الإستثمار في “الإقتصاد الأخضر”.. هل تكون حكومة الشّاهد على الخطّ
يؤكّد خبراء في مجال التّنمية الصناعية والمناجم والتّحكم في الطاقة أنّ حكومة يوسف الشّاهد ولا بدّ ستولي مسألة الاستثمار فيما يعرف بـ”الاقتصاد الاخضر” الأهميّة اللاّزمة فيما كشف خبراء لوسائل إعلام أجنبيّة مؤخّرا أنّه من المتوقّع أن يطرح مستشارو القصبة الاقتصاديين على الشّاهد ضرورة إدراج الاستثمار في الطاقات النظيفة والبديلة والمعروفة اختصارا بـ”الطاقة الخضراء” ليكون في مركز اهتمام ما تبقّى من عمر المخطّط التّنموي الاستراتيجي في مرحلته الأولى التي تنتهي بموفي عام 2020.
ويرى عديد المتابعين من رجال الأعمال والفاعلين الاقتصاديين والسّياسيين الحاجة الأكيدة لجعل “الاستثمار الأخضر” من العناوين الكبرى خلال أشغال المؤتمر الدولي المرتقب للاستثمار بتونس (29 و30 نوفمبر 2016).
ويشار في البداية إلى أنّ التقرير الأوّل حول سياسات “الاقتصاد الأخضر” في تونس قد كشف أنّ اعتماد مقاربة هذا النوع من الاقتصاد على مستوى صناعة القرار أو الإدارة أو التخطيط في بلادنا بأسلوب وصف بـ “المحتشم”، هذا التقرير تمّ عرضه يومي 21 و22 من شهر أكتوبر 2014 وقد اعتمد على 3 عناصر رئيسيّة تتلخّص في “المردوديّة الاقتصادية” و”التنمية المستدامة” والاندماج الاجتماعي”.
“التشغيل الأخضر” (300 ألف موطن شغل)
أوضح خبير البيئة والتّنمية المستديمة عادل الهنتاتي خلال ندوة صحفية أن تجربة الاقتصاد الأخضر يمكن أن توفر300 ألف موطن شغل في ميدان الطاقة البديلة وفي مجال الخدمات البيئية كالتصرّف في النفايات وفي الزراعة البيولوجية، لافتا إلى أنّ هذا النّوع من الاقتصاد يُعتمد في اغلب بلدان العالم للتّخفيض من نسبة البطالة ويحافظ في نفس الوقت على الموارد الطبيعية ويساهم في تقليص نسبة الفقر ويحسن الظروف الاجتماعية للمواطن.
من جانبه، أكد المختصّ في مجال التخطيط الاستراتيجي والتنمية المستديمة فوزي حمّودة أنّ “الاقتصاد الأخضر” يمثل مخرجا وفرصة لتصحيح المسار الاقتصادي في مجال التنمية المستديمة مشيرا إلى أنّه يضمن بأريحيّة توفير نسبة 10 بالمائة من فرص التّشغيل، ودعا إلى تأسيس مرصد للاقتصاد الأخضر من أجل التّعريف بالإنجازات وإبراز النّجاحات المحقّقة مطالبا المعهد الوطني للإحصاء بأن يدرج عنوانا اسمه “التّشغيل الأخضر” من أجل معرفة مواطن الشّغل التي يوفرها هذا النّوع من الاقتصاد كل سنة.
وأجمع خبراء تونسيّون في قطاع الطاقة الخضراء والنّظيفة، من بينهم الخبير فوزي حمّودة، على أنّ جميع التّجارب في مجال الطّاقة المتجددة تدل على وجود فرص عمل لتشغيل الشباب التونسي ولخلق ثروات من أجل النهوض بالبلاد ملاحظا ان الاقتصاد التونسي في حاجة كبيرة للتشغيل وللتنمية مشيرا الى ان التخفيض من نسبة البطالة يمكًن من تحسين الوضع الحالي للبلاد.
كما تؤكّد بعض الدّراسات والتوقّعات الرّسميّة أن الاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الاخضر ستعزّز بنسبة عالية الدّعم الموجّه للفلاحة البيولوجية والسياحة الايكولوجية والمستدامة والصّناعات الخضراء، حيث رجّحت بعض المصادر أنّه بالاعتماد على الاقتصاد الأخضر سيتضاعف النّاتج الدّاخلي الخام تدريجيا حوالي 16 مرّة مقارنة بالنّاتج الداخلي الخام الحالي وذلك خلال موفي سنة 2050.
“ميثاق من أجل تونس خضراء
أمضي ميثاق “من أجل تونس خضراء” يوم 05 نوفمبر 2014 بين كلّ من وزارة الفلاحة وكتابة الدّولة للتّنمية المستدامة والاتحاد التونسي للفلاحة والصّيد البحري والنقابة التّونسيّة للفلاّحين وكنفدراليّة المؤسسات المواطنة التّونسيّة، والذي من أبرز أهدافه الثلاثة الكبرى التي صيغ من أجلها الميثاق “تشجيع الاقتصاد الأخضر والتشغيل الملائم للبيئة في القطاع الغابي”.
