قطاع التّمور: أزمة في التّسويق رغم وفرة الإنتاج
يعيش قطاع التمور في تونس هذا العام أزمة كبيرة إذ يخشى الكثير من الفلاحين، كساد في تسويق محصول التمور لموسم 2016 الحالي، والذي يتوقّع أن يكون بنفس حجم المحصول المسجّل سنة 2015 والذي بلغ بدوره أكثر من 200 ألف طن، يصدّر حوالي نصفها إلى الخارج، وذلك حسب معطيات أوردتها مصادر رسميّة.
تونس الأولى عالميا
تحتل تونس حسب المنظمة العالمية للتغذية والزراعة FAO المرتبة الأولى عالميًا في قائمة البلدان المصدرة للتمور باعتبار المردودية المالية للتصدير، حيث بلغت صادرات تونس من التمور الموسم السابق 100 ألف طن أي ما يعادل 460 مليون دينار مع نهاية موسم التصدير يوم 30 سبتمبر 2015 مقابل 87 ألف طن بقيمة 382 مليون دينار خلال موسم 2014، وسجلت بذلك تطور في الكميات بنسبة 13 بالمائة وتطور في العائدات المالية بنسبة 20 بالمائة.
ووصلت وجهات تصدير التمور التونسية خلال موسم 2015 إلى حوالي 70 سوقًا عبر العالم مقابل 65 سوقًا في الموسم الذي سبقه، واستأثرت السوق المغربية وحدها بنحو 24.5 ألف طن مقابل 21 ألف طن موسم 2014.
5.4 مليون نخلة على مساحة 40 ألف هكتار
تمتدّ الواحات التونسية على مساحة 40 ألف هكتار وتحتوي على 5.4 مليون نخلة منها 3.55 مليون نخلة صنف “دقلة النور”، حيث تعتبر واحات نفزاوة والجريد أهم الواحات المنتجة للتمور التونسية الجيدة، والتي تنتج قرابة 60 بالمائة من الإنتاج التونسي، وتأتي الجريد (توزر) في المرتبة الثانية، ثم تأتي واحات أخرى أقل أهمية بمحافظات قفصة وقابس وتطاوين.
ويساهم القطاع بنسبة 5 بالمائة من القيمة الإجمالية للإنتاج الفلاحي التونسي وبنسبة 16 بالمائة من القيمة الإجمالية للصّادرات الفلاحية، كما يوفر قطاع إنتاج التمور 2 مليون يوم عمل ومورد رزق لقرابة 50 ألف عائلة.
موسم 2016
يتوقّع أن يبلغ انتاج تونس من التمور خلال موسم 2016 نحو 246 ألف طن (منها 182 ألف طن دقلة النور) بزيادة 10 بالمائة عن الموسم الفارط (223 ألف طن) علما ان تونس حققت الموسم المنقضي (من غرة أكتوبر 2014 إلى موفى سبتمبر 2015) رقما قياسيا عبر تصدير 100 ألف طن من التمور بقيمة 462 مليون دينار، حسب بيانات منشورة على موقع وزارة الفلاحة والصّيد البحري والموارد المائيّة.
أزمة رغم وفرة الإنتاج
رغم الزيادة في انتاج التمور لم يجد الفلاح في الجنوب التونسي القدرة على تصريف إنتاجه رغم جودته العالية، حتى أن البعض أصبح يتخوف من ضياع وتلف محاصيلهم، الأمر الذي خلق حالة من الاحتقان في صفوفهم وصلت في بعض الأحيان الى الاحتجاجات على غرار ولاية قبلي (المنتج الأول للتمور) وغلق الطرق الرئيسية بالجهة.
وأرجع الفلاحون هذه الأزمة في توزيع التمور والتسويق بالكيفية المستوجبة إلى ما اعتبروه ممارسات احتكارية لبعض بارونات التصدير وغياب إرادة جادة من طرف سلطة الإشراف للتخفيف من حدة هذه الإشكاليات، كما عزى بعض فلاحي التّمور ما وصفوه بـ “الكساد المقلق” لتوزيع منتوجهم إلى “تعمّد بعض رجال الأعمال أكل حق الفلاح وشراء المنتج بأسعار زهيدة”.
في المقابل، أرجع مسؤولون أزمة التمور بالأساس إلى تراجع التصدير، وما يخلفه ذلك من تراجع للأسعار في السوق المحلية، إلى الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد ككل ونقص السيولة لدى البنوك، الأمر الذي أثر على رجال الأعمال ولم يعد قطاعا جاذبا للاستثمار.
