الكهرباء والغاز في تونس: بين الإنقطاع والإهدار ومديونيّة بالمليارات، المواطن يدفع الفاتورة باهضة
انقطاعات متكرّرة في منظومة التزود بالكهرباء استفزّت مؤخّرا قطاعات واسعة من المواطنين انضافت إلى ظواهر أخرى أثارت هي الأخرى سخط التونسيين، من ذلك أنّ فوانيس التّنوير العمومي “تشتعل” تضيء واضحة النّهار وتنطفئ ليلا أو تشتعل على مدار الساعة، هذا الأمر رصده الكبار والصّغار في البلاد.
حملات توعويّة وتحسيسيّة موجّهة للمواطن لم تلتزم بها المصالح الرسميّة المعنيّة التي كان حريّ أن تعطي المثال للمواطنين، فكانت هذه الجهات هي أوّل من يساهم في إهداء الطّاقة الكهربائيّة سواء لغفلة أو لعدم مسؤوليّة، الأمر الذي يتسبّب في كلّ مرّة في كارثة من نوع أموال طائلة يجبر التونسيّون على دفعها ضمن فواتير الكهرباء والغاز اضافة إلى الانقطاعات المتكرّرة للنور الكهربائي المنزلي التي يخلفها سوء استغلال الكهربائي لأغراض عامّة.
الحاجيات الوطنية؟؟
تعتبر تونس من الدول الرائدة في مجال تغطية حاجياتها من الطاقة الكهربائية حيث تجاوزت نسبة التغطية 95 بالمائة، وقد قامت الشركة بتركيز وحدات انتاج كهربائية أخرى لدفع انتاج الطاقة الكهربائية منها اثنتان بسوسة دخلتا حيز العمل الفعلي في سنتي 2014 و2015.
من ناحيتها وافقت سلط الاشراف على إحداث محطة ذات دورة مزدوجة ثنائية المحور تبلغ قدرة انتاجها 450 ميڤاواط وقد وقع الاختيار على مدينة رادس عوض عن قلعة الاندلس وذلك لتفادي الاضطرابات عند أوقات الذروة مستقبلا.
حرفاء بالملايين
استنادا إلى المؤشرات والتقديرات الإحصائيّة الصّادرة خلال السنوات الأخيرة فإنّ عدد المشتركين في شبكة توزيع الكهرباء في تونس بلغ حوالي 3 ملايين و384 الفا و489 حريفا فيما يصل عدد المشتركين في شبكة توزيع الغاز الطبيعي 642 الفا و664 حريفا، هذه النسب التي ما تنفكّ تتصاعد بشكل دوري ويومي.
عجز طاقي
حاليّا يدفع المواطن فواتير ضخمة ومبالغ فيها نظير استهلاك الكهرباء والغاز، حيث يرجع الخبراء تفاقم الدّيون الكبرى المتخلّدة بذمة “الشركة التونسية للكهرباء والغاز” إلى التسيّب والإهمال وإهدار المال العام وعدم مراقبة هذا القطاع من قبل الأجهزة الرقابية للدولة والبنك المركزي وإدارة الأداءات لهذا قطاع.
ويعزى العجز الطاقي في تونس الذي وصل إلى مبلغ 3 آلاف و700 مليون دينار (3700 مليار) إلى فشل وزارة الصناعة ووزارة المالية والبنك المركزي والمسؤولين في المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية والشركة التونسية لتكرير النفط والشركة التونسية للكهرباء والغاز والشركة الوطنية لتوزيع البترول ووكالة التحكم في الطاقة.
لذلك يعتبر المختصّون أنّ بلوغنا هذا الحدّ من العجز المرعب في الطاقة الذي كلفنا أكثر مما كان يمكن توظيفه في تنمية المناطق الداخلية المنتجة للنفط والغاز كالقصرين وقبلي وتطاوين وقابس هو دليل واضح على الاحتقان الاجتماعي الذي تشهده عدد من الجهات ذات الصّلة بين وقت وآخر والمتمثّل بالخصوص في الاحتجاجات والتحركات سواء بالشكل السلمي أو عن طريق العنف النهب والتخريب.
