ثروات وفقراء؟؟؟
تفزعنا الصّور التي تعرضها، مرارا وتكرارا، فضائيّات تونسيّة عموميّة وخاصّة على حدّ السّواء، أسر بالكاد تمتلك أفرادها ملامح البشر، لا أملاك تحيا من أجلها أو أموال تنعم بها ، لا شيء سوى أكواخ وبيوت كإصطبلات الأغنام والأبقار، في الغالب متداعية للسقوط، أثاثها بعض العصيّ والجذور وأوراق الأشجار وأوتادها وخرق بالية تدمي مشاهدتها القلوب، وكأنّ من بيننا تونسّيّون هم من أبأس أهل الأرض”، حقيقة انكشفت في أعقاب الثورة وأطاحت بتلك الخطابات الهلاميّة والشعارات الجوفاء التي كان ترفع من قبيل “التونسي للتونسي رحمة” و”تونس في مصاف الدول المتقدمة” و”نحن على مشارف تحقيق اكتفائنا الذاتي” ونسبة الفقر لا تتجاوز 3 بالمائة، والواقع أثبت العكس، وكشف أنّ ما كان يسوّق للرأي العامّ هراء وليست حقيقة.
ما كان يتناهى إلى أسماع التونسيين من عمليّات الانتفاع بالقرارات والمنح الاجتماعية لم يكن غير ترّهات كانت فقط تقضّ مسامع النّاس ولم تكن سوى واجهة اشهاريّة انتفع منها “أولاد الدّار” والمقرّبون ومن لفّ لفهم من أصحاب المآرب وأرباب الأعمال والمصالح وتابعيهم، لكن ما كان مخفيّا، وليس خافيا، عن عيون نظام المخلوع أنّ السواد الأعظم من أفراد الشعب كانوا يشكّكون في ما يروّجه النظام عبر وسائل الإعلام التي كان يتحكّم في ناصيتها، تعرف الجماهير كلّ صغيرة وكبيرة أنّ العورات كانت شاخصة للعيان بالمكشوف ولم يكن ليسترها “كرتونة” مساعدات لبعض “الزواولة”، “كرتونة” لم تكن تحوي من آمال وطموحات التونسيين ذوي المعيشة الضنكة غير علبة طماطم وكيلو من الكسكسي وآخر من المقرونة وقارورة من الزّيت، وذلك هو مفهوم “العدالة الاجتماعيّة” على أصوله وقتذاك في دولتنا.
وفي الوقت الراهن يرى الرّائي من “ابن البلد” أو الأجنبي، المقيم أو الضيّف، ويرى الرائحون والغادون من وإلى القطر التونسي، شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، أنّ تونس بصغر حجمها الجغرافي الذي لا يتجاوز 165 ألف كيلومتر مربّع (وإن كانت أكبر مساحة من الأردن ومن لبنان ومن كوريا الجنوبيّة ومن الطوقو ومن.. ومن..) فإنّها تحتكم على ثروات طبيعيّة ومنجميّة ومدخرات طاقيّة يمكن إذا أحسن التصرّف فيها أن تكفي بأريحيّة حاجيات أكثر من 22 مليون ساكن أي شعب تونس مضاعفا، فتونس لها من الحبوب والزياتين والقوارص والكروم والتمور، ولها من الفسفاط والثروات المنجميّة الباطنيّة والطاقيّة من أنواع مختلفة من المحروقات ما يجعلها تحقّق اكتفاءها الذاتي وتضمن مدّخرات ماليّة إضافيّة يمكن إذا أحسن التصرّف فيها أيضا أن تغطّي العجز المتنامي في الميزانيّة العامّة للدولة، وبالتالي تلافي العجز الحاصل في الميزان الجاري العام والتحكّم في اختلال الميزان التجاري في الوقت نفسه.
وتونس تنتظر اليوم أكثر من أيّ وقت فات تنفيذ الإصلاحات المعلن عنها في مجال الجباية وفي قطاع الماليّة العموميّة وفي ما يتعلّق بتنظيم المسالك التجاريّة والتحكّم في تفاقم ظاهرة الأسواق الموازية وبالمحصلة إرساء “عدالة جبائيّة” تكرّس مساواة مفهوم المساواة الحقيقيّة بين كلّ الأطراف المتداخلة والمعنيّة، بلا مداراة ولا محاباة، الكلّ سواسية أمام الواجب الوطني لا سيما والبلاد في حاجة إلى تضافر جهود الجميع والتزامهم بحقوق دولتهم عليهم، كما أنّ الجميع معنيّ بتطبيق القانون ونبذ عقليّة “هذا سنّة وهذا فرض”، فالجميع معنيّون ولا مجال للبلوغ بتونس المراتب التي ننتظرها والواقع الذي ننشده من صلابة اقتصادنا الوطني واستقرارنا الأمني والاجتماعي والسياسي إلاّ إذا تمّ تطبيق القانون على الجميع دون استثناء مثل ما تستوجبه الإصلاحات المرتقبة.
نحن اليوم في مفترق طرق حقيقيّة فيها تونس دوما غنيّة بثرواتها ومقدّراتها وأيضا فيها فئة واسعة من التونسيين يرزحون تحت الفقر والخصاصة والعوز، وهو أمر غير منطقي بالنظر إلى تلك الثروات والمقدّرات والمسؤوليّة هنا ثقيلة على السلط المعنيّة في البلاد لتغيير هذه المعادلة غير المتوازنة والمختلّة أو بالأحرى المقلوبة رأس على عقب.