خيام ألف ليلة وليلة بمحطّة برشلونة: متعة السّفر: قطار وكتاب
من محطّة القطارات بساحة برشلونة بالعاصمة حيث ترابط الأرتال تطالعك هذه الأيّام “خيام ألف ليلة وليلة” متلألئة بكنوز المعرفة، مكتنزة بروافد الأدب والفكر والعلوم، تظاهرة أضحى لها حسيسها، وصار لها إشعاع ارتسم معالمه وضّاءة، وتعالت في الآفاق، كيف لا “والمسافر على القطار زاده كتاب، وأيّ رفيق أكثر أنس وأقدر إمتاع من كتاب”، خيام انتصبت في ذاكرة روّاد المحطّة وعابري السبيل وأصبح لها وقعها وثقل وزنها بعد أن صارت مشهدا بانوراميّا يوميّا ازدانت به محطّة القطارات.
هذه الساحة لم تعد اليوم فضاء عاديا على صورته السّابقة المألوفة، لم تعد ذاك الفراغ الأجوف مبعثر الصّورة تكتنفه الفوضى التي لم نعد نراها اليوم، لقد حلّت محلّ ذاك الخواء المذموم الزّينة والضياء أنارت قناديلها خيمة الكتب التي أضفت مسحة من الجمال، خيام لها رونق خاصّ يترجم ذوقا رفيعا لأصحابها، اختفت القاذورات والأوساخ التي كانت تغصّ بالمكان، السّاحة هذه السّاعة في حضور الكتاب انتقلت إلى محيط نظيف بيئته سليمة، لقد تحوّل المكان إلى واجهة حضاريّة ومرآة ومنارة في محطة القطارات.
المسافر عبر القطار وقاصد محطّة الأرتال أصبحت له وقفة بل أضحت له وقفة تأمّل مع الكتاب في المحطّة التي أمست فيها خيمة الكتاب، بل الكتاب نفسه أمسى جوهر أحاديث المواطن العادي ولفيف من فئة المثقفين الواسعة، وكذلك أصحاب المسؤوليات الرسميّة على اعتبار التوجّه اليوم في البلاد إلى إرساء ثقافة القراءة وتكريس عقليّة المطالعة.
الكتاب مع القطار قصة واقعيّة هي اليوم حقيقة معاشة، وأنت في محطّة الأرتال يأتيك الكتاب غير بعيد عن موقع انتظارك، هو قريب جدّا من مجلسك، كتاب ينسي عناء الانتظار وتعب السفر الطويل، كتب شتّى تغيّر نظرتك عن امتطاء القطار وتجنبك الأرق والخوف من الإرهاق والقلق من طول السفر عبر السكك الحديديّة، القطار مع الكتاب رواية أخرى، كتب على كلّ جنس ولون وفكر ومجال، كتب في الأدب والإعلام والسياسة والاقتصاد والتّاريخ والجغرافيا وفي العلوم، ومصنفات مختصّة في مسائل شتّى، وأخرى ترنو إلى الأطفال حبوا ومشيا وركضا، تهرول نحوهم محمّلة بالفرح والسرور وبأهازيج الطفولة البريئة وعباراتها العذبة البسيطة.
حضور الكتب بمحطّة الأرتال خلق جوا جديد وبات المسافرون بالقطار على موعد كلّ لحظة مع طبق ثقافي من الغذاء الفكري والرّوحي، طبق مطهّم بكلّ أجناس الكتب وشتى أنواع الأدب والفكر واللغات، حاليا هناك مقترحات بتعميم “خيام الكتب” على جميع محطّات القطارات بسائر أرجاء الجمهوريّة، اليوم الكتاب والقطار والسكّة الحديديّة مشروع متكامل ينتظر حرفاء القطار أن يشمل محطات كبرى على غرار صفاقس وقابس ومنوبة، واكتساح الكتاب للقطار، ليصبح كتاب لكلّ مسافر.
هو مشروع نموذجي ومبادرة ستخدم لا محالة كنه الثقافة في البلد وسيكون أثرها إيجابي لتواصل إحداث النقلة النوعيّة على السفرات عبر الخطوط الحديدية، البرنامج ينتظر أن يشمل كل الفئات والأعمار وجميع المستويات بما يجذّر عقليّة المطالعة ويكرّس ثقافة الاطلاع والتثقيف وتنمية الملكة الفكرية لدى التونسيين عموما.
مقترحات ومبادرات ننقلها إلى المسؤولين في مجالي الثقافة والنّقل وخاصّة النّقل عبر السّكك الحديديّة من أجل التشجيع على مثل هذه المشاريع الوطنيّة الهامّة في مجال الثقافة، مسؤولين ينتظر منهم تقديم التشجيع المادّي والمعنوي لأصحاب هذه المشاريع والمبادرات، مطالب يرفعها العديد من أصحاب الرأي ورجالات الثقافة وأيضا من مكونات المجتمع المدني التونسي لدعم ومرافقة هذه المشاريع التي يعتبرونها حصنا للتونسي خاصّة من مظاهر التطرف والمغالاة وكذلك طريقا للمعرفة والتعلّم واستنارة العقول.