ديون الحرفاء
تزايد معدّل حجم الديون غير المستخلصة سنويا لدى حرفاء الشركة التونسية للكهرباء والغاز خلال السنوات الثلاث الأخير بنسبة تتجاوز 34 بالمائة لتبلغ قيمة هذه الديون أكثر من 407 مليون دينار مقارنة بـ 2011 حيث كانت في حدود 303 ملايين دينار في حين تتخلّد بذمة الأسر وأصحاب المهن الصّغرى ما يضاهي 222 مليون دينار بما يعادل 54.6 بالمائة من إجمالي الديون غير المستخلصة.
وفي وقت تغيب فيه الإحصائيّات الرسميّة الدقيقة للسنتين الأخيرتين، جاء في تقديرات للديون غير المستخلصة لما سبق من السنوات أنّ المؤسسات العمومية والشركات الوطنية والجماعات المحلية المرتبة الثانية ضمن قائمة الاطراف التي لم تقم بدفع فواتير استهلاك الكهرباء والغاز، وأنّ قيمة هذه الفواتير في حدود 136.8 مليون دينار بما يناهز 36.6 بالمائة من حجم الدّيون غير المستخلصة لفائدة الشركة التونسية للكهرباء والغاز فيما يتخلّد بذمة الادارات ذات الميزانيات المستقلة 85.4 مليون دينار، وبذمة الجماعات المحلية 48.8 مليون دينار، والشركات الوطنية والدواوين 29.5 مليون دينار اضافة إلى ديون غير مستخلصة متخلدة بذمّة بعض الصناعيينّ.
إشكـاليّات؟؟؟
في تصريحات عديدة تمّ التطرّق إلى الصعوبات التي تواجه مصالح الشركة لاستخلاص ديونها والمتمثلة في رفض بعض الحرفاء خلاص الفواتير بتعلة احتواء هذه الفواتير للمعاليم البلدية الاضافية ومعلوم المساهمة في مؤسسة التلفزة التونسية والاداء على القيمة المضافة، كما ورد في هذه التصريحات إشارة إلى تعرض عدد من الاعوان للعنف اللفظي والمادي من قبل بعض الحرفاء.
ويشار أيضا إلى وجود بعض الإشكاليّات المتعلّقة بعدم رصد ميزانيات لخلاص قيمة تقديرات الاستهلاك السنوي من الكهرباء والغاز بالنسبة للإدارات والبلديات الى جانب عدم احترام آجال خلاص اقساط الاستهلاك التي يتم الاتفاق عليها مسبقا بين الحريف والشّركة.
“شبهات فساد”
بالعودة إلى شبهات الفساد التي تحوم حول المؤسسة فإنّ الإعلام التونسي كشف عن تفاصيل مختلفة حول ملف صفقة ما يصطلح عليه بـ “المراكنة” بين الشركة التونسية للكهرباء والغاز والشركة الأمريكية “جنيرال الكتريك” سيحال على الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
وكانت الشركة التونسية للكهرباء والغاز قد عقدت صفقة مع شركة جنرال الكتريك الامريكية لتوفير كل التجهيزات والخدمات لمحطة بوشمة بقابس لتوليد الكهرباء، حيث بلغت قيمة الصّفقة 280 مليار من المليمات حيث طرحت عدة تساؤلات حول سلامة هذا المشروع خاصة وأنّ “المراكنة” تمّت دون اللّجوء الى طلب عروض دولي كما تقتضيها القوانين الجاري بها العمل.
