أسبوع في السعوديّة: “إقامة الضيوف”
تركني رفيقي السعودي صاحب السيارة المكتراة بعد أن أوصلني إلى الإقامة المخصّصة لاستقبال الضيوف، قمت بجرّ الحقيبة حتّى استقرّ بي المقام أمام مكان الاستقبال حيث استقبلني موظّف ذو سحنة آسياويّة، لم أحدّدها، كان يتحدّث ويحرّك يديه مخاطبا بعض الأعوان كانوا يلبسون زيّا موحّدا ختمت عليه شعارات خطت عليه تسمية “جامعة نايف”، ابتسم وبادرني بالسؤال ” يا هلا.. يا مرحبا.. تحكي عربي”، كانت لكنة الرّجل ركيكة إلى حدّ بعيد لكنها مستساغة كونه من غير أهل اللغة العربيّة.
أجبته بصفتي ونسبتي وجنسيتي وأعلمته بالمهمّة التي قدمت من أجلها للمملكة وجئت بسببها لـ “جامعة نايف”، أعاد عبارات الترحيب نفسها ونادى أحد الشبّان ذوي الوجوه الآسياويّة المختلفة، كان أصغر سنّا، ربّا يتجاوز العشرين بسنتين أو 3 سنوات لا أكثر، تخاطب معه بلغة لم أفهمها ولم أعلم إن كان هنديّة أم باكستانيّة أم بنغاليّة أم حتّى فليبينيّة، خاصّة وأنّ ملامح الشاب كانت تقول أنّه فليبيني أو هكذا تراءى لي.
هرول الشاب الآسيوي في اتجاهي مطأطأ رأسه موجها نظراته نحو الحقيبة لكني أعفيته برفق، من حملها، واستفسرت عون الاستقبال الذي يبدو أنّه الوحيد الذي يتكلّم بشكل يبدو مفهوما وواضحا نسبيّا، العربية بلهجة السعوديين، استفسرته عن الغرفة أو الجناح الخاصّ بي، مدّ يده إلى إحدى الرفوف الخشبيّة العلويّة، فجذب متاحا مربوطا بحزام أخضر مطبوع عليه تسمية المؤسسة الجامعيّة، سلمني إياه، وقال أنّ زميله سيرافقني إلى الغرفة المخصصة لإقامتي.
فتحت الحقيبة وانطلقت في ترتيبي أغراضي، وضعت بعضها في خزانة صغيرة الحجم، متوسطة الارتفاع، وأحكمت التثبت من جواز السفر وتذكرة الطائرة وباقي أوراقي الشخصيّة، ثم وضعت على الطاولة إلى جانب التلفزيون الصغير الذي يتوسّط الغرفة بعض الأوراق الماليّة والنقود المعدنيّة التونسيّة والسعوديّة، شغلت زر التلفزيون وتفحصت القنوات، ورسوت على “الإخباريّة السعودية”، فنظريّة القرب وأنف الصّحفي كان تدغدغني، خاصّة، وأنّ المؤتمر الذي أحضره من المفترض أن يحظى بتغطية هامّة من قبل إعلام المملكة، أو هكذا اعتقدت.
كانت السّاعة تراوح العاشرة ليلا وبدا الجوّ باردا، استغربت أن يكون هذا البرد القارس في السعوديّة الحارّة، كنت بين الفينة والأخرى أحمل المصحف الشريف بين يدي، أقلب بعض صفحاته أقرأ شيئا من الآيات في هذه السّورة ثمّ أتنقلّ إلى تلك، بقيت زهاء نصف ساعة على الحالة نفسها، قبّلت المصحف ووضعته في مكانه الذي وجدته فيه أوّل دخولي للغرفة مع مسبحة ومنشفة.
كنت أفكّر في شيء ما لم أحدّده بالضبط، حاولت أن أنام، أغلقت عيناي لبعض الدقائق لكن لم ينجح الأمر معي حتّر رنّ بجانبي هاتف الغرفة، رفعت السماعة وانبرى صوت عامل الاستقبال بلغته بلسانه العربي الثقيل: ” كييسس “.. “أو مرحبا نعم معاك فلان.. خير”، “عندك مكالمة…”، “مرحبا تفضّل”، انتظرت قليلا لينساب في أذني صوت تونسي بلهجة فصيحة مليحة ” ألو قيس وينك.. معاك المنصف… مشارك آنا زادة في المؤتمر ومعايا تونسي آخر.. هانا قاعدين لوطى حذا الاستقبال.. هانا قاعدين في الصالة المقابلة.. نستناو فيك”.
“مرحبا سي المنصف دريّجين ونكون حذاكم إن شاء الله”.