“آخر الطبّ.. الفنّان الهادي التّونسي”
كثر الكلام حول حادثة إهانة الفنّان الشّعبي “الهادي التّونسي”، والتي كان “بطلها ” أحد “الممرّضين” مع التحفّظ على صفته المهنيّة والأخلاقيّة، ركّز كلّ من الإعلام والرأي العامّ في تونس على هذه الواقعة التي أقلّ ما يمكن أن ننعتها به أنّها “لاإنسانيّة” ومشينة، الحادثة أثارت حفيظة التونسيين والتّونسيّات وكأنّها سابقة في البلاد أو كأنّ الفنّان، هو الضحيّة الأولى، وهو مجانب للواقع الأسود لمنظومة صحيّة تعاني العلل وتكابد الأسقام.
هذه الحادثة تجرّنا لكشف عورات كثيرة ابتليت بها منظومتنا الصحيّة، لا سيما بعد الثورة، مستشفيات ومؤسسات صحيّة عموميّة هي بطبعها مريضة وحالتها حليلة، لا تجهيزات، ولا أطبّاء عامّين ولا مختصّين موجودين بالشّكل المطلوب، ولا أخلاق تصلح من حرّاس (سوجيقارد) بانديّة تصرفاتهم غير مراقبة، وقفت على العديد من تجاوزاتهم ضدّ المواطنين والمرضى، و”سخّنلي جيبي” و”امشيلي والدّنيا شهيلي”..هذه الحمّى التي تأخذنا مع كلّ حالة إنسانيّة تحلّ بها كارثة وترسل بصاحبها إلى عالم الغيب.
ليس غريبا أو عجيبا ما يحدث للتونسي الذي قهرته ظروف الحياة ودفعته صحته المتهلهلة إلى طلب المعايدة ممن يزيد في تعكير وضعه ويؤدّي به إلى هلاكه، ولسائل أن يتساءل كم من الأموات في القبور ذهبوا هكذا “سبهللا” نتيجة الإهمال والأخطاء الطبيّة، فهذا التونسي المغلوب على أمره من طبقات الله المعدمة الفقيرة هو “فئران التجارب”، وكم من طفل أو امرأة أو شيخ أو حتّى كهل صحته تفوق البغل دخل مؤسساتنا الصحيّة على ساقين كالجمل، فهذا خرج على نقّالة والآخر على كرسيّ متحرّك والثاني حملته العائلة المكلومة في صندوق خشبيّ إلى حيث شاء الله.
موضوع مؤسساتنا الاستشفائية العموميّة هو أهمّ المواضيع على الإطلاق، وحريّ بالسلطات التّونسيّة في أرفع مستوياتها متابعته متابعة متواصلة ولصيقة واعتبار التعدّي على صحّة المواطن جريمة خطيرة مثلها مثل “الإرهاب”، وهي في الحقيقة لا تختلف عنه، فأن تأخذ صحّة البشر أو حياته كلاهما واحد ولا فرق بينهما، وزارتا الصّحة والدّاخليّة ومؤسسات الإشراف العليا إلى جانب السلطتين التشريعيّة والقضائيّة عليها جميعها أن تولي هذا الأمر الأولويّة القصوى التي يستوجبها أكثر من أيّ وقت مضى.
“الصحّة لا تعوّضها كنوز الدّنيا.. التونسي مسكين.. والله غالب هاذي بلادنا، وإن شاء الله يكون الهادي التونسي الدرس والعبرة التي تستوجب الاتعاظ بها”.