الخبز المدعّم: التبذير يكلّف 100 مليون دينار سنويّا والحبوب ومشتقاتها مدعّمة بنحو887 مليون دينار
سرت هذه الأيّام أخبار أدرجتها جهات رسميّة في عداد “الإشاعات” تهمّ “زيادات” من المزمع الشروع في العمل وفقها فيما يتعلّق بأسعار “الخبز” بكلّ أنواعه، هذه الأخبار التي فتحت الباب لتناول مسألة لا تنفصل عن هذا الخصوص، والمتمثّلة بالخصوص في استشراء ظاهرة تبذير “الخبز الاستهلاكي”، والذي هو في أصله يدخل تحت طائل دعم الدّولة.
عادة غذائيّة للتونسيين
يشكّل الخبز مكونا محوريا في العادات الغذائية للتونسيين اذ تشير العديد من الاحصائيات الى ان الفرد الواحد ينفق حوالي 50 دينار في استهلاكه للخبز، وتحتل تونس مرتبة متقدمة على صعيد عالمي في استهلاك الحبوب.
ويعد الخبز من المواد الخاضعة لدعم الدولة، ووفق احصائيات فان كميات كبيرة من الخبز يتم تبذيرها وللحد من هذه الخسائر سينطلق قريبا تنفيذ خطة وطنية للحد هذه السلوكيات اذ تصل الكميات التالفة الى ما يناهز 700 ألف خبزة يوميا بين خبز كبير وباقات بقيمة تناهز 300 ألف دينار أي بقيمة 100 مليون دينار سنويا، وفق معطيات أوردها المعهد الوطني للاستهلاك.
وأرجع “المعهد” تنامي ظاهرة “تبذير الخبز” إلى اقتناء العائلات والفضاءات العمومية والنزل والمستشفيات والمطاعم الجامعية وغيرها، لكميات تفوق الحاجيات الاستهلاكية وعدم اعتماد الطّرق الملائمة لحفظ الخبز.
كما فسر المعهد هذا الإسراف بنقص في تشخيص إمكانيات إعادة استعمال هذه المادة خاصة في مجال الطبخ إلى جانب إنتاج المخابز لكميات تتجاوز قدراتها التسويقية مع قبولها باستعادة بقايا الخبز “البايت” في معاملاتها مع التجار.
خطط حكوميّة
شرعت السلطات التونسية منذ مطلع 2014 في تطبيق خطة وطنية للحد من ظاهرة تبذير الخبز بعد أن أكدت الأرقام والإحصائيات الرسمية أن الفارق بين إنتاج الخبز والاستهلاك مقدر سنويا بنحو 107 ملايين دينار تونسي (نحو 66.8 مليون دولار) من الخسائر السنوية يلقي بها المستهلك التونسي في القمامة.
ولتنفيذ هذه الخطة، تشكلت وقتها لجنة حكومية لقيادة حملة وطنية للحد من تبذير الخبز، وهي تهدف إلى تعميق الوعي بالأبعاد الثقافية والصحية لترشيد استهلاك الخبز وتكثيف البحوث العلمية حول الأساليب الملائمة لاستعمال بقايا الخبز خاصة في إعداد وجبات غذائية أخرى.
وأعدت وزارة التجارة والصناعات الغذائية التونسية في مستهل 2015 برنامجا للتوعية يقوم على ومضات ومطويات إلى جانب عقد لقاءات تثقيفية حول محلات استخدام الخبز وكيفية تعويض ما يحصل عليه المستهلك من منافع صحية عبر اللجوء إلى مواد غذائية تعويضية.
الحبوب ومشتقاتها مدعّمة بنحو887 مليون دينار
تستورد تونس قرابة 80 في المائة من حاجاتها من القمح اللين، وتستحوذ واردات الحبوب لوحدها على 51 في المائة من الواردات الغذائية، ويكلف استيراد الحبوب البلاد سنويا نحو 1300 مليون دينار، إذ تورد تونس سنويا معدل 10 ملايين قنطار من القمح اللّين والقمح الصلب حيث قدر معدّل وارداتها سنوات 2013 – 2014 – 2014 بنحو 15 مليون قنطار من الحبوب لسد العجز الحاصل على مستوى الإنتاج المحلي.