احتجاجات في مدينة “قبلي”
عمد محتجون من مزارعي التمور في ولاية قبلي التونسية الأربعاء 11 نوفمبر 2015 إلى غلق الطريق بين بلدتي “أم الصمعة” و”سوق الأحد” بالولاية، بعد تفاقم أزمة ترويج التمور، ورفضهم التسعيرة التي تمّ عرضها من قبل التجّار.
وفي تصريح لوكالة أنباء أجنبيّة معتمدة بتونس، أفاد رئيس دائرة الإنتاج النباتي بالمندوبية الجهوية للفلاحة بقبلي “بلقاسم عمّار” أنّ ولاية قبلي وحدها تحتكم على قرابة 25 ألف هكتار من شجر النخيل وتساهم بـ 70 بالمائة من الإنتاج الوطني للتمور لكنّها رغم هذه الوفرة فإنّ قطاع التمور فيها يعيش إشكاليات جمّة.
وذكر محتجون أنّ كساد التمور يعود إلى “تعمد المروجين الضغط على الفلاح للبيع بأسعار زهيدة، رغم الاتفاق على التسعيرة للعام الحالي، وهي ديناران اثنان، مطالبين بضرورة فتح الحدود أمام التجارة نحو أسواق جديدة على غرار السوق الليبية.
وطالب عبد الله مكشر، رئيس الإتحاد الجهوي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية في تصريح للوكالة الأجنبيّة “بعقد مجلس وزاري دوري في ولاية قبلي بإشراف رئيس الحكومة وتكوين خلية أزمة دائمة صلب الولاية، وحل كل مشاكل التمويل وجدولة ديون صغار الفلاحين وأصحاب مخازن التبريد”.
من ناحيته صرّح كاتب عام اتحاد جهوي للشغل بقبلي “علي بوبكر” بأنّ التمور لها أهمية اقتصادية واجتماعية، ولابد للحكومة أن تبدي جرأة في التعاطي مع هذا الملف، وأن تتجاوب مع مطالب الفلاحين”.
وقالت محبوبة ضيف الله، نائبة مجلس نواب الشعب عن حركة النهضة، في تصريحات إعلامية سابقة، إن “قطاع التمور يعيش أزمة حادة من حيث التوزيع والتسويق والتسعيرة ألقت بظلالها على الواقع الاجتماعي والاقتصادي للجهة، وخلفت حالة احتقان بدأت بالقلق وانتهت بالاحتجاجات”.
إجراءات لم تقنع؟؟
أمام هذه الأزمة التي يعيشها القطاع أقرّت وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري عديد الإجراءات لإنقاذ موسم 2016، من أبرزها التنسيق مع وزارة التجارة لفتح باب التصدير نحو السوق الليبية، إلا أن هذه الإجراءات لم تسعد أهالي الجنوب، خاصة بقبلي، معتبرين إياها بـ “ذر رماد على العيون” ولا تستجيب لمطالبهم ولحاجياتهم، ولا تحل المشاكل التي يمرون بها.
ويذكر أنّه تمّ إقرار جملة من الإجراءات في جلسة انعقدت في 11 نوفمبر 2015 وجمعت وزير الفلاحة سعد الصديق بوزراء التجارة والصناعة وكاتبة الدولة السابقة لدى وزير المالية بثينة بن يغلان ونائب رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري عادل المسعودي وعضو المكتب التنفيذي الوطني المكلف بالأشجار المثمرة والتجارة المغاربية ابراهيم الطرابلسي، والتي أفضت إلى:
– تحرير التصدير وتيسير اجراءاته (تعهد وزير التجارة بتعليق العمل بإجراءات المراقبة من طرف الديوان التونسي للتجارة عند تصدير التمور برا الى ليبيا).
– اعطاء الاذن للشركة التونسية للكهرباء والغاز بعدم قطع الكهرباء عن الفلاحين بتعلة عدم قدرتهم على خلاص الديون ومواصلة تزويدهم بها حتى يستمروا في نشاطهم.
– الاتفاق المبدئي على التعجيل بتمكين مجمع الغلال من التمويلات اللازمة للتدخل لخزن وشراء 4 الاف طن من التمور من صغار الفلاحين مع امكانية الزيادة في هذه الكمية.
