كالعادة “راس الهمّ الموظفّ” بمنطق “سيب البهيم ودار على البردعة”
مراقبة الحضور بالنسبة للموظفين الصغار و”بعض المتوسطين” من قبل مصالح وزارة الوظيفة العموميّة والحوكمة ومكافحة الفساد أمر إيجابي ومطلوب، لكنّه غير منطقي ومناقض لما هو معمول به عبر العالم المتقدّم وأيضا “غير المتقدّم” مثل ما هو الحال بالنسبة لوضع بلادنا وأحوالنا التي تذهب يوما بعد يوم في اتجاه التأزّم والاختلال. هذا التناقض الذي يكمن في تشكيل وزارة بطمّ طميمها بغرض التعهد بصلاحيات من الغريب والعجيب أن تكون من مشمولاتها، باعتبار أنّ المؤسسات في حدّ ذاتها كفيلة بمراقبة حضور أبنائها الموظفين، بمعنى خلقنا “خدم زايدة” وشتتنا المهامّ ووزعنا الصلاحيات مجّانا.
كان الأجدى أن يعهد إلى الوزارة المعنيّة مهامّ من قبيل الكشف عن الفساد الإداري والإثراء بطرق غير مشروع بالنسبة للمسؤولين السابقين والحاليين والمستقبليين، وكشف الغموض عن “الترافيك” في الصفقات العمومية، التي قال رئيس هيئة مقاومة الفساد “شوقي الطبيب” أنّها بآلاف المليارات، كان الأجدى أن تركّز هذه الوزارة مهامّها لتطبيق قانون “من أين لك هذا؟؟”، وكان حريّ أن تسرع الوزارة المعنيّة بتطبيق منظومة “الإبلاغ عن حالات الفساد ومتابعتها خاصّة وأنّ الاعتمادات مرصودة من قبل دولة كوريا الجنوبيّة منذ أعوام.
وجدير بالذكر أنّه تمّ تخصيص هبة بقيمة 5 ملايين دولار بما يضاهي أو يتجاوز قيمة 10 ملايين دينار من أجل تفعيل مشروع منظومة “التبليغ عن الفساد” المؤجّل إلى حين، والكلّ يعلم أن إطلاق موقع للغرض بلغته في الأسابيع الأولى زهاء 80 ألف حالة تبليغ وتشكيّات من حصول فساد في الإدارة مؤسسات القطاع العمومي لكن لا موقف ولا ردّة فعل ولا وجود لما يؤكّد رسميّا التعامل بجديّة وصرامة مع ملفات محدّدة رغم انتظار المنتظرين سواء كانوا من ضحايا هذا الفساد أو شاهدين عليه أو حتّى من جمهور الرأي العام.
لذلك من الخطأ جدّا السير في الاتجاه المعاكس وعكس الهجوم ضدّ “الموظّف” الذي يعدّ الحلقة الأضعف سواء في سلسلة الأعمال الإداريّة وخاصّة في مجابهة ماكينة الفساد التي تجد الفضاء فسيحا والمناخ ملائم كلّما كان هذا الموظّف مستهدفا و”مهلهلا”، هذا الأخير الذي سيتأثّر بالمنهج المتبع ويغمض عينيه عن الفساد وعن التجاوزات لتعاد الإدارة ومؤسسات الدولة إلى حضيرة الفزاعات القديمة ويعاد بالتالي مجد أباطرة الفساد والمفسدين فيصولوا ويجولوا ويرتعوا كما شاءوا بلا رقيب أو حسيب وفي ظلّ مناخ مكهرب من سماته التخويف والتدجين.
وتبعا لما تقدّم، فإن وزارة الوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد يجب مراجعتها أو مراجعة مهامها في التشكيلة الحكومية المنتظرة لأن تحقيق أهداف إنشائها رهين نقل تسميتها وتطبيق شعاراتها لتمسي منجزات ملموسة وتنفّذ بشكل عيني على أرض الواقع.