وحسب أحدث الإحصائيات التي قدّمها للمعهد التونسي للإحصاء حول منظومة الدعم، فإن نفقات الدعم الموجه للمواد الغذائية في تونس مقدرة هذه السنة بنحو 1350 مليون دينار تونسي، منها 887 مليونا للحبوب ومشتقاتها فقط (وهذا المبلغ لم يكن يتعدى 447 مليون دينار سنة 2007).
ويعد الخبز من المواد الاستهلاكية الأساسية التي حظيت بدعم الدولة منذ الاستقلال، إذ إن الخبز من الحجم الكبير يباع إلى المستهلك بسعر لا يتجاوز حدود 230 مليما في حين أن كلفته الحقيقية مقدرة بنحو 470 مليما (الدينار التونسي يساوي ألف مليم).
وإذا كان الدعم المقدم من قبل أجهزة الدولة 240 مليما لكل خبزة يستهلكها التونسي، فإن حجم الدعم في الخبز يصل إلى حدود 80 ألف دينار تونسي في اليوم الواحد، أي مليارين و400 ألف دينار تونسي شهريا، وهو ما يقارب 29 مليون دينار سنويا، هذا مع إضافة مبلغ 107 ملايين دينار تونسي نتيجة تبذير مادة الخبز المدعوم.
ووفق تصريحات رئيس الغرفة التونسية لأصحاب المخابز “محمد بوعنان” فإن أحد أسباب ازدياد حجم الخبز “البايت” الذي غالبا ما يلقى به في القمامة أو يوجه جزء منه للاستهلاك الحيواني، هو تكاثر المخابز العشوائية التي لا تلتزم بأي معايير في الإنتاج أو التسويق وهو ما أدى إلى تراجع مبيعات المخابز المرخص لها قانونيا بنسبة 70 في المائة من مبيعاتها وهذا الأمر انعكس على كمية الخبز الذي لا يباع يوميا.
وتتركز المخابز العشوائية خاصة في تونس الكبرى حيث يقدر عددها بـ 500 مخبزة في ولايات تونس الكبرى الأربع مقابل 220 منتشرة في مدن أخرى بما يعني أن عددها الإجمالي يصل إلى مستوى 720 مخبزة عشوائية مقابل 3200 مخبزة يملك أصحابها بطاقة مهنية وهي تشغل نحو 26 ألف عامل.
وفي تصريح للكاتب العام للجامعة العامة للصناعات الغذائية “الحبيب رجب”، أكّد فيه أنّ الدولة لا تسمح باستخدام مادة الفارينة المدعمة إلا في إنتاج “الخبز الكبير” و”الباقات” وهو ما يعني أن إعداد بقية أنواع الخبز باستعمال الفارينة يعد مخالفا للقوانين لا فتا إلى أنّ أصحاب محلات المرطبات ومصانع البسكويت يعمدون إلى الاستفادة من الفارينة المدعمة قصد الضغط على التكاليف وتحقيق المزيد من الأرباح.
(5.5 مليون خبزة) استهلاك التونسيين سنويّا
تفيد أرقام المعهد التونسي للإحصاء أن استهلاك الفرد من الخبز يوميا في حدود “نصف خبزة” بما يعادل 183 خبزة سنويا أما الاستهلاك الإجمالي للتونسيين فيصل تقريبا إلى 5.5 مليون خبزة يوميا.
وفي دراسة أعدها المعهد الوطني للاستهلاك تحتل تونس المراتب الأولى عالميا في استهلاك الحبوب بـ180 كلغ للفرد الواحد في السنة مقابل معدل عالمي لا يتجاوز 123 كلغ للفرد في السنة.
وتؤكّد بعض المصادر أنّه على الرغم من ضغط صندوق النقد الدولي على تونس من أجل ترشيد منظومة الدعم ورفع الكثير من أشكال الدعم على المواد الاستهلاكية، فإنها لم تغامر بالزيادة في أسعار الخبز وأبقت عليها كما هي تحسبا لردود فعل احتجاجية قد تكون عنيفة وغير محسوبة العواقب.
وللتونسي حكاية مع الخبز فأكبر ثورة اجتماعية احتجاجية حدثت في شهر جانفي 1984 كانت بعد الإعلان عن مضاعفة أسعار الخبز من 80 مليما آنذاك إلى 160 مليما دفعة واحدة وهو ما حدا بالرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة إلى التراجع عن قرار الترفيع في الأسعار بعد سلسلة من الأحداث الدامية.