التعذيب في تونس ما قبل الثورة، تقارير، شهادات الضحايا، الأساليب المنتهجة و رأي القانون التونسي ونظيره الدولي
تعذيب الموقوفين وسجناء الرأي والوفيات غير المعلنة ملفات حارقة اكتوت بنارها مختلف الطبقات السياسية واخراجها اليوم للعلن قد يحرق اخرين.
ملف التعذيب لم يكن ليظهر لولا التفاف عدد من المحامين والنشطاء الحقوقيين والضحايا الذين تعددت الوانهم السياسية من ” خوانجية وبوكت وقوميين وبعثيين” حسب التسميات المتداولة وحتى اناس لا انتماء لهم.
ولعل المفارقات العجيبة أن السجناء يتذكرون لحظات الاهانة والدوس على كرامتهم من طرف جلاديهم فان ذاكرتهم تحتفظ ايضا برجال امن و”سجان” أحسن إليهم وتعاطف معهم مؤكدين قولة شعبية ” الباهي والخايب في كل بلاصة”.
فماهي انواع التعذيب التي استخدمت في تونس ما قبل الثورة؟ وكيف اثرت هذه الاحداث على الضحايا؟ وما هو موقف القانون من التعذيب؟ وماهي أبرز الملفات؟
وحسب ما صرح به الاستاذ سامي براهم السجين السياسي السابق وباحث في الجامعة التونسية ووفقا لما رواه المتضررون فان السجين” يُعلق على شاكلة الدجاجة المصلية حيث يقومون بربط يدي السجين ورجليه ويقومون بتعليقه بشكل مقلوب وعندما يكون السجين معلقا بهذه الطريقة يقوم الجلادون بضربه على الخصيتين، كما يقومون باستلال جهازه الذكري بخيط مما يشكل له ألما بالغا فضلا عن الألم النفسي، كما يتم حرق السجين في أماكن مختلفة من جسده بالسجائر.”
ولم ينف براهم استعمال الة الثقب ” الشنيول ” اثناء عمليات التحقيق وذكر أن العجيمي الوريمي وفتحي الخياري كانا ضحايا هذه الالة.
“وضعية البانو“
اما وضعية البانو وهو إناء كبير مملوء بماء وسخ فيه مختلف القاذورات، ويتم ربط السجين بشكل مقلوب حيث يربط من القدمين ثم يتم غطس السجين في الإناء القذر وهي طريقة تشبه الإيهام بالغرق حيث يبقى رأس السجين لعدة دقائق في المياه القذرة، ثم يرفع لوقت قصير لكي يتنفس ولا يموت، والتنكيل يتواصل حتى وإن قدم السجين اعترافات.
ومن بين طرق التّعذيب الضرب العادي والحرق، وفي سجن نابل تعرض أعضاء من حركة النهضة إلى نوع مقزز من التعذيب، حيث تم إجبارهم على مفاحشة بعضهم البعض، غير أن السجناء رفضوا فعل ذلك وأكبر ما وصلوا إليه أنهم جعلوا السجناء يركبون فوق بعضهم البعض.
وحديث بين السجناء السياسيين ممنوع وخاصة “الخوانجية ” حيث تم الحرمان من الصلاة جماعة، ومن الأكل الجماعي، وفي أحسن الحالات الاكل مثنى، وعندما تسجل مخالفات لهذه القوانين الجائرة يعمدون إلى العقاب بالسجن الانفرادي أو “السيلون” لمدة عشرة أيام، حيث يملأونه بالماء وتنزع ثياب السجين لمجرد أن يقوم المدسوسون في السجن بنقل معلومات عن سجين يكلم آخر.
