف أصبحت مهيأة بعد اتفاقيات السلام لتنفيذ المشروع”.
3 ـ مشروع ” يؤر”
قدم الخبير الإسرائيلي “شــاؤول أولوزوروف” (النائــب السابق لمديــر هيئة المياه الإسرائيلية) مشروعـــاً للسادات خـلال مباحثــات كامب ديفيد يهدف إلى نقــل مياه النيل إلى (إسرائيل) عبر شق ست قنوات تحت مياه قناة السويس، وبإمكان هـذا المشروع نقل 1 مليار م3، لري صحراء النقب منها 150 مليون م3، لقطــاع غزة، ويــرى الخبراء اليهـود أن وصول المياه إلى غزة يبقي أهلهـا رهينة المشروع لدى (إسرائيل) فتتهيب مصر من قطع المياه عنهم.
4 ـ مشروع “ترعة السلام”
هو مشروع اقترحه السادات في حيفا عام 1979م، وقالت “مجلة أكتوبر” المصرية عنه: “التفت الرئيس السادات إلى المختصين وطلب منهم عمل دراسة عملية كاملة لتوصيل مياه نهر النيل إلى مدينة القدس لتكون في متناول المترددين على المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وحائط المبكى .
وإزاء ردود الفعل على هذه التصريحات، سواء من إثيوبيا أو المعارضة المصرية، ألقى مصطفى خليل (رئيس الوزراء المصري) بياناً أنكر فيه هذا الموضوع قائلاً: “عندما يكلم السادات الرأي العام يقول: أنا مستعد أعمل كذا فهو يعني إظهار النية الحسنة ولا يعني أن هناك مشروعاً قد وضع وأخذ طريقه للتنفيذ.
المشروع الصهيوني لإضعاف مصر
لفت الكاتب المصري “فهمي هويدي ” الأنظار إلى كتاب أصدره مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وافريقيا (التابع لجامعة تل أبيب) حول “إسرائيل وحركة تحرير السودان”، كتبه ضابط الموساد السابق العميد المتقاعد “موشى فرجي”، وكان محور المقال هو التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي في تفتيت العالم العربي عبر سياسة “شد الأطراف ثم بترها”، أي التعاون مع الأقليات وتشجيع انفصالها وبترها عن الوطن الأم.
وقد لفت كتاب العميد (فرجى) إلى ما فعلته إسرائيل لكي تحقق مرادها في إضعاف مصر وتهديدها من الظهر، وكيف إنها انتشرت في قلب إفريقيا (في المدة من عام 56 إلى 77 أقامت علاقات مع 32 دولة افريقية)، لكي تحيط بالسودان وتخترق جنوبه، وكيف وسعت علاقاتها مع دول حوض النيل للضغط على مصر.
ووفقاً للكتاب الإسرائيلي، فقد احتلت إثيوبيا أهمية خاصة في النشاط الاستخباري نظراً لقدرتها على التحكم في منابع النيل، وتقاطر عليها قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات على نحو لافت، وكان التعاون العسكري هو أكثر ما اهتمت به إسرائيل.
هناك إذن دور صهيوني نشيط ولكنه دور استخباري يعتمد سياسة التعتيم لعدم إحراج هذه الدول مع مصر، وهو دور مؤثر والعبرة بالنتائج ، فهذا التحريض الصهيوني أنبت حالة عداء افريقية شديدة لمصر محورها اتفاقات المياه، في حين لم تنجح مصر في إثناء هذه الدول عن مواصلة التصعيد ضدها وفي المقابل الاستخفاف بمواقف التنديد وكذلك التهديدات المصريّة التي تطلق بين الفينة والأخرى دون تجسيد خيار محدّد لتحرّك ما على أرض الواقع.