“ديوان التمور”؟؟؟
دعا الاتّحاد التونسي للفلاحة والصّيد البحري، أكثر من مرّة، إلى إحداث “ديوان للتمور” استجابة لمطالب مهنيي هذا القطاع الذي يعاني أزمة تسويق وتصدير ما انفكت تتفاقم بين سنة وأخرى لا سيما بعد الثورة.
وكانت المنظمة الفلاحيّة قد جدّدت دعوتها لبعث “ديوان للتمور” وأوردت في بلاغها الذي نشرته للغرض أنّه “إثر الانطلاق في انجاز الخطوات الترتيبية لإتمام الاجراءات القانونية المتعلقة بمشروع إحداث مجمع مهني مشترك للتمور وذلك تجسيما للقرار الحكومي المعلن عنه يوم 26 ديسمبر 2015 بولاية قبلي، فان الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري يجدد مطالبته بإحداث ديوان للتمور”.
تعاون تونسي ياباني بتوزر
شرعت شبكة مؤسسات ومتدخلي قطاع التمور والنخيل “كلوستر التمور والنخيل” بولاية توزر التي تم إحداثها ببادرة من قطب الجريد للتنمية في تنفيذ برنامجها الذي ضبطته لمدة 3 سنوات والهادف الى الرفع من تنافسية قطاع التمور بالجهة من خلال جملة من الانشطة وذلك بالاعتماد على مقاربة تشاركية تجمع مختلف الاطراف المتدخلة في الشبكة.
وتتركّز المحاور الأساسية لبرنامج العمل الذي تشارك في تنفيذه الوكالة اليابانية للتعاون الدولي على تطوير القيمة المضافة للمنتوج وتعصير وسائل وتقنيات الانتاج والتسويق والتعريف بالمنتوج في الاسواق العالمية وكذلك النهوض بالجودة.
وجدير بالذكر أن وفدا يابانيا من الوكالة اليابانية للتعاون الدولي ممثلا عن شبكة الكلوستر زار مؤخّرا عددا من المؤسسات الصناعية وهياكل الدعم ومجمعين ومجامع منخرطة في منظومة الكلوستر قصد الاطلاع على مشاغل متدخلي قطاع التمور والنخيل بالجهة والتعرف على مقترحات الشبكة لتحسين تنافسية القطاع والرفع من القيمة المضافة وجودة المنتوج.
وتندرج الزيارة في إطار مساعي الوكالة اليابانية للتعاون الدولي لمرافقة ودعم بعض شبكات المؤسسات بالجنوب التونسي وخصوصا منها العاملة في مجال الصناعات الغذائية عبر برنامج مساندة في الغرض يتكامل مع بنود اتفاقية مبرمة بين الوكالة وديوان تنمية الجنوب لتنفيذ برنامج استراتيجي لتنمية الجنوب التونسي.
السعوديّة: تونس نموذج يحتذى
ذكرت وكالة الأنباء السعوديّة في 9 ديسمبر2015 أنّ وفدا من رجال الأعمال السعوديين من مختصي ومصنعي ومنتجي التمور اطلع على تجربة برامج الإنتاج وبرامج الجودة والتقنية المستخدمة في زراعة النخيل في تونس.
جاء ذلك خلال الزيارة التي نظمها المركز الوطني لزراعة النخيل والتمور في المملكة لمدة 5 أيام لعدد من رجال الأعمال في إطار التعاون بين المملكة العربية السعودية وجمهورية تونس الشقيقة في عدة مجالات ومن ضمنها قطاع النخيل والتمور.
واستمع الوفد خلال جولة لهم في المجمع المهني المشترك للغلال لنبذة عن الدراسات والتجارب وبرامج التصدير والخطط الإستراتيجية المعنية بتطوير قطاع النخيل في تونس، ومعرفة الحلول المبتكرة للتغلب على المعوقات التي تواجه قطاع النخيل والتمور في الإنتاج والتسويق والتصدير.
ويعلّق فلاحو الجنوب النّاشطون في قطاع التمور آمال عريضة على نتائج التدابير الجديدة المنتظر تحقيقها في الاتجاه الإيجابي خاصّة بعد طرح مسألة تسويق التمور خلال اللّقاء الذي جمع رئيس الحكومة الحبيب الصّيد يوم الجمعة 8 جويلية الجاري بوزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري سعد الصديق حيث تم التباحث حول سبل فض الإشكاليات العالقة صلب القطاع.