الموت تحت التعذيب
ذكرت تقارير حقوقية دولية أن المؤسسة السجنية شهدت سقوط عدد كبير من الوفيات ومنهم عبد العزيز المحواشي الذي توفي في 30 أفريل 1991 وعبد الرؤوف العريبي الذي توفي في 11 ماي 1991وعامر دقاش الذي توفي في 11 جوان 1991وعبد الوهاب عبيدلي الذي توفي في 30 جوان 1991و فتحي الخياري الذي توفي في 5 أوت 1991.
واستنتج التقرير الصادر في 13 جويلية 1992، أنّ هناك حالتين أخريين مشبوه في وفاتهما، وهما حالة فيصل بركات ورشيد الشماخي، وأذن بفتح تحقيق في الغرض طبقا للفصل 36 من مجلة الإجراءات الجزائية، ولكن ُطويَ هذا التحقيق واندثرت لجنة تقصّي الحقائق. أكد جميع الموقوفين على خلفية الاحتجاجات الاجتماعية على البطالة والفقر والتهميش والمحسوبية والفساد التي شهدتها منطقة الحوض المنجمي بقفصة سنة 2008 وعلى مدى الستة أشهر الأولى من بداية الاحداث ” أنهم كانوا عرضة للتعذيب بمختلف أشكاله المادية والمعنوية أثناء اعتقالهم من طرف البوليس السياسي وخصوصا في منطقة الأمن بقفصة التي نقلوا إليها بعد إيقافهم.”
وتبيّن الشهادات التي قدمها الضحايا سواء لمحامييهم أو عائلاتهم أو أمام المحاكم (بالنسبة إلى الذين تمت محاكمتهم)، أن البوليس السياسي استعمل بشكل منهجي الضرب والتهديد والإهانة وسوء المعاملة. كما أنه لم يتورّع عن التحرش الجنسي بالموقوفين من (إدخال “ماتراك” بالدبر، التهديد بالاعتداء، الضرب وقرص على الأعضاء التناسلية والثديين)
شهادات حية
“حفناوي بن العيد بن الطاهر بن عثمان”، من مواليد الرديف في 29 أكتوبر 1973، طالب بالمرحلة الثالثة بكلية العلوم الإنسانية بتونس (كلية 9 أفريل) حسب ما ورد في تقرير محاميه في القضية المرفوعة ضده بعديد التهم ووفقا لما نقلته منظمات حقوقية دولية “تمّ إيقافي مساء 16 جوان 2008 عندما كنت عائدا مع شقيقي من القيروان، على مستوى مدخل معتمدية بئر الحفيّ (ولاية سيدي بوزيد) من قبل رئيس فرقة الإرشاد بمنطقة الأمن بقفصة مصحوبا بأربعة أعوان بالزي المدني وحافلة ملآى بأعوان من فرقة التدخل، حيث تم إنزالنا من سيارة الأجرة، وإصعادنا سيارة شرطة دون أي توضيح ونقلونا إلى منطقة الأمن بقفصة حيث أخلي سبيل شقيقي أما أنا فقد أخذوني إلى مكتب رئيس الفرقة الثانية المختصة الذي بادر بافتكاك هاتفي الجوال وتصفح لائحة الأسماء المسجلة فيه مستفسرا عن كل اسم من هذه الأسماء. ثم استجوبني عن آخر مكالمة أجريتها مع عدنان الحاجي مقارنا كلامي بمحتوى فاكس من اتصالات تونس يسجل مكالماتي المذكورة كلمة كلمة”.
ويضيف الشّاهد “ثم تواصل استجوابي بمكتب آخر بمشاركة عدد من أعوان البوليس السياسي القادمين على ما يبدو من تونس العاصمة يسمى أحدهم “الشاف” والآخر “جونيور” إضافة إلى أحد أبطال تونس في التايكواندو، حيث قدموا لي هيكلة افتراضية للحركة الاحتجاجية بالرديف وطالبوني بوضع الأسماء في كل لجنة من اللجان التي اختلقوها لتأثيث هذه الهيكلة وإعطائها صبغة “العصابة” حتى تناسب التهمة.