ويذكر أنّ النائب عن كتلة الحرة بمجلس نواب الشعب “الصحبي بن فرج” كان قد استفسر، بتاريخ 26 جوان 2016، وزير الطاقة والمناجم حول طبيعة هذه الصفقة حيث أكد وجود العديد من الهنات في الصفقة وغياب الشفافية في الارقام المعروضة وأنّه سيرفع قضية تتعلق بملف فساد في الشركة التونسية للكهرباء والغاز، مشيرا إلى أنه سيتم ايداع ملف القضية لدى الهيئة التونسية لمكافحة الفساد التي يترأسها شوقي الطبيب.
كما سيبحث النواب إن كانت اللجنة العليا للصفقات العمومية قد صادقت على هذا المشروع لا سيما وأن العملية تمت بسرعة خيالية، في المقابل أعلنت شركة “جنرال الكتريك” عن انتهاء أشغال إنجاز مشروع تركيز وحدتين إضافيتين لإنتاج الكهرباء بمحطة توليد الكهرباء بمنطقة بوشمة بقابس، والتي ستوفر أكثر من 250 ميغاواط من الطاقة الكهربائية للشبكة التونسية، وهو ما يوازي احتياجات 1.2 مليون منزل من الطّاقة.
وقالت الشركة إنّها ستوفر كل التجهيزات والخدمات بما فيها اثنين من توربينات الغاز من طراز 9E.03 والأجهزة الكهربائية المُلحقة من أجل مساعدة تونس على تفادي انقطاع التيار الكهربائي في المناطق الساحلية خلال موسم الصيف هذا العام، مشيرة على أنها ستُوفر اثنين من توربينات الغاز والمولدات الكهربائية ونظام تحكم والمعدات الكهربائية المُلحقة والمُحولات الكهربائية، وخط الربط البيني والمعدات ذات الصلة.
وتزداد مخاوف عدد من نواب الشعب من وجود شبهة فساد تتعلّق بهذا المشروع إذ تعرّضت لجنة مقاومة الفساد والرشوة التي أشرف عليها المرحوم العميد عبد الفتاح عمر الى أنشطة هذه الشركة في تونس إذ بالعودة الى الصفحات 87 و88 و89 من التقرير النهائي للجنة يقول خبراء ونواب أنّه يتضمّن مؤشرات واضحة على أن الصفقات المبرمة مع المزوّد الامريكي تعلقت بها شبهات الفساد والرشوة، وأنّها فازت بعديد العقود بطرق غير سليمة.
نفي الشركة
في حوار صحفي له نفى الرئيس المدير العام الأسبق للشركة التونسية للكهرباء والغاز “رشيد بن دالي” ما راج عن وجود ملفات فساد داخل الشركة، قائلا: “هذا الأمر لا اساس له من الصحة، فمنذ تواليت مهامي على رأس هذه المؤسسة لم اتلق ولو ملفا واحدا يتصل بعمليات فساد سجّلت داخل الشركة، فللمؤسسة آليات عمل ونحن نتابع نشاط الشركة في كامل أطوار عملها”، وأضاف أنّ “إدارة التدقيق تتابع كل التجاوزات التي يمكن أن تحدث داخل المؤسسة وتتخذ الاجراءات القانونية العاجلة في ذلك دون تستر حسبما تقتضيه القوانين الجاري بها العمل”.
وأكّد “بن دالي” “فيما يخص الصفقات العمومية وادعاءات الفساد التي يروجها هؤلاء فنقول لهم أن البينة على من ادعى، وهناك عديد الآليات القانونية التي يمكن لهم اللّجوء إليها حال اكتشافهم لذلك التجاوز أما أن نلقي بالاتّهامات جزافا فهذا أمر نرفضه ولا نقبله”.
عمليّات تدقيق؟؟؟
قامت هيئات الرقابة الرّسمية، ممثّلة في كلّ من “هيئة المراقبة العامة المالية” و”هيئة المراقبة العامة لأملاك الدولة والشؤون العقارية” و”هيئة المراقبة العامة للمصالح العمومية، قد قامت خلال سنة 2014 بعمليات تدقيق شملت المؤسسات الوطنية الثلاث المعنية بالطاقة وهي “المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية” وشركة “ستير” و”الشركة التونسية للكهرباء والغاز”.
