الإستثمار : هل أمسى الطّبق الرئيسي على طاولة حكومة الشاهد
يبدو أنّ يوسف الشاهد وفريقه الوزاري حوّل دفّة السفينة ناحية الاستثمار موجّها في الوقت نفسه، وعبر مناهج دبلوماسيّة و”علائقيّة” موسّعة في الدّاخل والخارج، اهتمامات المستثمرين الأجانب والتونسيين لشدّ الرّحال إلى الوجهة التونسية، بل وحفزهم على إعادة الثقة الكاملة في تونس التي أضحت تحتكم على مناخ تسعى هذه الحكومة ليكون متوفّرا على كلّ عناصر السلامة والأمن والنّجاح.
ويبدو أيضا أنّ تركيز حكومة الشاهد على ضرورة تحويل نافذة الاستثمار إلى بوابة مفتوحة إلى مصراعيها تمكّن من جلب المنافع والخيرات إلى البلاد التي أنهكتها ظروف ما بعد الثورة والتي خلفت تركة ثقيلة كان لها الوقع السلبي على الاقتصاد مثله مثل المجتمع مما تسبّب في اهتزاز الثقة لدى المستثمرين، الأمر الذي أفضى إلى غلق عديد المؤسسات الحيويّة وهجرة بعضها الآخر، إلى جانب تعطيل عمل بعض المؤسسات الأخرى.
لذلك بدا من المنطقي جدّا، وبأسلوب فيه ذكاء ووعي بمتطلبات المرحلة الدقيقة التي تمرّ بها البلاد، أن يكون الاستثمار هو المفتاح الحقيقي بيد الشّاهد، والذي يفترض بل يتحتّم حيازته لفتح الآفاق ليس فقط من أجل تسجيل نقاط سياسيّة إيجابيّة وإنّما لفتح آفاق فعليّة أمام الاستثمار الوطني ونظيره الأجنبي ليشمل كلّ القطاعات ويعمّ جميع جهات الجمهوريّة، وخاصّة الجهات المحرومة، والمصنّفة “ذات الأولويّة”.
يتساءل عديد المتابعين والخبراء عن السرّ الدفين بين “الشّاهد” وبين “الاستثمار، وقد نشرت مقالات حملت تحليلات وتعليقات وأيضا تأويلات كثيرة إزاء هذه العلاقة، وحول مسألة علاقة رئيس الحكومة الشاب بعديد المستثمرين سواء منهم التونسيين أو الأوروبيين أو غيرهم من المنتمين إلى دول شقيقة وصديقة، وهنا تكمن حقيقة تأثير الرّجل من عدمه في نسج علاقات شخصيّة ودبلوماسيّة تمكّن في نهاية المطاف تونس وشعبها من استجلاب الخيرات وخلق مواطن الشّغل بالكثافة والكيفيّة اللاّزمتين.
مؤتمر الاستثمار المرتقب العصفور النّادر لحكومة الشاهد
حكومة “الشّاهد” في ضوء المعطيات الدقيقة الراهنة تسعى، دون ادخار جهد، إلى اقتناص فرصة استضافة المؤتر الدولي للاستثمار المفترض أن تحتضنه تونس يومي 29 و30 نوفمبر القادم باعتباره فرصة لا تعوّض من أجل اجتذاب أو بالأحرى دفع المستثمرين الأجانب للمراهنة على تونس والاستثمار فيها دون تردّد أو تخوّف خاصّة من الوضع الأمني.
“الشاهد” يدرك جيّدا أنّه مطلوب من حكومته ضبط القطاعات الواعدة و”تعبئة الموارد الماليّة اللاّزمة لتنفيذ المشاريع الاقتصادية والتنمويّة الكبرى”، يدرك أنّ الأمن والاستقرار هو ضرورة ومن الأبجديّات البسيطة التي يقوم عليها الاستثمار النّاجح الذي يطلبه ويرغب فيه كلّ مستثمر ينتظر أن يستثمر في تونس ويأمل ألا يلقي بأمواله هباء.
لذلك فما على هذه الحكومة سوى إرساء تعاون جدّي وبنّاء، هذا الذي يجب وبالضرورة أن يبنى على قاعدة تقييم مناخ الأعمال الرّاهن، والعمل على توفير كلّ متطلباته وإرساء جميع مقوّماته النجاح، بالتوازي مع تذليل كافّة العقبات حتّى تكون تونس فعلا وجهة اقتصاديّة آمنة تسمح بتنفيذ البرامج والمشاريع الاستثمارية في مناخ سليم بضمانات كاملة.
ونجدّد التّذكير في هذا الصّدد مسألة حرص الحكومة الحاليّة على “حلّ أزمة بتروفاك”، هذا الموضوع الاجتماعي الاقتصادي الذي كتبت فيه عناوين كثيرة من أبرز دلالاتها حرص الشّاهد على كسب رهان الاستثمار المقترن بالتشغيل، وأيضا عدم تفويت الفرصة على جلب مستثمرين أجانب، بمعنى أنّ حكومة الشّاهد قدّمت تنازلات فعليّة من أجل منع مغادرة الشركة نهائيّا للتراب التونسي بما يجعل الفرصة سانحة لاستغلال المؤتمر الدولي، وذلك عبر بعث رسالة للضيوف المستثمرين بأنّ تونس ليست جرداء كما يذهب في ظنّ البعض وأنّها أرض خصبة ينمو فيها الاستثمار ويترعرع كذلك.