و”حين كذّبت هذا الاختلاق حملوني إلى مكتب سمّوه “البئر” يحتوي مكتبين وحنفيّة وحوض ماء وعدد من الهراوات والعصيّ المتنوّعة وبقايا ملابس ممزقة ومتّسخة بالدماء. جرّدوني من جميع ملابسي بما في ذلك الداخلية ووضعوني في وضعيّة الدجاجة المصليّة (الفرّوج) واستعملوا قميصي في تقييد يديّ، وانهال ثلاثة من الجلاّدين على رجليّ بهراوة وكان يطلق على أحدهم اسم “الزّو” طويل القامة، قويّ البنية ومحلوق الرأس. أمّا الآخر فيميل لونه إلى الحمرة وله “شامة” كبيرة على خده الأيمن. وقد دام ضربي حوالي نصف ساعة بشكل منتظم وعنيف مصحوبا بسبّ وشتم وكلام بذيء وأسئلة مختلفة وسريعة ولم يتوقّفوا إلاّ حين فقدت وعيي. أنزلوني وسكبوا عليّ سطل ماء بارد. ولما حاولوا إيقافي على ساقيّ لم أقف وسقطت. وفي نفس هذا المكتب استجوبوني عن استعمالي للأنترنيت وعن مراسلاتي وخاصة عن عنواني الإلكتروني وحين رفضت كبّلوا يديّ إلى الخلف وانهالوا على ظهري بالهراوات ولم يتوقفوا إلا حين مكّنتهم من ذلك. أرجعوني إلى رئيس الفرقة الذي واصل التحقيق معي في مختلف جوانب الحركة الاحتجاجية والتضامنية والذي كان كلّما لم يقتنع بإجابتي يرسلني إلى حصص تعذيب إضافية. وقد تواصل تعذيبي على مدى الأيام 16 و17 و18 و19 جوان 2008. وكانت الحصّة اليومية من التعذيب”.
وعن ظروف الاعتقال قال حفناوي بن عثمان: “الاكتظاظ على أشده في الزنزانة التي أقمت فيها والتي تكاد تنعدم فيها شروط النظافة والتهوية. وحين طالبت باجتياز دورة “الكاباس” (شهادة الكفاءة للتدريس بالثانوي) رفضوا تمكيني من هذا الحق في سيناريو التنكيل المبرمج سلفا.”
شهادة ثانية
“طارق بن محمد الصالح بن بوبكر حليّمي” من مواليد الرديف في 16 نوفمبر 1965 عضو النقابة الأساسية للتعليم الأساسي بالرديف.
أكد في تقرير رفعه محاميه ابان محاكمته أنه سلّم نفسه لرئيس منطقة الحرس بالمتلوي يوم 30 جوان وليس 2 جويلية كما سجل البوليس السياسي في محاضره. يقول في شهادته:
“حتى قبل إصدار منشور تفتيش في شأني كان بيتي محاصرا بأعوان البوليس في إطار التصعيد الذي اختارته السلطة بالخصوص منذ يوم 6 جوان للقضاء على الاحتجاجات الاجتماعية بالمنطقة، مضيفا “الحصار شمل أيضا أصهاري وعائلتي وجيراني وأقاربي الذين صاروا عرضة للضغط والاستجواب والتهديد والاستفزاز والتنكيل إلى درجة أنهم أصبحوا في حالة رعب دائم وغير قادرين على النوم وصارت حياتهم لا تطاق.
فكان أن قررت تجنيبهم المزيد من الضغط والتنكيل وسلمت نفسي”.
وقد صرّح طارق حليّمي أن بقاءه بمنطقة الحرس بالمتلوي كان قصيرا واقتصر على بعض الاستجوابات الشفاهية حيث نقل إلى منطقة الشرطة بقفصة وبالتحديد إلى مكاتب الفرقة الثانية المختصة التي يقودها بلقاسم الرابحي ثم استجوب حتى الثالثة صباحا في علاقة بالحركة الاحتجاجية ونشطائها بلهجة يغلب عليها التهديد والوعيد حتى أنّ أحدهم صرخ في وجهه: “احْكِ، أنا القتل عندي حاجة عادية وما نخاف من حدّ. لا وكيل الجمهورية ولا غيرو يقدر يعملي حاجة”.