وأصدرت الهيئات الثلاث مجتمعة تقريرا موحّدا وصفه الخبراء بـ “الصّادم” بالنظر إلى مستوى الفساد المستشري في القطاع الطاقي، حيث أقرّت هيئات الرّقابة الوطنية من خلال عمليات التدقيق:
- انتشار سوء التصرف والفساد المالي والإداري في مجال الطاقة.
- سيطرة لوبيات ومافيا المحروقات ذات بعد دولي تتمعش من الوضع في تونس، سواء نتيجة انعدام الإجراءات أو الفراغ القانوني الذي يقدّم ثروات الشعب النفطية لقمة سائغة في أفواه الشركات الأجنبية بتواطؤ مفضوح مع أصحاب القرار السياسي والتقني المحلي.
واردات الغاز
تقول التّقديرات أنّ الانتاج المحلي للغاز التونسي يبلغ مليون متر مكعب يوميا من كل الحقول التونسية في حين بلغت نسبة الاستهلاك الوطني من الغاز حسب بعض الإحصائيّات المنشورة خلال الأعوام الأخيرة 15 مليون متر مكعب.
أما المصدر الثاني الذي تعوّل عليه تونس ضمن المنظومة الوطنية للاستهلاك فهو “الغاز الجزائري” والذي تحصل منه على نسبة 5.25 مليون متر مكعب يوميا كأتاوات مجانية مقابل عبور أنابيب الغاز الجزائري الذي يعبر الاراضي التونسية، ويرتبط انخفاض نسبة الاستهلاك الايطالي للغاز الجزائري بانخفاض نسبة “الأتاوات”، وبالتالي تقلّص حصّة تونس ممّا يجعل بلادنا مضطرّة، وحسب العقود المبرمة مع الجزائر الى اقتناء الفارق من الغاز لسد الحاجيات الوطنية من المصدر الجزائري وذلك بنسبة 47 بالمائة وبكلفة سنوية قدرها 1500 مليار حسب فاتورة 2012 لشراءات الغاز الجزائري علما وان استهلاك الغاز الطبيعي اصبح من الضروريات المعتمدة للاستهلاك من طرف المواطنين بصفة خاصة والمؤسسات الصناعية بصورة عامة.
هذا ما تسعى اليه الشركة حتى تغطي شبكتها حاجيات المناطق السكنية والصناعية بالغاز الطبيعي.
الطّاقة البديلة : الحوافز والعوائق
تكشف المعطيات المرصودة أنّ الشركة التّونسيّة للكهرباء والغاز لم تغفل عن الطاقات البديلة فقد أنجزت محطات توليد كهربائية بطاقة الرياح مركزة بطاقة 245 ميڤاواط بمناطق “العالية” و”الماتلين” و”الكشاطة” بالنظر إلى أهمية هذه الطّاقة، والتي تساهم بنسبة 3 %. من الانتاج من إجمالي إنتاج الطاقة الكهربائيّة
أمّا فيما يخص بعض المؤسسات التي تقدمت بدراسات جدوى في الغرض وتسعى لإنتاج الكهرباء بالطاقة البديلة فهناك عنصران يعيقان هذا الامر أهمّهما العنصر التشريعي الذي يسمح للخواص بتركيز وحدات الطاقات المتجددة حسب “قانون 2009” الذي يخوّل للخواص إنتاج الطاقة الكهربائية للاستغلال الذاتي وبيع فائض الانتاج الذي حدّد بنسبة 30 بالمائة للشركة التونسيّة للكهرباء والغاز
تجدر الاشارة إلى أن هناك قانونا جديدا خاص بمجال الطاقات المتجددة والبديلة من شأنه أن يوفّر الأرضية القانونية لكل من يهتم بإنتاج الطاقة وبيعها للشّركة التونسية للكهرباء والغاز.