إعادة فتح السفارة السويدية: رسالة طمأنة ومؤشّر استقرار
يرى العديد من متابعي الشأن العام في تونس أنّ إعادة فتح سفارة المملكة السويديّة في تونس أيّام قليلة قبيل انعقاد الندوة الدوليّة للاستثمار يحمل في طياته رسائل منها السياسيّة ومنها فوق ودون ذلك، أهمّها أنّ تونس اليوم فيها أمن وبها استقرار، وهي تفتح أبوابها على مصراعيها إلى أشقائها وأصدقائها.
السفارة السويديّة التي أغلقت أبوابها في أحداث الثورة جراء اضطراب الوضع في البلاد أعادت فتح أبوابها أمام رعاياها وأمام الجالية التونسيّة بالسويد، هذا الحدث الذي يعدّ أيضا رسالة مشفّرة لبقيّة البلدان الإسكندنافية ، وهي تباعا “االنرويج” و”الدنمارك” و”فنلندا”، والتي بجلب انتباه مسؤوليها بأنّ تونس بلدج يطيب فيه المقام والاستثمار فذلك لعمري مجلبة للخيرات ولمنافع ماليّة واقتصاديّة وتجاريّة وسياحيّة خاصّة بالنظر إلى ما تتوفّر عليها تلك الدول منن قوة اقتصاديّة وماليّة وثقافيّة بالإمكان الاستفادة منها على أوسع نقاط.
لهذا لم يفوّت “يوسف الشّاهد” مجاراة الحدث وتوظيفه التوظيف الذي يستجيب لطموح حكومته، حيث استقبل في غمرة هذه التطورات وزيرة الخارجيّة السويديّة “مارغوت والستروم” التي جدّدت حرص بلادها على مساندة تونس ومرافقتها في مسار تجربتها الديمقراطيّة ودعمها في الخطوات التي تخطوها من أجل تخطّي الظرف الاقتصادي الصعب، مؤكّدة أنّ السويد ستشارك بوفد هامّ .وأنّها ستسعى من جانبها إلى مزيد توثيق العلاقات الدبلوماسية مع تونس في الاتجاهين السويدي وتحت مظلّة الإتحاد الأوروبّي بما يعمّق عرى هذه الشراكة خاصّة في ما يتصّل بمجال الاستثمار.
التبادل الحر بين تونس والاتحاد الأوروبي: عودة المفاوضات قبل نهاية 2016
ذكرت مصادر رسميّة مطلعة أن الجولة الثانية من المفاوضات حول اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمّق بين تونس والاتحاد الاوروبي من المنتظر أن تنعقد بالعاصمة البلجيكية بروكسال في شهر نوفمبر أو ديسمبر 2016.
ومن المتوقع حسب نفس المصادر أن تكون الدراسات التقييمية التي هي بصدد الانجاز حاليا او المتعلقة بنتائج اتفاقية الشراكة بين تونس والاتحاد الاوروبي لسنة 1995 وكذلك المتعلقة بتقييم انعكاسات تحرير تجارة المنتوجات الفلاحية ودراسات تحليل الفوارق في مختلف المجالات التي يغطيها اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق، من المتوقع ان تكون جاهزة قبيل الشروع في هذه الجولة الثانية من المفاوضات لتحرير قطاعات جديدة وهي الفلاحة والخدمات والاستثمار وحتى تكون مرجعا لفريق المفاوضين توجههم نحو اهم النقاط التي يجب التعمق فيها عند مباشرة المفاوضات من جديد نهاية هذا العام.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الجولة الاولى للقراءة المشتركة والمعمقة لمشروع “الأليكا” الذي كان قد انطلق ببادرة من رئاسة الحكومة التونسيّة التي اعتمدت على تمش جديد يعتبر المفاوضات وسيلة يجب ان تنبثق عنها اتفاقيات تخدم مصلحة البلاد اليوم وغدا. كما يرسخ مبدأ تشريك المجتمع المدني في ضبط الخيارات الاستراتيجية للبلاد وفي اعداد تصور مشترك تلعب فيه كل الأطراف المعنية دورها.
وفي هذا الإطار سبق وأن تم تنظيم لقاء مع ممثلي المجتمع المدني وخبراء وسياسيين سابقين خلال سنة 2016، والذي من المزمع أن يتعزز في الفترة القادمة بلقاءات مشاورات جهوية في نطاق عدة ورشات ستغطي كامل أنحاء البلاد بمشاركة ممثلي المجتمع المدني لتمكينه من التعبير عن مشاغله حول المفاوضات وترسيخ المقاربة التشاركية التي أعلنت الحكومة الحاليّة في اعداد مفاوضاتها لإرساء مشروع الاتفاق الشامل والمعمق بين تونس والاتحاد الأوروبي.