وأضاف طارق حليّمي قائلا ” في الغد بدأوا في استجوابي مع الساعة الثامنة صباحا ونقلوني بين المكاتب كلما اغتاظوا من إجاباتي.
وقد تولى التحقيق معي مجموعة من أعوان أمن الدولة بتونس العاصمة وقد صفعني أحدهم على وجهي مما أفقدني توازني وتولى آخر ضربي على رجلي ويديّ بـ”كاوتشو” حتى أدماها.
كانوا خمسة في المكتب، وقد أشار أحدهم إلى عصا وهددني بإدخالها في مؤخرتي وباغتصاب أمي وزوجتي بحضوري إن لم أصرّح بأشياء أنا لا علم لي بها من بينها تمويل الحركة الاحتجاجية.
وقد دام التعذيب ثلاثة أيام ذقت خلالها الويلات وأمضيت مكرها على محاضر عديدة كانت تقدم إلي في كل مرة دون أن أتمكن من الاطلاع عليها. وقد بقيت آثار التعذيب ظاهرة حتى ساعة مثولي أمام حاكم التحقيق الذي سجل بعضها بركبتي اليسرى ويديّ”.
القانون التونسي يمنع جميع أشكال التعذيب والاحتجاز القسري
بخصوص الموقف من التعذيب ومناهضته ومفهومه قانونا تقول الاستاذة ايمان نصري في هذا الإطار ” يقصد بالتعذيب أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسديا كان أم عقليا يلحق عمدا بشخص بقصد الحصول من هذا الشخص أو من شخص ثالث على معلومات أو اعتراف أو معاقبته على عمل أرتكبه.”
وعن اشكال التعذيب الممكنة تقول الاستاذة نصري أن الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بأذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها واعتبرت هذه الجريمة من الجرائم ضـد الإنسانية وقد أوردت الدساتير الوطنية في نصوصها بمنع جميع أشكال العنف أو التعسف والتعذيب والاحتجاز القسري.”
واعتبرت الاستاذ النصري ” أن قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم ( 23 ) لعام ( 1971 ) أورد نصوصاً متعـددة بهذا المجال منها المادة ( 57 ) التي أعطت الحق للمتهم أن يحضر جميع إجراءات التحقيق والاطلاع عليها . . . والمادة ( 92 ) التي نصت بعـدم جواز القبض على أي شخص أو توقيفه ألا بموجب أمر صادر من جهة قضائية مختصة وفق المادة (109 والمادة ( 127 ) بعـدم جواز استعمال أية وسيلة غير مشروعة للتأثير على المتهم أو للحصول على إقرار منه . . . أما المادة (123) أوجبت أن يستوجب المتهم خلال ( 24 ساعة ) من حضوره وهذا تأكيد لما ورد في النص الدستوري وفق المادة (29 / 13).
القانون الدولي يجرّم التعذيب
كما ذكرت المحامية ايمان نصري بموقف القانون الدولي من جريمة التعذيب والاحتجاز القسري وقالت في هذا الباب ” تناول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام ( 1948 ) وفق المادة ( 5 ) انه لا يجوز إخضاع أحـد للتعذيب ولا المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحط بالكرامة وهو ما أشارت إليه المادة ( 7 ) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية كما أن القانون الإنساني الدولي المتمثل باتفاقيات جـنـيف والبروتوكولين الملحقين بها لعام (1949) فقـد حرمت التعذيب وفق المادة (75) والمادة ( 4 ) اعتبرت ذلك جرائم حرب وجرائم ضـد الإنسانية .