ويرمى “الميثاق” من جملة ما يرمي إليه من أهداف تطوير ثقافة الاقتصاد الاخضر المندمج في إطار تشاركي وتفاعلي بين كل الاطراف خاصة وأن تونس تمضي في طريق إعداد مخطط تنموى جيد يرغب الجميع في أن يكون ناجحا ويبتعد قدر الإمكان عن دائرة الفشل الذي تكابده جلّ القطاعات خاصّة في مجالات الصناعة والطاقة والمناجم منذ أحداث الثورة ممّا أدّى إلى هبوط حادّ ومتواصل في المؤشرات لعامّة للاقتصاد التّونسي برمّته.
ويتساءل متابعون من أهل الاختصاص والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين مستفسرين عن الأشواط التي تمّ قطعها والإنجازات التي تمّت في نطاق تنفيذ بنود الميثاق، وإلى أيّ حدّ تجسّدت على أرض الواقع، دافعهم في تساؤلاتهم الجدوى التي بالإمكان تحقيقها عبر توظيف واستغلال مقومات الاقتصاد الأخضر في المحافظة على النّظم الايكولوجية للغابات والمراعي وإدارتها على نحو مستدام في خلق الثّروات وإحداث مواطن الشّغل الجديدة بما من شأنه أن يساهم بشكل فعّال في دفع نسق التّنمية الاجتماعية والاقتصادية لبلادنا.
الندوة الدّولية حول “الاقتصاد الأخضر” بتونس
في إطار متابعة نتائج مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستديمة ريو +20، المنعقد بريو دي جينيرو من 20 إلى 23 جوان 2012 انتظمت يوم 26 فيفري 2013
بتونس وبالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ندوة تونس الدولية حول خارطة الطريق الوطنية “ريو+ 20” وذلك بمشاركة ممثلي المبادرة الدولية حول الاقتصاد الأخضر وثلة من ممثلي المجموعات والبلدان شركاء تونس في التنمية وعلى رأسهم الإتحاد الأوروبي.
وقد تضمّنت أشغال النّدوة حلقة حوارية كبرى حول الاقتصاد الأخضر بمشاركة المختصّين وشركاء تونس للتنمية من البلدان الصديقة ووكالات التعاون المختصّة والمؤسسات المالية الدولية والأوروبية على غرار البنك الأوروبي للاستثمار والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية حيث توّجت الحلقة بجملة من التوصيات والتعهّدات والاتفاقات لتعزيز مجهود تونس في الاعتماد على الطّاقة الخضراء بما يخفّف الضغط بنسبة كبيرة على استهلاك المحروقات والطاقات النّاضبة والملوّثة بمختلف أنواعها.
ويشير تقرير تونس الذي عرض في مؤتمر ” ريو +20 ” الى أن من جملة متطلبات الاقتصاد الأخضر تعزيز الطاقات المتجددة، وضمان كفاءة استخدام الطاقة، وإعادة رسكلة النفايات، فضلاً عن تقوية قطاع الزّراعة العضوية، والحد من التلوث الصناعي، والارتقاء البيئي بالمؤسسات.
وتوقع التّقرير تعزيز قطاعات استراتيجية جديدة للاقتصاد الأخضر، تعتمد تقنيات مستحدثة وإجراءات مختلفة على الصّعيد الوطني، في مجال الحوافز الضريبية لتشجيع الاستثمار الخاص ودعم الاقتصاد الأخضر.
ويعود استخدام الطاقة المتجددة في تونس أو ما يصطلح عليه بـ “الاقتصاد الأخضر” إلى بداية التّسعينات، حيث تركّز الاهتمام على استغلال طاقة الشمس والرّياح والغاز الحيوي، وانخرط صناعيّون منذ سنة 2000 في صناعة سخانات المياه والبطاريات الشمسية، وتعتزم تونس بحلول سنة 2030 أن تولّد 1.67 “جيغاواط” من الطاقة الشمسية.
وأخيرا وليس آخرا تبقى فرصة كبيرة سانحة أمام يوسف الشاهد وحكومته للنظر والبتّ مليّا في مسألة وضع “الاستثمار الأخضر” على درجة عليا في سلّم الأولويّات، لا سيما في ظلّ ارتفاع سقف حاجيات البلاد التونسية من الكهرباء باعتماد الطاقات المتجددة في سنة 2020، فهل تذهب حكومة الشّاهد في طريق دفع الاقتصاد الاخضر وتضمينه صلب الوثيقة التوجيهية لمنوال التنمية القادم، وبما يستجوبه ذلك من ترشيد استهلاك الطاقة وتطوير النسيج الصناعي في القطاعات الخضراء؟؟؟