في ذكرى الجلاء
بحر هادر من الشّعب يهتف ” بني وطني يا ليوث الصّدام وجند الفداء. نريد من الحرب فرض السلام وردّ العداء…وعن ثغر بنزرت نبغي الجلاء، فلسنا نعيش ونحيا سدى.. فمغربنا يا فرنسا غدا ينادي الجلاء الجلاء”، ارتعدت فرائص جند المستعمر الغاصب، وفغرت أفواه العملاء، نادى المنادون مزمجرين غير مهادنين بوطن كامل حرّ مستقلّ غير آبهين لا بقوّاد ولا صبايحي ولا بعين رقيب، ولا خائفين لا من سجون ولا تعذيب ولا من رصاص الرّدى.
بلغت القلوب الحناجر وجفّت الحلوق ولعلع رصاص العدوّ وتكلّمت بنادق السّفهاء، انتثرت دماء الشّيب والشباب والأطفال والكهول والنّساء، ومزّقت الأجساد فانساب الدّم قانيا مهراقا فكان بلسما بالغ النّقاوة زاد الأرض طهرا وشفاء، وارتقت أرواح الشّهداء إلى بارئها معلنة نصرا مبينا على الغاصبين الغافلين الجهلاء، فتقبّلهم ربّهم قبولا حسنا وأنبتهم نباتا حسنا، وكذلك يجزى الوطنيّون الأحرار من الرّجالات الفضلاء.
هرول جنود الباطل إلى بواخر البغي والفرائص ترتعد، وجوههم مغبرّة مصفرّة عليها قترة يحسبون كلّ صيحة عليهم، أصابهم الذلّ والهوان من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون، حملوا متاريسهم ومتاعهم وحقائبهم كأنّها حطام أو كأنها أعجاز نخل خاوية، غادر العساكر الغرباء وتركوا ما استحوذوا عليه من عقار وديار وتركوا غصة في حلق كل تونسي على حرمة وطنه يغضب ويغار.
أفلت شمس النهار وغابت سفن القهر متوارية عن الأنظار وصدحت في الآفاق أناشيد ونغمات وترانيم كلها غنّت للخضراء، إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر…نموت نموت ويحيا الوطن”.
هنيئا لك يا تونس العزيزة بكل فارس مغوار وهب نفسه ونذر ماله ليذود عن الديار.